زاوية مينا
ستنتهي حرب غزة كما انتهت الحروب السابقة عليها، غير أن ما لن ينتهي هو “آثارها”. لن نقول آثارها الاستراتيجية، وسيادة القوّة أو انكفائها، لا، سنقول:
ـ ماهو حال تداعياتها على الحال الصحي لسكان هذا القطاع وقد شهد من التدمير ما يذكّر بدمار برلين أو ستالينغراد؟.
ثمة تحقيق صحفي اجرته “ها آرتس” الإسرائيلية، وفيه ما يكفي للقول:
ـ يالهول سيحدث.
ما الذي سيحدث؟
ها آرتس ستستعين بمقال رأي نشره في بداية الشهر ثلاثة خبراء في الصحة العامة في المجلة الطبية “لانست”، وفي هذا المقال حذر الاطباء من أنه حتى لو انتهت الحرب الآن فسيستمر الموت بسبب تأثيرها، ففي الأشهر والسنوات القادمة، يتوقع وجود حالات كثيرة مع أمراض معدية وغير معدية وتعقيدات صحية يتوقع أن تأتي في أعقاب البنية التحتية الطبية ونقص المياه في أماكن اللجوء ونقص الأدوية ونتيجة الاكتظاظ في مخيمات النازحين. لجنة الأمم المتحدة للتجارة والتطوير قدرت الحاجة لعشرات مليارات الدولارات وعشرات السنوات لإعادة إعمار جهاز الصحة.
ثمة خبراء تحدثت معهم الصحيفة، رسموا صورة بائسة، وقالوا إن سكان القطاع يواصلون دفع الثمن بحياتهم وصحتهم لفترة طويلة بعد وقف إطلاق النار.
جهاز الصحة في القطاع يخدم 2.2 مليون شخص يحتاجون للعلاج بكل الأشكال، بدءاً بالمصابين ومروراً بحديثي الولادة ومرضى السرطان والأمراض المزمنة والأمراض التي تعرض الحياة للخطر، وانتهاء بالمرضى النفسيين.في عيادات “الأونروا” يمكن تقديم العلاج الأساسي فقط، والخدمات الطبية تعطى داخل المستشفيات في معظمها.
حسب معطيات قدمتها منظمة الصحة العالمية للصحيفة فإن 26 من بين 36 مستشفى في غزة لم تعد تعمل بحلول 11 يوليو/تموز الجاري، سواء بسبب نقص الوقود والمعدات أو نقص الأدوية أو بسبب تعرض البنى التحتية فيها للأضرار عقب الحرب أو خوف العاملين فيها من القدوم إليها. منذ 7 أكتوبر، أكدت المنظمة التقارير بشأن 475 هجوماً على المنشآت الطبية والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف وسيارات نقل للمعدات الطبية في القطاع. قتل في هذه الهجمات 746 شخصاً، وأصيب 967 شخصاً.
قالت منظمة الصحة إن أول من تعرضوا للإصابة هم الأطفال والنساء. وحسب معطيات المنظمة، فإن 50 ألف امرأة حامل في القطاع لا تستطيع الحصول على العلاج اللازم أثناء فترة الحمل. 76 في المئة من النساء الحوامل أبلغن عن معاناتهن من الأنيميا، و 99 في المئة أبلغن عن الصعوبة في الحصول على الغذاء الكافي والمكملات الغذائية الضرورية، 55 في المئة من الأمهات الجدد أبلغن بأن القدرة على الإرضاع تضررت بسبب الوضع الصحي، 99 في المئة من النساء وجدن صعوبة في ضمان إنتاج الكمية الكافية من الحليب للأطفال، ما يمكن أن يضر بتطورهم.
الدكتورة لينا حسان، أشارت وفق التقرير إلى أن النساء قد يعانين أيضاً من الأمراض والمشاكل المتعلقة بالإخصاب، من بين ذلك الالتهابات في المسالك البولية وتلوث في الأعضاء التناسلية. مثلاً، أشارت الدكتورة إلى أن النساء اللواتي بحاجة إلى وضع مانع الحمل (اللولب) أو استبداله لا يحصلن على ذلك. وذكرت أيضاً بأن عدم القدرة على الوصول إلى مواد منع الحمل يؤدي إلى زيادة التعقيد، ما يزيد احتمالية موت الأطفال.
ومن يعانون من أمراض مزمنة بقوا بدون علاج ومتابعة، ما يعرض حياتهم لخطر فوري. وحسب معطيات منظمة الصحة التي وصلت الصحيفة الإسرائيلية، يعيش في القطاع الآن 2000 مريض سرطان، الذين هم بحاجة إلى العلاج، و1500 مريض كلى يعتمدون على غسيل الكلى من أجل البقاء على قيد الحياة، و45 ألف مريض قلب، و60 ألف مريض سكري، و650 ألف شخص يعانون من ضغط الدم. إضافة إلى هؤلاء، هناك 10 آلاف مريض تقريباً يحتاجون إلى العلاج الذي لا يمكن توفيره لهم في غزة.
“أحد تداعيات تدمير جهاز الصحة في غزة، والكلام لـ “ها آرتس” أنه حتى لو توقفت الحرب وتم البدء في إعادة الإعمار، هو الموت الجانبي نتيجة الأمراض المزمنة أو التعقيد في الجروح التي لم يتم علاجها في الوقت المناسب والتي قد تتفاقم”.
الدكتورة لينا حسان قالت للصحيفة “مرضى الأمراض المزمنة ما زالوا بحاجة إلى المتابعة وعلاج التعقيدات. الأطباء تنقصهم البنى التحتية وبيئة عمل مناسبة ونظيفة. وما لم يتم ترميم هذه الأمور، فسيدفع الجرحى والمرضى حياتهم ثمن ذلك”.
