السودان من الداخل 3/1

ملفات – السودان

حتى يومنا هذا ومنذ استقلاله في العام 1956 عن الحكم الثنائي البريطاني المصري، يسود تاريخ السودان الحديث حالة من عدم الاستقرار السياسي، تمثلت بثلاثة انقلابات عسكرية كرست وجود ما يقيم مجتمعيا وديمقراطيا بالأنظمة الاستبدادية لمدة أكثر من أربعة عقود ونصف، ولم تستمر الفترات التي وصفت بالديمقراطية سوى قرابة 15 عاماً، فيما كان يعتبر أكبر بلد إفريقي وعربي مساحة، حتى عام 2011 وانفصال الجنوب السوداني.

 وتعتبر الحروب الأهلية المتواصلة منذ الاستقلال بشقيها “الجنوب ودارفور” أحد أهم ملامح انعدام الاستقرار السياسي في تاريخ السودان الحديث، إضافة للانقلابات والتدهور الاقتصادي والفساد.

ثلاثة تحديات رئيسية شكلت تاريخ السودان ما بعد الاستقلال وهي مسألة الدستور ومشكلة الجنوب ومعضلة التنمية في السودان، إلى جانب صراعات أيديولوجية بين الأحزاب اليمينية واليسارية وبين الديمقراطيين والشموليين، وقد حظي كل منهم بتجربة حظه في مواجهة التحديات المذكورة.

رسمياً، وفق الدستور السوداني تقوم سياسة البلاد في ظل نظام جمهوري رئاسي ذو ديموقراطية تمثيلية توافقية، حيث يكون الرئيس السوداني هو رئيس الدولة ورئيس الحكومة والقائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية في نظام متعدد الأحزاب.

و تناط السلطة التشريعية بين كل من الحكومة والمجلس التشريعي السوداني بمجلسيه : المجلس الوطني السوداني ومجلس الولايات السوداني، فيما تعتبر السلطة القضائية مستقلة تحت سيطرة المحكمة الدستورية.

الاستقلال..

من عام 1820 إلى 1874 تم غزو السودان بأكمله من قبل أسرة محمد علي باشا ذات الأصول الألبانية والتي أسسها “محمد علي باشا” من الباشوات والخديويات من نواب السلطان وحكمت في مصر تحت سلطة العثمانيين ثم البريطانيين.

 ليقابل حكم العائلة “المصرية” في السودان بين عامي 1881 و 1885، بثورة ناجحة بقيادة “محمد أحمد المهدي” الذي أعلن نفسه المهدي المنتظر، مما أدى إلى إنشاء الدولة المهدية، والتي تم تدميرها في نهاية المطاف عام 1898 من قبل البريطانيين، الذين حكموا السودان مع مصر بعد ذلك.

وشهد القرن العشرون نمو القومية السودانية، وفي عام 1953 منحت بريطانيا السودان الحكم الذاتي، وتم إعلان الاستقلال في 1 يناير 1956، ليحكم السودان بعدها سلسلة من الحكومات البرلمانية غير المستقرة والأنظمة العسكرية حتى عام 1969، وحكم “جعفر النميري”.

تحت حكم “النميري” (1969 –(1985، وتحديدا عام 1983 تفاقم الخلاف بين الشمال الإسلامي -ومقر الحكومة- والمسيحيين وغيرهم في الجنوب، تسببت خلافات اللغة والدين والسلطة السياسية في حرب أهلية بين القوات الحكومية، المتأثرة بشدة بالجبهة الإسلامية الوطنية، والمتمردين الجنوبيين، الذين كان فصيلهم الأكثر نفوذاً هو جيش التحرير الشعبي السوداني، وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى استقلال جنوب السودان عام 2011.

 وخضع السودان عام 1989 لما وصف حسب محللين بالديكتاتورية العسكرية الأشد واستمرت 30 عامًا بقيادة “عمر البشير”، الذي يتهم بتسببه بحرب أهلية في منطقة دارفور اندلعت عام 2003، وبإبادة جماعية عرقية خلفت أكثر من 300 ألف قتيل.

أواخر العام 2018، اندلعت احتجاجات شعبية منظمة وضخمة، مطالبة باستقالة “البشير”، ليطاح به عبر انقلاب ناجح في 11 أبريل/ نيسان 2019، وتولى مجلس عسكري انتقالي السلطة في البلاد، وبعد مفاوضات شاقة اتفقت قوى المعارضة والمجلس على فترة انتقالية للعسكريين تؤدي إلى تشكيل حكومة منتخبة.

