السويفت..بوابة سوريا إلى العالم . العقبات والبدائل!

محمد القضماني

في خضم التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة، وتزايد الدعوات لإعادة دمج سوريا في النظام العربي والدولي، يطفو إلى السطح ملف محوري طال إهماله: إعادة ربط سوريا بنظام التحويلات المالية العالمي – “سويفت” (SWIFT)، أو البحث عن بدائل إقليمية تخفف العزلة الخانقة التي يعيشها القطاع المصرفي السوري منذ أكثر من عقد.

السويفت: لماذا هو مهم؟

نظام سويفت ليس مجرد قناة تحويل أموال، بل هو الشبكة العالمية التي تربط أكثر من 11,000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة.

غياب سوريا عنه منذ فرض العقوبات أدى إلى:

تجميد العلاقات المالية مع البنوك العالمية.

صعوبة في تمويل التجارة والاستيراد.

عزلة المغتربين السوريين عن القنوات الرسمية للتحويل.

انتشار السوق السوداء وتحويلات غير شرعية.

إيجابيات العودة إلى سويفت في الوضع الراهن:

أولاً: تحسين ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية: العودة للسويفت تعتبر مؤشراً على استقرار تدريجي، ما قد يفتح أبواب الاستثمار المجمّد.

ثانياً: ضبط سوق الحوالات وتحسين تدفّقات المغتربين: تحويلات المغتربين تصل إلى مليارات الدولارات سنويًا، لكنها تتم خارج النظام الرسمي بسبب الحظر.

ثالثاً: تيسير تمويل الواردات الأساسية: خصوصاً في مجال الغذاء، الدواء، والمعدات الطبية، والتي تحتاج إلى مصارف وسيطة.

رابعاً: تخفيف الضغط على الليرة السورية: تحسين تدفق القطع الأجنبي عبر قنوات نظامية قد يدعم استقرار سعر الصرف.

خامساً: رسالة سياسية إيجابية نحو التطبيع والانفتاح.

السلبيات أو العقبات المحتملة:

البدائل: هل أنظمة التحويل العربية تمثّل حلاً عملياً؟

مع تعقّد عودة سوريا إلى سويفت، تُطرح بدائل مالية إقليمية أبرزها نظاما “بُنى” (BUNA) و “نظام التحويل الخليجي – GCC RTGS”.

أولاً: نظام بُنى (BUNA)

بُنى نظاما للدفع بالعُملات العربية والدولية، أسسه صندوق النقد العربي (AMF) في العام 2018.

أنشئت منصة “بُنى” تنفيذاً لقرار مجلس محافظي المصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية، بتكليف صندوق النقد العربي تأسيس نظام للدفع عبر الحدود يُساهم في تعزيز فرص التكامل الاقتصادي والمالي ودعم الروابط الاستثمارية للدول العربية مع الشركاء التجاريين في مختلف القارات.

المجال: تسوية المدفوعات والتحويلات بالعملات العربية واليورو بين البنوك المركزية والتجارية.

شروط الانضمام الأساسية:

1.الامتثال للمعايير الفنية الدولية:
– تبنّي معيار الرسائل البنكية ISO 20022.
-توفر البنية التحتية التقنية للبنوك المركزية والتجارية.

2.موافقة البنك المركزي للدولة المعنية:
– البنك المركزي يرشّح البنوك التجارية للربط.
– يجب أن يكون البنك المركزي عضوًا أو شريكًا فاعلًا في “بُنى”.

3. التوافق مع قواعد الامتثال الدولية:
-مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT).
– آليات اعرف عميلك (KYC) في البنوك المتقدمة للربط.

4. توفر عملة قابلة للتسوية:
-بُنى تدعم عددًا من العملات (الدرهم، الريال، الجنيه، الدينار، اليورو)،
– لكن يشترط وجود سيولة كافية لتسوية العمليات.

5. الاستعداد لتوقيع اتفاقيات قانونية:
-اتفاقية عضوية وربط فني.
– التزام بالقواعد التشغيلية لبُنى، وضمان السرية والدقة.

6. إرادة سياسية وتوافق عربي:
-الانضمام يُفترض ألا يكون محلّ اعتراض من الدول الأعضاء.
-في الحالة السورية، قد يتطلب توافقًا عربيًا خاصًا أو استثناءً سياسيًا.

الإيجابيات في السياق السوري:

السلبيات المحتملة:

ثانياً: نظام التحويل الخليجي – GCC RTGS

نظام لتحويل الأموال بين دول مجلس التعاون الخليجي بشكل آني ومباشر، ويشغّل النظام لجنة محافظي البنوك المركزية الخليجية، يهدف إلى تسهيل وتسريع عمليات التحويلات المالية بين البنوك المركزية والبنوك التجارية في دول الخليج.