وحسب أقوال الدكتورة حسان، فإن المس بالطواقم الطبية التي كان يجب أن تكون محمية حسب القانون الدولي، أصبح أداة حرب. “إضافة إلى نقص الطواقم، التي أصيب بعض أفرادها أو قتلوا أو تم اعتقالهم، فإن تدمير المستشفيات والبنى التحتية الطبية نتيجة الهجمات المباشرة، أضر بشكل كبير بالقدرة على تقديم العلاج، ما يزيد الوفيات بدرجة كبيرة”.
العملية الدراماتيكية التي قامت بها إسرائيل في الحرب هي طرد آلاف الغزيين من بيوتهم، وتدمير مناطق واسعة في القطاع. في المقال الذي نشرته “هآرتس” في أبريل/ نيسان الماضي، عرضت صور أقمار صناعية أظهرت دماراً بحجم غير مسبوق.
وقالت منظمة الصحة العالمية للصحيفة بأن 1.9 مليون غزي – 9 من بين كل 10 غزيين – يعتبرون نازحين، والكثيرون منهم هُجّروا أكثر من مرة. عائلات كاملة تعيش في خيام مصنوعة من البلاستيك، وقدرة حصولهم على الطعام والخدمات الأساسية محدودة، ما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض.
جولي فوكن، المنسقة الطبية في “أطباء بدون حدود”، قالت للصحيفة بأن أعضاء المنظمة يشهدون على أمراض تتعلق بنقص المياه في مخيمات النازحين، من بينها الالتهابات الجلدية، مثل: الجرب، والتهابات في الجهاز الهضمي. “سكان القطاع يتنقلون من ملجأ ارتجالي إلى آخر، ويُحشرون في كل مرة في مساحة أكثر اكتظاظا، ويحاولون البقاء على قيد الحياة بدون مأوى مناسب”، أضافت جولي فكن والكلام لـ “ها آرتس”: “ظروف الحياة غير النظيفة تؤثر بشكل مباشر على الصحة، وطواقمنا الطبية تواجه ذلك بوتيرة عالية”.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن 67 في المئة من البنى التحتية لشبكة المياه والبنى الصحية تم تدميرها أو تضررت، وإن منشآت مياه المجاري معطلة، ما يسبب تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على الصحة. فالغزاويون يجمعون المياه من مصادر غير سليمة وفي أوعية غير مناسبة، وينقصهم الصابون والمنشآت الصحية (لغسل الأيدي) وسلع أساسية مثل ورق التواليت ومواد التعقيم للنساء. كل ذلك يؤدي إلى ارتفاع التلوث بشكل كبير في مجرى التنفس، وأمراض معوية وإسهال وتلوث جلدي ويرقان.
الصعوبات الصحية لا تتوقف هنا؛ فحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الصيف يزيد احتمالية انتشار الأمراض في القطاع. في الطقس الحار احتمالية أكبر لتلف الغذاء، ما يسبب الالتهابات والتسمم وأمراضاً تتعلق بالغذاء الفاسد.
احتمالية تلوث المياه زادت، لا سيما عندما يتعطل عمل المنظومة الصحية، ما قد يؤدي إلى الإصابة بالإسهال ومشاكل في الأمعاء. درجة الحرارة المرتفعة تزيد انتشار البعوض والذباب التي قد تنشر الأمراض وتزيد احتمالية المعاناة من الجفاف وضربة الشمس ومشكلات صحية أخرى، خاصة مع شح مياه صالحة للشرب.
إلى جانب كل ذلك، تتدفق مياه المجاري في الشوارع وتتراكم أكوام القمامة وتتعفن بسبب الحرارة قرب مخيمات المهجرين. إضافة إلى الرائحة الكريهة المنتشرة في كل مكان، فإن أكوام القمامة تجذب الفئران التي تنشر الأمراض أيضاً.
عقب نقص في “الأيبوبروفين” لم يتبق لدينا إلا “الأكامول” فقط. وبسبب نقص أدوات التضميد، فإن الفترة بين تغيير الضمادات للمريض زادت ووصلت إلى 3 – 4 أيام. وقالت الدكتورة لينا حسان إن الناس يموتون على أرضية المستشفيات لأنه لا توجد أسرة. الطواقم تقف عاجزة أمام المصابين الذين يأتون بعد كل عملية قصف. يجب على الأطباء في القطاع التقرير من يجب علاجه أولاً ومن يموت ومن يبقى على قيد الحياة، في الوقت الذي تتوسل فيه عائلات المصابين لتقديم العلاج لهم. هذا وضع صادم وتداعياته النفسية صعبة جداً.
حسب أقوال تانيا هاري، المديرة العامة لمنظمة “غيشا” وايضاً في تصريحات للصحيفة الإسرائيلية فإن “الهجوم المستمر يزيد ضائقة سكان القطاع بدرجة كبيرة جداً، وأضراره تتراكم. جميع السكان يتعرضون لتجربة الحرب الصادمة وتأثيرها الجسدي والنفسي سيؤثر على الغزيين طوال حياتهم.
في هذه الأثناء، بقاؤهم على قيد الحياة مرهون بوصول فوري ومتواصل وكامل للمساعدات الإنسانية. حتى بعد التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار والبدء في الإعمار المادي، فسيستغرق عقوداً وأموالاً طائلة وجهوداً كبيرة من قبل إسرائيل والمجتمع الدولي”.
الجيش الإسرائيلي لابد وانه يتابع ما تنشره هاآرتس فماذا كان رده؟
ـ الجيش الإسرائيلي لم يرسل أي ر د على هذا المقال.