مرصد مينا – ليبيا
اصبح التدخل التركي في ليبيا، حقا مكتسبا في نظر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حيث صرح هذا الأخير انه من حق بلاده التدخل في الشأن الليبي مبررا ذلك بان ليبيا ارث اجداده وجغرافيتها جزء من الإمبراطورية العثمانية.
وقال في هذا الخصوص..” الأتراك يتواجدون في ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم في المستقبل..والأتراك يتواجدون في جغرافيتهم احتراما لإرث الأجداد”.
وبهذا التصريح تصبح نوايا تركيا واضحة وصريحة ومعلنة أيضا بخصوص تواجده على أراضي تلك البلدان..فتركيا ومنذ زمن معمر القذافي، اعتبر ليبيا سوقا مهمة لها ولانشاءاتها وهي تضخ أموالا طائلة في المؤسسات الليبية للاستثمار بالإضافة الى الحقل النفطي وحقول النفط الأخرى في الجنوب. اما بعد سقوط القذافي وتغير نظام الحكم، أصبح اردوغان يميل للتعويل على التيارات المتشددة والمجموعات المسلحة على أمل أن يكون لها دور في دولة غنية بالنفط وبمخزونات الغاز. كما يعمل الرئيس التركي على جعل ليبيا سوقاً للسلاح التركي، ولا سيما الطائرات المسيرة. ويسعى أيضا الى ضمان حصة هام من احتياطي النفط الليبي الذي يحتل المركز الخامس عالميا من احتياطات النفط الصخري بعد روسيا وامريكا الصين والأرجنتين.
الاستحواذ على السوق الليبية
وكانت تركيا في البداية تعلل تواجدها في ليبيا بالمساهمة في إعادة الاعمار، لكنها لم تصرح للعلن ان إعادة الاعمار تلك تهدف من ورائها الى تعويض خسائرها والاضرار التي لحقتها بفعل الاضطراب السياسي والأمني في ليبيا الذي أنتج أزمة متعددة الأبعاد.
وبالإضافة الى استحواذها على الحصة الأكبر من الاستثمارات في ليبيا، فقد ااستغلت تركيا أيضا لصالحها انحسار المبادلات التجارية بين تونس و ليبيا في ظل النزاع المستمر وأزمة وباء كورونا وما تبعها من غلق للمنافذ الحدودية لتغرق السوق الليبية بسلعها الرخيصة وتقصي المنتجات التونسية باعتبار أن تونس كانت أبرز شريك اقتصادي قبل الحرب. إذ بدأت ملامح الاتفاقية المثيرة للجدل بين حكومة الوفاق الوطني الليبية وأنقرة تنعكس بوضوح على الاقتصاد التونسي، الذي تضرر بفعل غزو البضائع التركية إلى البلد الجار الغارق في دوامة الحرب منذ تسع سنوات.
وتشير التقديرات إلى الانحسار الكبير في حجم السلع التونسية بالأسواق التجارية الليبية ولاسيما في المنطقة الغربية بواقع 70 في المائة عما كانت عليه في السابق، لتحل محلها البضائع التركية.
وتفيد المعطيات المتوفرة ان المبادلات التجارية بين تونس وليبيا تراجعت من قرابة ثلاثة مليارات دولار في عام 2010 إلى 600 مليون دولار بنهاية العام الماضي، كما تراجع عدد العمالة التونسية في ليبيا من 150 ألفا إلى بعض الآلاف فقط، ما من شأنه زيادة معضلة البطالة. وزاد غلق الحدود بين تونس وليبيا في أعقاب إجراءات مشددة لمكافحة كورونا من أزمة التصدير نحو ليبيا، إضافة إلى عدم انتظام الخط البحري التجاري بين محافظة صفاقس جنوب شرق البلاد والعاصمة الليبية طرابلس جراء الكلفة المالية وقصف الطيران الحربي.
