تشترك الجزائر ومالي بحدود برية طويلة تصل إلى 1329 كم مربع، الأمر الذي يجعل من البلدين الجارين مكملين لبعضهما، فلا يمكن فصل الأحداث المؤثرة والكبيرة في إحداهما على الأخرى.
تعتبر مالي وهي من أكبر الدول الإفريقية الداخلية حيث لا حدود بحرية لها، من الدول المؤثرة في الربط بين غرب وشرق إفريقيا، صحراؤها شاسعة وتكثر فيها الجماعات المسلحة المتطرفة، والتي تحمل فكر تنظيم الدولة “داعش”، وبينما يسود الفقر وترتفع معدلات البطالة في البلاد، لا يجد الكثيرون من الماليين أمامهم سوى طريقة وحيدة، للتخلص من أعباء الحياة الكثيرة، إما التوجه إلى الجزائر وموريتانيا، والمغرب، للهرب بحراً إلى الدول الأوروبية.
وتسببت الهجرة غير الشرعية للماليين إلى الجزائر ومحاولتهم عبور المتوسط، بتوتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في بداية 2018، وذلك عقب إقدام مجموعة من المهاجرين الماليين الذين رحلتهم الجزائر، على الاعتداء على السفارة الجزائرية بباماكو.
وعبرت حكومة مالي، عن أسفها للحادثة واصفة إياها بـ”العمل غير الودي”، وأنه يَجري “البحث عن المنفذين والمدبرين المحتملين”.
واستدعت حينها الخارجية الجزائرية، سفير مالي في الجزائر لبحث اعتداء مهاجرين غير شرعيين رحّلتهم السلطات الجزائرية، على سفارتها في باماكو، كما استقبل سفير الجزائر في باماكو من قبل وزير الخارجية المالي لذات الغرض.
اللاجئون الماليون في الجزائر
دفعت البطالة والفقر آلاف الماليين لخارج بلدهم طلباً لحياة تحفظ أساسيات وكرامة الإنسان، وتعد أزمة البطالة من أكثر الملفات النشطة بين البلدين.
حيث شكل الكثير من الأفارقة الذين يدخلون الجزائر بطريقة غير نظامية، أو نظامية، تجمعات سكانية هي أقرب ما تكون إلى “غيتوهات” خصوصا في جنوب البلاد، فبينما وجهت المنظمات الحقوقية غير الحكومية انتقادات شديدة للسلطات على ما تعتبره سوء معاملة وإهمالا للاجئين الأفارقة، تؤكد الهيئات الحكومية أن الدولة تقوم بكل ما يمكنها القيام به حسب إمكانياتها ودون المساس بأمنها واستقرارها.
وقد أجازت الحكومة الجزائرية للاجئين والمهاجرين على أراضيها، إيداع شكاوى رسمية لدى القضاء ومصالح الشرطة، بعد انتقادات من منظمات دولية حيال “سوء معاملة” اللاجئين والمهاجرين بالبلاد.
ورغم أن التشريعات القانونية الجزائرية؛ لا تفرق بين المواطنين الجزائريين وغير الجزائريين، فيما يتصل باللجوء إلى القضاء أو الأجهزة الأمنية في حال التعرض لاعتداءات، إلا أن منظمات دولية؛ نقلت عن لاجئين بالجزائر عدم تمكنهم من مقاضاة أشخاص أساؤوا معاملتهم.
مالي والحروب
طالما اعتبرت فرنسا مالي مقاطعة تابعة لها، فدعمت وجودها في البلد الإفريقي الغني، حتى إن الفرنسية باتت هي اللغة الرسمية الموحدة للبلاد، وكانت تعتمد فرنسا إضافة لوجودها العسكري في البلاد، على بعض الجنرالات الجزائريين أيام حكم عبد العزيز بوتفليقة، لصيانة مصالحها في مالي، وبالرغم من العين الفرنسية التي لا تنام في البلاد، على حدودها، فإن الجماعات المسلحة الإسلامية تسببت مؤخراً بقلق فرنسي كبير، خاصة بعد أن قتل جنود فرنسيون، بسقوط طائرتهم، وإعلان المجموعات الإرهابية تبني العملية، بالرغم من عدم مصداقيتهم.