القوى السياسية..

وفق عدة مصادر تاريخية، ارتبط تأسيس الأحزاب السياسية السودانية بالخلافات داخل المؤتمر العام للخريجين، وهو أول منظمة وطنية شاملة وأنشأ في عام 1918، وفي منتصف الأربعينيات، انتهى وجود مؤتمر الخريجين وظهرت الأحزاب السياسية، وعلى الرغم من الأصول الليبرالية لهذه الأحزاب، ومن أجل تعزيز شعبيتها، سعى البعض إلى ربطها بالطوائف الدينية، التي كانت سمة بارزة من سمات هذه الأحزاب.

وكانت الساحة السياسية تسودها عدة تيارات حزبية إبان الاستقلال:

أي الأحزاب المدعومة من الجماعات الدينية الصوفية السائدة في السودان وبالتحديد حزب الأمة ومن خلفه الأنصار وحزب الأشقاء (الوطني الإتحادي لاحقاً)، وقد سادا الفترات الديمقراطية في تاريخ السودان، وقد اختلطت القيادة الدينية للجماعة بالحزب السياسي بصورة كبيرة، ودعا كل من الحزبين للحكم المدني الديمقراطي طيلة تاريخهما في السياسة السودانية.

ازدهر النشاط السياسي للإخوان في الجامعات السودانية حتى مثلوا القوة الحزبية الثالثة بعد الحزبين الطائفيين الكبيرين الأمة والإتحادي. وقد انفردوا بحكم السودان بعد الانقلاب المعروف في 30 يونيو 1989 برعاية زعيمهم الأشهر حسن الترابي. واجه الإخوان العديد من الانقسامات (كغيرهم من الأحزاب الأخرى) وغيروا اسم تنظيمهم مرات عديدة: جبهة الميثاق الإسلامية ولاحقا الجبهة الإسلامية القومية ثم حزب المؤتمر الوطني فحزب المؤتمر الشعبي.

الحزب الشيوعي السوداني والناصريون والبعثيون، ووجدت إلى جانب هذه التيارات الرئيسية تيارات أخرى كالليبراليين والمستقلين والإخوان الجمهوريين والقوى السياسية الإقليمية المختلفة وعلى رأسها القوى السياسية الجنوبية.

ويمكن تصنيف الأحزاب السياسية السودانية في وقتنا الحالي، وبخاصة تلك التي شاركت في الحكومات، إلى ثلاث مجموعات رئيسية: أولاً، الأحزاب الطائفية الدينية التي يمثلها حزب الأمة وأحزاب الاتحاد الديمقراطي (مع كل الفصائل وعمليات الدمج). ثانياً، الأحزاب ذات الأيديولوجيات المتطرفة، مثل الحزب الشيوعي السوداني والجبهة الإسلامية القومية (المؤتمر الوطني والمؤتمر القومي)، والبعث العربي. ثالثاً، الأحزاب الاقليمية بما في ذلك الحزب الليبرالي (من الجنوب)، والاتحاد الوطني الافريقي السوداني، والحزب الوطني السوداني (من جبال النوبة).

وشارك أكثر من 70 حزباً سياسياً في مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في الخرطوم في ديسمبر 2015، في حين قاطع أكثر من عشرة آخرين مؤتمر الحوار. وأدت العديد من العوامل إلى حالة الانقسامات بين الأحزاب القديمة والأحزاب الجديدة. فعلى سبيل المثال، انقسم حزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي، والحزب الشيوعي، والبعثيين، إلى عدة فصائل، حتى أنّ الحركات المسلحة في دارفور وفي الشرق انقسمت.

الأزمة الدستورية

احتدم النقاش بين أنصار الديمقراطية النيابية على النمط البريطاني والديمقراطية الرئاسية على النمط الأمريكي، ولم يتم الاتفاق في الفترة التي سبقت الاستقلال على نمط معين من الحكم.

أما بعد الاستقلال فقد ألغى الاستقلال دستور الحكم الذاتي المعمول به آنذاك، كما خلى منصب رئيس البلاد بعد إلغاء وظيفة الحاكم العام الاستعماري بإلغاء اتفاقية الحكم الثنائي، ولذلك تم تعديل دستور الفترة الانتقالية ليوائم فترة ما بعد الاستقلال على أن يعمل به بشكل مؤقت لحين إقرار دستور جديد.

أهم ما نص عليه الدستور المؤقت هو تكوين مجلس سيادة (مجلس رئاسي عالي) ليكون السلطة الدستورية العليا وتؤول إليه قيادة الجيش.

الانقلاب

في بداية الحياة الديمقراطية فشلت الأحزاب السودانية بعد الاستقلال في الاتفاق على أية صيغة توافقية بينها حول نظام الحكم والدستور واستمر الخلاف لعدة سنوات بعد الاستقلال، كما اخفقت في تقديم حل لمشكلة جنوب السودان، بالإضافة لتردي الأحوال الاقتصادية، مما مهد لتدخل الجيش لإقصائها من الحكم، مستغلاً السخط الجماهيري المتزايد بتأزم الأوضاع في البلاد.

واستولى الجيش بقيادة الفريق “إبراهيم عبود” على السلطة في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1958م، مشكلا أول ضربة لنظام التعددية الحزبية في السودان، ومقدمة لسلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية التي صبغت تاريخ البلاد. شكل الحكم العسكري حكومة مدنية تكنوقراطية حاول من خلالها التصدي للمشاكل الأساسية الثلاثة للبلاد، دون جدوى، وباعتراف قادة عسكريين حينها.

السادس من أبريل/ نيسان 1986، وفي سابقة فريدة من نوعها في أفريقيا والعالم العربي أنجز الفريق “عبد الرحمن سوار الذهب” الرئيس الخامس للسودان وعده بعد انقضاء مهلة العام، ولأول مرة يتخلى قائد انقلاب عسكري عن السلطة طواعية بعد وعد قطعه على مواطنيه دون أي مقابل سياسي أو مادي خاص.

وجرت الانتخابات في موعدها وفاز فيها حزب الأمة بزعامة “الصادق المهدي”، متقدماً على غيره من الأحزاب وتولى رئاسة مجلس الوزراء، بينما جاء الحزب الإتحادي الديمقراطي في المرتبة الثانية الذي كان يتزعمه “أحمد الميرغني” وتولى رئاسة مجلس رأس الدولة، فيما خرج منها حزب الجبهة الإسلامية القومية وزعيمه “حسن الترابي” ليتصدر صفوف المعارضة في البرلمان.

 سلم “سوار الذهب” السلطة إلى الحكومة المدنية الجديدة، إلا ان تلك المرحلة الديمقراطية اتسمت أيضا بعدم الاستقرار، إذ تم تشكيل خمس حكومات ائتلافية في ظرف أربع سنوات.

بعدها قام الحزب الإتحادي الديمقراطي الذي خرج من الحكومة الائتلافية بتوقيع اتفاق سلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي حققت انتصارات عسكرية نتيجة للمساعدات العسكرية والدعم السياسي الذي تلقته من إثيوبيا وبعض الدول الأفريقية المجاورة للسودان، والمنظمات الكنسية.

كانت الهزائم المتلاحقة التي منيت بها القوات الحكومية في جنوب السودان سببا في تذمر القيادة العامة للجيش التي عقدت اجتماعاً وتقديمها مذكرة لرئيس الحكومة الصادق المهدي، مطالبة أياه بالعمل على تزويد الجيش بالعتاد العسكري الضروري، أو وضع حد للحرب الدائرة في الجنوب.

وأحدثت المذكرة بلبلة سياسية في البلاد لأنها تتضمن تهديداً مبطناً للحكومة أو على الأقل توبيخاً رسمياً لتقصيرها في إحدى مهامها الأساسية وهي الدفاع عن البلاد، بإهمالها التزاماتها تجاه الجيش، كما كانت تلك المذكرة مؤشراً خطيراً لتدخل الجيش في السياسة بشكل مباشر.

رفض الصادق المهدي هذا التهديد وأصدر حزب الأمة، بياناً أدان فيه مسلك القائد العام وتدخل الجيش في السياسة، لكن نتيجة تلك المذكرة كانت رضوخ حكومة المهدي في نهاية المطاف للضغوط وإعلانها قبول اتفاقية السلام التي أبرمها الحزب الإتحادي الديمقراطي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبطبيعة الحال كانت تلك الخطوة بداية النهاية لحكومة “الصادق المهدي” الديمقراطية.

انقلاب الإنقاذ وعزلة البلاد..

1989 بدأت ما تسمى بثورة الإنقاذ الوطني في السودان بانقلاب عسكري قاده الشيخ حسن الترابي زعيم الجبهة الاسلامية القومية في السودان، ثم قامت الجبهة الاسلامية باستدعاء “عمر البشير” أحد أعضاء الجبهة الإسلامية القومية المنشقة عن جماعة الإخوان في الجيش، لاستلام مهام الرئيس بحكم أنه أعلى رتبة في الجيش آنذاك.

ضربة البداية كانت في 30 يونيو من العام ذاته، يوم أعلن التلفزيون السوداني عن استيلاء بعض من الضباط التابعين للجيش السودانى على الحكم بقيادة العميد”البشير”، ولم يكن واضحا، في بداية الأمر وفق مراقبين، هوية الانقلاب الجديد، مما ساعد الحكومة الجديدة على أن تنال تأييدا واسعا- داخليا وخارجيا- ومن دول كثيرة، وقامت الحكومة الجديدة بعدد من الاعتقالات الواسعة واعتقلت ضمن من اعتقلت الدكتور “حسن الترابي” نفسه الذي ظهر وفيما بعد أنه مهندس الانقلاب ورأسه المدبر.

وكنتيجة لسياسات الحكومة السودانية الجديدة فقد تردت علاقاتها الخارجية وتمت مقاطعة السودان وإيقاف المعونات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وعزل النظام الجديد في الخرطوم نفسه بشكلٍ أكبر من خلال تأييد الغزو العراقي للكويت عام 1990، الذي تمّ إدانته على نطاقٍ واسع.

وسرعان ما أعرض العالم عن السودان وعملت الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، ودول الخليج العربي على تحجيم علاقاتها معها، وفي نهاية المطاف قطع المساعدات الاقتصادية التي تشكل حاجةً ماسّة للسودانيين.

رغم عزلة البلاد استمرّت السياسات الغريبة لحكومة الخرطوم؛ فقد أصبحت الحكومة السودانية ملاذاً آمناً للإسلاميين المتشددين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك “أسامة بن لادن” الذي انتقل إلى السودان عام 1991 وبقيّ هناك حتى عام 1996، واتّهمت الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية والخليجية، حكومة السودان بدعم الإرهاب الدولي وزعزعة استقرار البلدان المجاورة وتم إدراجه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتعرضت البلاد في أغسطس 1998 لقصف أمريكي بصواريخ كروز.

كما وصلت العلاقات مع مصر أدنى مستوياتها مع محاولة اغتيال الرئيس السابق “حسني مبارك” في أديس أبابا في عام 1995، حيث اتُهمت الخرطوم بتسهيل الهجوم.

إضافة إلى ذلك شجّعت سجلات حقوق الإنسان فرض المزيد من العقوبات على حكومة الخرطوم وحملتها القاسية على معارضيها، وفي 3 نوفمبر 1997، فرضت حكومة الولايات المتحدة حظراً تجارياً على السودان جنباً إلى جنب مع التجميد الكامل لأصول حكومة السودان.

حرب أهلية جديدة “دارفور” وتوجه آخر..

فشلت الحكومة السودانية من الاستفادة من اتفاق السلام الذي وقع مع حركة التمرد، الجيش الشعبي لتحرير السودان في جنوب السودان في عام 2005، والذي أنهى عقدين من الحرب الأهلية، فانخرطت في الحرب الأهلية عام 2003 في دارفور، التي تحتضن أكثر من ثلاثين مجموعة عرقية مسلمة لها تاريخ في التنافس على الأرض والمرعى، واتهمت الحكومة السودانية بالقيام بأعمال وحشية حصدت أرواح مئات الآلاف من المواطنين وفقد ما يزيد على المليون أراضيهم ومنازلهم، مما دمّر محاولات تعزيز العلاقات الخارجية للبلاد، وفي مارس 2009، “أصبح البشير” أول رئيس حالي يُتهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، بسبب أفعال الحكومة في دارفور.

وفي الوقت نفسه، عملت الخرطوم بجدٍّ من أجل التعويض عن علاقاتها التي تضررت مع الغرب ومعظم جيرانها من خلال تعزيز العلاقات التجارية والسياسية مع إيران والصين وجنوب شرق آسيا وروسيا، حيث حقّقت نجاحاً ملحوظاً في مساعيها. فقد لعبت الشركات الصينية والماليزية دوراً حيوياً في إنتاج وتصدير النفط من السودان، ابتداءً من عام 1998.

