fbpx

الدين بين السياسة والمجتمع

أقام “مينا مونيتور” مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي، مساء الاثنين/28/1/2019 بمدينة غازي عينتاب ندوة سياسية/ فكرية/ اجتماعية بعنوان “الإسلام بين السياسة والمجتمع” أدار الندوة الأستاذ محمود الوهب كاتب وسياسي وناشر، مبتدئاً بتوجيه الشكر للمرصد الذي دعا إلى هذه الندوة المهمة، وأشار إلى أهمية الحوار حول الحال الإسلامية وإشكالاتها المختلفة وقال إن الإسلام قام بثورة عظيمة قبل ألف وأربعمئة سنة أغنت الحضارة الإنسانية وأضافت إليها فكراً وقيماً إنسانية. لكنَّ الحياة نهر دائم الجريان والتفتح على الجديد، ولعلَّ الحوار سبيلنا إلى فهم الحياة وجديدها. قدَّم الباحث ماجد علوش رأيه من خلال البحث في “الدين في عالم متبدل” فأشار إلى خضوع الإنسان في مسيرة حياته لشرطين وجوديين هما الشرط الفيزيائي، والشرط الميتافيزيائي الأول هو من فرض نفسه، والثاني ما سعى اليه من خلال محاولاته تفسير الظواهر الكونية الغريبة عن وعيه، والعصية على فهمه في ضوء أدواته البدائية ومعارفه الساذجة وتداخل الشرطينمن  دون أن يندمجا، فقاده الأول إلى بناء المجتمعات، بينما أوصله الثاني إلى الدين. وانتقل علّوش إلى الواقع الإسلامي الذي سار في درب مختلف عن المسار المسيحي الأوروبي إذ إن الدولة الدينية حملت الصفة الإسلامية في مجال القضاء وفي اللقب الذي حمله رأس السلطة مع استثمار سيئ للدين لدى الصراع السياسي والاجتماعي الداخلي، وحين جاءت الدولة العثمانية استحدث منصب “شيخ الإسلام”، ربما لخلق نوع من الكهنوت لقيادة الدولة، لكن الأمر اقتصر في ما بعد على وزارة الأوقاف، ومنصب المفتي العام، وبعض المؤسسات التابعة كمؤسسة الأزهر وهيئة كبار العلماء.. إلخ. مع سقوط الخلافة رسمياً 1923 واجه المسلمون حالة فقدان الدولة الحامية شكلاً والمالكة واقعاً للنشاط الديني فاهتزت عقولهم واضطربت أفكارهم وغاصوا في جدل ظاهره فقهي عن طبيعة الخلافة وموقعها من الدين واحتاروا في اختيار الإجابة الملائمة عن حالة النهوض التي تشهدها المجتمعات العربية والإسلامية التي تتصف أساساً بصفة السعي للدولة الوطنية، النقيض التاريخي لدولة الخلافة وعند ذلك برز مفكرون أمثال “سيد قطب” الذي أصدر حكماً بالإعدام على كامل الحضارة البشرية ومنجزاتها في ميادينها كافة، واشتغل غيره ضد الحريات العامة ومظاهر الرفاهية الاجتماعية وبخاصة تجاه قضية المرأة التي ضيقوا مجالها إلى أن برزت هوَّة واسعة لا يمكن جسرها بين الشريعة الاسلامية والحضارة المعاصرة. أما المحاضر الثاني فكان الباحث والناشط المدني الشاب باسل الجنيدي مسؤول مركز الشرق للدراسات بتركيا فقد تناول موضوعتي الديمقراطية والمواطنة اللتين شكلتا جوهر انطلاقة الشباب في الربيع العربي وفي الثورة السورية على وجه التحديد، فكانت الشعارات ضد الاستبداد، وتخلف التنمية، لكن الإسلاميين كانوا ضدهما استناداً إلى الأيديولوجيا الشمولية التي يعتنقونها، وأعطى أمثلة من الواقع الذي جرى أمام الجميع كالتأييد الذي جرى لداعش ومساندتها. وفي مسألة الديمقراطية أشار الباحث إلى إشكاليّة الإسلام السياسي مع الديمقراطيّة