المجال: نظام لتسوية المدفوعات بين البنوك المركزية الخليجية بعملات خليجية رئيسية.

شروط الانضمام إلى نظام التحويل الخليجي – GCC RTGS
شروط الانضمام أو التعاون المحتمل:

1.عضوية مجلس التعاون الخليجي:
-حالياَ النظام محصور بالدول الست الأعضاء فقط (السعودية، الإمارات، قطر، البحرين، الكويت، عمان).
– سوريا ليست عضواً، وبالتالي تحتاج إلى صيغة تعاون خاصة أو استثنائية.

2.اتفاق ثنائي أو إقليمي مع مجلس التعاون:
-يمكن توسيع استخدام النظام في حالات استثنائية عبر بروتوكولات خاصة.

3-ربط البنك المركزي المعني بالنظام الخليجي:
-يتطلب بنية تحتية مالية متوافقة ومحدثة.

4-ضمانات تشغيلية وأمنية:
-الأمن السيبراني، الاستقرار المالي، وشفافية العمليات شرط أساسي.
-الالتزام بمعايير الامتثال الدولية.

5.استعداد سياسي للتعاون الخليجي:
-قبول سياسي من الدول الأعضاء لفتح النظام أو التعاون مع دولة غير عضو

الإيجابيات:

السلبيات:

هل تؤثر العقوبات الأمريكية على انضمام سوريا لنظامي بُنى ونظام التحويل الخليجي؟

نعم، العقوبات الأمريكية تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على إمكانية انضمام سوريا إلى نظامي “بُنى” و “نظام التحويل الخليجي – GCC RTGS” ، رغم أن هذين النظامين عربيان وإقليميان ولا يتبعان للولايات المتحدة، لكن التأثيرات تنبع من اعتبارات سياسية وقانونية ومالية. إليك كيف:

أولاً: التأثير على الانضمام إلى نظام “بُنى” (BUNA):

  1. العقوبات الثانوية الأمريكية (Secondary Sanctions):

حتى إن لم تكن بُنى مؤسسة أمريكية، إلا أن البنوك العربية المرتبطة بها قد تتعرض لعقوبات إذا تعاملت مع كيانات سورية مشمولة بالعقوبات.

بما أن غالبية البنوك الأعضاء في “بُنى” تتعامل يوميًا مع الدولار والبنوك الأمريكية عبر سويفت، فإن أي تعامل مع طرف سوري قد يعرضها لعقوبات أو حظر تعاملات مستقبلية.

قد تتحفظ دول عربية على إدخال سوريا للنظام حتى لا يبدو أنها تتجاوز العقوبات الغربية، وبالتالي تتجنب المواجهة مع واشنطن أو الاتحاد الأوروبي.

العقوبات تفرض قيودًا على تحديث البنية التحتية البنكية السورية، ما قد يمنعها من استيفاء متطلبات الامتثال الفني في بُنى.

ثانياً: التأثير على نظام التحويل الخليجي – GCC RTGS:

مغلق على الأعضاء فقط: سوريا ليست عضواً في مجلس التعاون، لذلك أي تفكير في ربطها بالنظام يحتاج إلى قرار سياسي خاص، وهو غير مرجّح في ظل العقوبات.

حتى تحويل بسيط من بنك سوري لبنك خليجي، ولو تم عبر نظام إقليمي، قد يُعتبر خرقاً إذا شملت العقوبات الكيان السوري أو الشخص المحوَّل إليه.

هذا يُشكّل خطراً كبيراً لا ترغب به الدول الخليجية، خصوصًا مع ما تمثّله العلاقات المالية مع أمريكا من أهمية.

خلاصة وتحليل:

نظام “بُنى”: يمكن أن تستوعب سوريا فيه مبدئياً، لكن بشكل محدود وتدريجي، وبشروط حماية قانونية صارمة للبنوك المشاركة.

الالتفاف على العقوبات ممكن فقط إن توفّر غطاء سياسي عربي جماعي، أو آلية دفع خاصة معزولة بالكامل عن النظام المالي الأمريكي—وهو أمر صعب لكنه ليس مستحيلاً على المدى البعيد.

الطريق الأمثل؟

في نهاية المطاف، ربط سوريا بالمنظومات المالية ليس فقط قراراً تقنياً، بل سياسياً بامتياز، يرتبط بمسار التطبيع، والانفتاح، ومستقبل العلاقات بين دمشق والعالم.

Exit mobile version