وبعد عام 2011، ومع تغيّر الأجواء السياسية في المنطقة والعالم، ومع تغيّر التحالفات في الشرق الأوسط بشكلٍ مستمر، يبحث السودان عن خياراتٍ أخرى لإصلاح ذات البين مع جيرانه وبقية العالم.

الانضمام إلى قوات التحالف التي تقودها السعودية ضدّ المتمردين الحوثيين في اليمن في عام 2015، مثالٌ بارز على هذا الاتّجاه الجديد. تهدف هذه الخطوة إلى التعويض عن الخطأ الجسيم بالوقوف إلى جانب الرئيس العراقي السابق “صدام حسين” في عام 1990 من خلال المصالحة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، والتضحية بعلاقات وثيقة مع إيران في وقت واحد.

انقلاب الانتقالية

موجة كبيرة من الاحتجاجات العامة ضد حكم “البشير” الذي امتد لثلاثين عامًا اندلعت في البلاد المنهكة على كافة المستويات، فقام الجيش في 11 أبريل 2019 بانقلاب عسكري أزاح فيه “البشير” عن السلطة معلنة اعتقاله، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي بقيادة “أحمد عوض بن عوف” لقيادة البلاد لمدة عامين كما أعلنت فرضَ حالة الطوارئ 3 شهور في البلاد، وَعلّقت العملَ بالدستور إلى جانبِ حلّ كل من مجلس الوزراء، حكومات الولايات، المجالس التشريعية وكذا حظر التجوال لمدة شهر في عموم البلاد>

الاحتجاجات الشعبية لم تتوقف طيلة اليوم التالي، مطالبة بتنحية المجلس العسكري الانتقالي ككل وسطَ إصرارهِم على تشكيل حكومة انتقاليّة مدنية، ليعلن “بن عوف” تنازله عن رئاسة المجلس الانتقالي وعيّنَ المفتش العام للجيش الفريق أول “عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان” خلفًا له.

انفراجة بتنازلات..

ينوء كاهل السودان بجملة من التحديات تهدد المسار الانتقالي بعد الثورة برمته؛ جراء ملفات ما زالت عالقة رغم إتمام بعضها مثل التطبيع مع إسرائيل، وإزالة اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعودة التعاملات المالية الدولية والاقتصاد المنهك.

وتدير الفترة الانتقالية شراكة بين العسكر وقوى الحرية والتغيير، التي ساندت الثورة ضد نظام عمر البشير، وانضمت إليهما لاحقا ما تعرف بحركات الكفاح الثوري، بعد توقيعها اتفاق سلام مع الحكومة الانتقالية أنهى تمردا كان في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق إبان عهد النظام السابق، رغم رفض حزب الأمة السوداني، أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم، للدولة العلمانية ومبدأ تقرير المصير، وفرض الأجندة الأيديولوجية كشرط لتحقيق السلام.

ووفقا لنص إعلان المبادئ، الذي نقلته وكالة السودان للأنباء (سونا)، فقد تم الاتفاق على تحقيق سيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه والاعتراف “بتعدد الأعراق والديانات والثقافات”. كما ينص الإعلان على “تحقيق العدالة في توزيع السلطة والثروة بين جميع أبناء شعب وأقاليم السودان للقضاء على التهميش التنموي والثقافي والديني، واضعين في الاعتبار خصوصية مناطق النزاعات”.

كما أكد على ضرورة “أن يكون للسودان جيش قومي مهني واحد يعمل وفق عقيدة عسكرية موحدة جديدة يلتزم بحماية الأمن الوطني وفقًا للدستور، على أن تعكس المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد السوداني وأن يكون ولاؤها للوطن وليس لحزب أو جماعة، كما يجب أن تكون عملية دمج وتوحيد القوات عملية متدرجة ويجب أن تكتمل بنهاية الفترة الانتقالية وبعد حل مسألة العلاقة بين الدين والدولة في الدستور”.

واتفق الطرفان على وقف دائم لإطلاق النار عند التوقيع على الترتيبات الأمنية المتفق عليها كجزء من التسوية الشاملة للصراع في السودان.

Exit mobile version