وأفكار ترتدي رداء الديمقراطية ظلماً: كالشريعة هي الدستور، والاقتصاد الإسلامي، والدولة المدنية ذات الخلفية الإسلاميّة، وأشار إلى اختلاف هذه الأفكار من مجتمع إلى آخر ففي تونس كانت التجربة ألطف إذ استفادت من درس مصر إضافة إلى واقعها التونسي. فسقوط التجربة المصريّة جعل الحركة التونسية تقوم بمراجعات. تصريحات الغنوشي تتكلم عن نموذج تركي، أو إندونيسي، ماليزي، ما يؤكد عدم ارتباط حركة النهضة بالإخوان المسلمين.  وتحدث الجنيدي عن انقلاب الإسلاميين على شركائهم الديمقراطيين وطرح مسألة الاختلاف حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأفكاراً أخرى استمدها من واقعه بوصفه ناشطاً في ريف حلب الشرقي والشمالي.. إلخ. المحاضر الثالث كان الأستاذ حسن النيفي كاتب وسياسي تحدث عن المدِّ الإسلامي الذي انتشر في العقدين الأخيرين من القرن الفائت، واتّسم بالتديّن الفطري متخذاً من الثقافة الإسلامية امتداداً حضارياً له.. وقد عانى هذا الطيف حالة من الإقصاء والاستبعاد بسبب مصادرة السياسة من السلطة القائمة وكذلك من النخب السياسية بآن معاً، الأمر الذي جعل هذا التيار المتدين ينكفئ على منظومته الثقافية التقليدية باحثاً عن طرائق ملائمة للتعبير عن الذات. وتحدث عن دخول الثورة السورية مبكّراً مرحلة العنف ما استدعى انتظام الأطراف المناوئة للنظام في تشكيلات عسكرية محددة (كتائب صغيرة، فصائل، مجموعات إلخ)، لكنها لم تخضع لقيادة مركزية واحدة، وافتقرت إلى هيكلية تنظيمية وإدارية وغابت عنها الرؤية الموحَّدة، وكادت تنعدم لديها الاستراتيجية العسكرية إضافة إلى غياب الحوامل الثقافية المؤسِّسة للوعي الثوري. أضف إلى ذلك انشغالها بالتمويل وتضايقها من الحراك المدني، ذلك كله جعل النظام يخدعها ويدس مخابراته في صفوفها. وأشار المحاضر النيفي إلى انطلاقة التيارات الجهادية من دون أي وازع قيمي واستطاعت تطويق فصائل الثورة درجة أنها تجاهلت عسكر النظام وتوجهت نحو الجيش الحر. وأشار إلى دعوة القوى العلمانية إلى بناء الدولة الحديثة واستلهام مفهومات الديمقراطية والمواطنة وسيادة القانون، لكنه انتقد عملها الذي لم يقترن بنشاط ثقافي يؤسس لهذه الدعوة، وقال: إن برامج تلك القوى ومشروعاتها الحزبية والسياسية لم تتوجه إلى المواطن ولم تلامس قضاياه ومشكلاته الحياتية، بل تعالت عليه بانشغالها بقضايا فكرية وسياسية عابرة للأذهان والوقائع معاً. وتقدَّم عدد من الحضور -معظمهم من المحسوبين على الإسلام السياسي- بمداخلات مفتوحة لم تحدد بزمن وإن لم يتجاوز كل منها الدقائق الخمس فتحدث كل من سعد وفائي وجلال نوفل وعبد الغني بكري ومحمد نديم وبشير الخلف ودافع بعضهم عما وجه للإسلاميين من تهم تخصُّ انقلاب الاسلاميين بالعمل على أسلمة الثورة وعسكرتها، وقيل في التسويغ إنَّ الغرب لا يريد إقامة دولة إسلامية. حضر الندوة ستة وعشرون ضيفاً عدا المحاضرين والصحافيين، وكان التقويم العام للندوة أكثر من جيد، ووصفت بالسلاسة والهدوء وحرية الحوار. الختام كان كالبدء بالشكر للمرصد الذي أتاح الحوار وللمضيف (لبيتنا سوريا) والضيوف. مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى