مرصد مينا – هيئة التحرير
تتصاعد حدة التوتر بين الجزائر والمغرب مع اتهام رئاسة الجمهورية الجزائرية، الأربعاء، الجيش المغربي بقتل 3 مواطنين جزائريين بقصف استهدفهم على الحدود بين الصحراء الغربية وموريتانيا، متوعدةً بالرد على الحادثة التي وصفتها بـ “الهمجية”.
يشار إلى أن العلاقات الجزائرية – المغربية قد شهدت واحدة من أسوأ فتراتها خلال الأشهر القليلة الماضية، بعد أن قطعت الحكومة الجزائرية كافة العلاقات مع المغرب على خلفية اتهامها الرباط بدعم حركات انفصالية متهمة بالتورط في إشعال حرائق في عدة مناطق جزائرية.
أكبر من مجرد أزمة وطبول حرب تقرع
تعليقاً على الأزمة الأخيرة بين الجارين، يشير الباحث في شؤون شمال إفريقيا “لحبيب بوسعيد” إلى أن الخلافات بين البلدين أكبر من مجرد أزمة أو قضية خلافية جانبية، لافتاً إلى أن الخلافات بينهما هي خلافات تاريخية على قضايا مفصلية، في مقدمتها، قضية الصحراء الغربية ودعم الجزائر لمنظمة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء عن السلطة المغربية.
ويرى “بوسعيد” أنه ليس من المبالغة الحديث عن إمكانية تطور الأزمة الراهنة إلى مواجهات عسكرية بين البلدين، نظراً لعمق الخلافات التي يرى كل منهما أنها تهدد أمنه القومي والوطني، لا سيما وأن الأمر يرتبط بدعم متبادل لحركات انفصالية، مشدداً على أن الأزمة وصلت إلى مرحلة تتطلب تدخلاً إقليمياً وعربياً لمنع الانزلاق باتجاه سيناريو المواجهة.
في ذات السياق، يستذكر “بوسعيد” حرب الرمال، التي دارت بين البلدين عام 1963، على خلفية صراع على مناطق حدودية، معتبراً أن الظروف حالياً في كلا البلدين شبيهة تماماً بالظروف التي سبقت اندلاع حرب الرمال.
يشار إلى أن حرب الرمال اندلعت بين المغرب والجزائر عام 1964 في ضواحي منطقة تندوف وحاسي البيضاء، ثم انتشرت إلى فكيك المغربية واستمرت لأيام معدودة، لتتوقف بعدها في 5 نوفمبر بعد وساطة الجامعة العربية وومنظمة الوحدة الأفريقية، التي أرست اتفاقية لوقف نهائي لإطلاق النار في 20 فبراير 1964 في مدينة باماكو عاصمة دولة مالي، ولكنها خلّفت توترا مزمنا في العلاقات المغربية الجزائرية مازالت آثارها موجودة إلى الآن.
كما يلفت “بوسعيد” إلى أن قضية الخلافات بين الجزائر والرباط هي خلافات وجودية لا ترتبط بهوية الأنظمة أو الحكومات، خاصة وأن الجزائر شهدت منذ عام 1963 قيام عدة حكومات ومجيء عدد من الرؤساء، وعلى الرغم من ذلك بقيت حالة التشنج هي المسيطرة على العلاقات بين البلدين، معتبراً أن الحل الوحيد هو عقد مؤتمر برعاية عربية وأممية تنهي حالة النزاع الحاصلة، وإلا فإن الأمور ستتجه نحو المزيد من التصعيد، على حد قوله.
أضرار اقتصادية.. ودور فرنسي في الخلافات
يعود المحلل السياسي وخبير العلاقات الدولية، “رائد مساعيد” في تناوله للعلاقات بين البلدين، إلى حقبة الاستعمار الفرنسي لكليهما، لافتاً إلى أن الحكومة المغربية ترى أن فرنسا كانت تحابي الجزائر خلال فترة ما قبل الاستقلال ومرحلة ترسيم الحدود بين البلدين وأنها منحت الجزائر مناطق مغربية، وهو ما زاد من إحساس المغرب بالمظلومية في تلك الفترة، خاصة وأن البلاد كانت تناضل في تلك الفترة للحصول على استقلالها وسيادتها على أراضيها.
ويقول “مساعيد”: “بعد أكثر من 70 عاماً على استقلال البلدين، يمكن القول إن مستوى التوتر في العلاقات لا يزال مستمر بشكل واضح على الرغم من فترات الهدوء النسبي بينهما، وهو ما بدى خلال الأزمة الأخيرة قبل أشهر قليلة، وهنا يجب أن تخضع تلك العلاقات لعملية جراحية دقيقة تعالج مكامن الخلل فيها وتحل القضايا الخلافية”، مشيراً إلى أن الحدود بقيت مغلقة بين البلدين لمدة يصل إجماليها إلى 45 عاما.
إلى جانب ذلك، يشدد “مساعيد” على أن تعمق الخلافات بين الرباط والجزائر وترسخها يقود إلى نتائج سلبية ليس فقط على المستوى السياسي والدبلوماسي وحسب، وإنما على المستوى الاقتصادي أيضاً، مبيناً أن تلك القطيعة تتسبب لاقتصاد البلدين بخسائر سنوية تعادل من 2 إلى 5 في المائة من الناتج المحلي للبلدين.
وقفة تاريخية وجذور الخلاف
يربط الباحث في تاريخ المغرب العربي، “لحسن العربي” جذور الخلافات بين البلدين بسلسلة من العوامل التاريخية والسياسية في آن واحد، لافتاً إلى أن التوجهات الدولية المتباينة للحكومات في كل من المغرب والجزائر، ساهم في ترسيخ التوتر بينهما، لا سيما وأن الجزائر اتجهت أكثر نحو المعسكر الاشتراكي والسوفيات ومن بعده الروس فيما كان التوجه المغربي نحو أوروبا والولايات المتحدة.
ويعتبر “العربي” أن اختلاف المعسكرات التي يتجه نحوها الجارين، خلق بينهما حالة من الصراع على تسيد المشهد المغربي عموماً، مشيراً إلى أن هذا الصراع لا يزال متصاعداً حتى الآن وزادت حدته عقب سقوط نظامي ليبيا وتونس ودخول البلدين في دوامة الحروب والأزمات الداخلية.
أما على المستوى التاريخي، يبين “العربي” أنه على الرغم من العلاقات الجيدة التي كانت تربط ملك المغرب الأسبق، “محمد الخامس” بحكومة الثورة الجزائرية، إلا أن تلك العلاقات شهدت أوج توترها في عهد نجله الملك الراحل، “الحسن الثاني”، الذي كان أول قادة المغرب، الذين أشاروا إلى حق البلاد في مناطق تخضع للسيادة الجزائرية، لافتاً إلى أن تلك المطالبات من الملك “محمد السادس” كانت بذرة الصراع بينهما.
وكأزمة تابعة للأزمة السابقة، يشير “العربي” إلى أن ملف الصحراء والنزاع بين المغرب والبوليساريو كان أحد أكبر العوامل التي أذكت التوتر بين البلدين وأدخلتهما في دوامة خلافات جديدة، خاصةً وأن الجزائر اتخذت خطاً داعماً للبوليساريو، بعد أن أعلنت عام 1976 اعترافها بما أطلق عليه حينها “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، مشيراً إلى أن المغرب اتهمت في ذلك الوقت الحكومة الجزائرية بدعم اعتراف العديد من الدول الإفريقية بتلك الجمهورية.
الملف الأمني والعشرية السوداء
يشكل الجانب الأمني بالنسبة للجزائريين واحداً من أوجه خلافاتهم مع الرباط، وفقاً لما يقوله “العربي”، لافتاً إلى أن ما يعرف بـ “العشرية السوداء” التي شهدت خلالها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، أحداثاً دامية بين الدولة والمجموعات الإسلامية المسلحة، شكلت نقطة سوداء في تاريخ العلاقات الجزائرية – المغربية.
ويذكر “العربي” أن أواسط التسعينيات، كانت فترة سوداء في تلك العلاقات بعد اتهام الحكومة الجزائرية نظيرتها المغربية بالضلوع في دعم الجماعات الإسلامية، فيما رد المغرب باتهام المخابرات الجزائرية بالتورط في هجمات إرهابية استهدفت فندقاً في مدينة مراكش المغربية.
إلى جانب ذلك، يشدد “العربي” على أن تبدل الأنظمة الحاكمة في كلا البلدين عام 1999، مع قدوم الرئيس الجزائري الراحل “عبد العزيز بوتفليقة” خلفاً “لليمين زروال” وتسلم الملك “محمد السادس” مقاليد الحكم في المغرب خلفاُ لوالده “الحسن الثاني”، لم يغير كثيراً في مستوى العلاقات، مؤكداً أن الحكومتين لم تبديا أي ميل لحل الملفات الشائكة والعالقة بينهما.
في ذات السياق، يشير “العربي” إلى أن الملف الأمني لا يزال محوراً مهماً في رسم العلاقات بين الجارين، خاصةً مع أزمة الحرائق، التي تقول الجزائر إن المغرب متورط بها بشكلٍ مباشر، معتبراً أن الازمة الأخيرة هي الأقوى منذ عقدين، خاصةً وأن نظام الرئيس الجزائري الأسبق “بوتفليقة” اتخذ موقفاً محادياً من قضية الصحراء والملفات الشائكة مع المغرب.
ويستبعد “العربي” أي تقدمٍ أو حلٍ وشيك يقرب من المسافة بين الرباط والجزائر، معتبراً أن مثل ذلك الأمر بحاجة إلى جدية أكبر من قبل الطرفين وتدخلاً عربياً ودولياً قادراً على طرح تسوية مقبولة من كافة الأطراف.