في 2012 حصل الحدث الأكبر، بالنسبة للأمن الداخلي المالي، وبالنسبة لفرنسا، حيث أعلن إقليم الأزواد بشمالي البلاد استقلاله عن الدولة المالية، وذلك بسبب “الهزائم المتكررة للجيش المالي أمام الهجمات المتكررة للطوارق”، بحسب ما أعلن الانفصاليون.
وما ساعد الأزواد بالانفصال هو الطبيعة الجغرافية التي تتمتع بها مالي، حيث يفصلها عن بقية الأراضي المالية نهر النيجر، كما ساعدت جغرافية البلاد إلى تنامي النزعة الانفصالية في مالي، ففي الشمال إقليم صحراوي يسكنه قلة من العاملين في الرعي، بينما يتمركز الجزء الأكبر من السكان في الجنوب، ويعملون في الزراعة نتيجة وفرة مياه الأمطار، ويفصل نهر النيجر بين القسمين، ما دفع الطوارق الشاعرين بالتهميش إلى السعي للانفصال.
أثر الحروب المالية على الجزائر
يتجول المسلحون الذين يشنون حملات إرهابية ضد أهداف أجنبية، ويتبنون فكر القاعدة وتنظيم الدولة المتطرفين، على الحدود المالية الجزائرية، في الصحراء الكبرى الممتدة عبر 10 دول إفريقية، من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، ما يحتم على حرس الحدود الجزائري الكثير من العمل، لحماية الأمن الجزائري الداخلي.
لا تتخوف السلطات الجزائرية من العمليات الإرهابية فقط، وإنما تعمل على ملاحقة عمليات الاختطاف التي تقول السلطات الجزائرية إنها تدر “ذهباً” على المجموعات الإرهابية المسلحة، التي تعتمد على الاختطاف كطريقة للتمويل، إضافة لتهريب المخدرات.
ويقدر أحد أعضاء الحكومة الجزائرية المداخيل المتأتية من الاختطاف مقابل فدية، ب 150 مليون مليون يورو، في السنوات الأولى من الألفية الجديدة فقط، ويمثل هذا المبلغ 95 بالمائة من “تمويل الإرهاب”، في الصحراء الكبرى.
ويعرض الإرهابيون حمايتهم على العصابات التي تهرب المخدرات أو السجائر أو الراغبين في الهجرة نحو أوروبا، عبر الصحراء مقابل “ضريبة”، وتبادل معلومات، وتقديم خدمات مفيدة للطرفين ضد حكومات المنطقة ومؤسساتها الأمنية، وحسب تقديرات الديوان الجزائري لمكافحة المخدرات فإن أكثر من 240 طناً من الكوكايين عبرت أراضي القارة الإفريقية، قادمة من البرازيل والبيرو وكولومبيا، ووقع حجز 52 طنًا من مجموع 75 طنًا، في المنطقة المحيطة بالصحراء فقط، وفي مرات عديدة ترك المهربون طائرة “بوينغ”، إثر عطب أصابها في الصحراء، بعد إفراغ حمولتها من المخدرات.
وتشير مختلف التقارير الصحفية والأمنية إلى دور حكومة وجيش غينيا بيساو في استقبال وتوزيع مخدرات أمريكا الجنوبية، نحو أوروبا، عبر الصحراء، مقابل “ضريبة” يستفيد منها الضباط وكبار الموظفين.
ما يجعل من مالي صمام أمان للجزائر، ويحتم على القادة الجزائرين إيلاء اهتمام أكبر لأمن حدودهم الجنوبية.