تونس تفقد دورها في ليبيا
وقد اثرت الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي وتداعيات فايروس كورونا في ليبيا بوجه الخصوص على مصالح تونس التي تعتبر متضرّرا رئيسيا في السوق الليبية التي كانت تمثل عنصر توازن للإقتصاد التونسي كإطار لضمان شكل من السلم الإجتماعي خاصة للمنطقة المتاخمة لليبيا. ةتجدر الإشارة الى ان الدور الجديد الذي تلعبه تركيا في ليبيا لا يتنزل في إطار منطق المنافسة الإقتصادية للسلع على الأراضي الليبية بل مرده تسهيلات السلطة الليبية في طرابلس من أجل الدفع نحو إنقاذ الإقتصاد التركي المنهك فضلا عن دفاع الإسلاميين في تونس ليكون للأتراك موطئ قدم في المنطقة.
وعموما، فقد بدأت ملامح الاتفاقية المثيرة للجدل بين حكومة الوفاق الوطني الليبية وأنقرة تنعكس بوضوح على الاقتصاد التونسي، الذي تضرر بفعل غزو البضائع التركية إلى البلد الجار الغارق في دوامة الحرب منذ تسع سنوات. وحتى قبل إبرام هذه الاتفاقية ، فإن تدابير الإغلاق بسبب وباء كورونا، والاضطرابات على الحدود الجنوبية الشرقية لتونس، دفعت إلى توقف الحركة التجارية على أهم معبرين للبلاد وهما رأس جدير وذهيبة-وازن، ما أضر بالصادرات التونسية. وقد أكد خبراء اقتصاد وحقوقيون تونسيون أن دخول تركيا على خط الأزمة الليبية خلط الأوراق وقوض مساعي تونس لتصدير منتجاتها في سوق أكبر شريك تجاري لها منذ عقود قبل اندلاع شرارة الثورة بالبلدين في 2011 وذلك بفضل العلاقات الإستراتيجية والتاريخية المتجذرة. ويعيب هؤلاء الخبراء على ارتباك الدبلوماسية السياسية والاقتصادية لتونس، والتي ستجعلها تُضيع الفرصة على نفسها من أجل تحقيق عائدات أكبر، فضلا عن تحريك عجلة عدة قطاعات ترى في السوق الليبية منفذا لها لتعزيز تجارتها. ويجمع خبراء على أن تونس فقدت دورها في الملف الليبي على مستويات عدة وخصوصا الاقتصادي، مما يؤكد حاجة تونس إلى دبلوماسية نشيطة في الملف الليبي وأكثر جرأة وشجاعة في الدفاع عن مصالحها. حيث أنه من الضروري العمل على تأمين مرور البضائع برا إلى ليبيا وتكثيف الخطوط البحرية بين البلدين من مختلف الموانئ ودعم الشركات المصدرة في تأمين بضائعها ماليا.
وتتميز ليبيا بموقع استراتيجي مهم وسط شمال القارة الأفريقية وهي دولة غنية بالنفط وتزخر بموارد طبيعية أخرى مثل الغاز والمياه والمعادن ما يخوّل لها أن تكون قطبا اقتصاديا كبيرا لولا ويلات الحروب.
استغلال الميليشيا لفرض السلع التركية
وحول هذا الموضوع، قال الحقوقي التونسي والمختص في الشأن الليبي مصطفى عبدالكبير إن غزو السلع التركية والصينية للأسواق الليبية غذته عوامل كثيرة منها فارق الكلفة وإصرار عدد من التجار الليبيين والأفارقة والأوروبيين والآسيويين على استغلال علاقتهم بالميليشيات لفرض سلعهم، التي عادة ما تكون غير خاضعة حتى لشهادة الصحة والسلامة.
وأكد عبدالكبير أن تونس تدفع ثمن فشلها في الملف الليبي، إذ أن ضعف الدبلوماسية التونسية في ليبيا وخاصة الاقتصادية تسبب في إفلاس عديد الشركات الصناعية التونسية إضافة إلى انهيار قيمة الدينار.
ولفت إلى أن تونس لم تعد قادرة على المنافسة بسبب الوضع الأمني وسيطرة القوى الأجنبية والميليشيات على السوق الليبية مقابل محدودية الخيارات السياسية التونسية والتجاذبات وعدم الانسجام السياسي إضافة إلى غياب خطة إستراتيجية واضحة في التعامل مع تداعيات الملف اللبيي على الاقتصاد التونسي.
وأشار الخبير المختص في الشأن الليبي إلى أن خط الربط الكهربائي بين تونس وليبيا لا يغطي إلاّ بعض المدن والقرى الحدودية فقط إضافة إلى وجود عدة صعوبات خاصة في مسألة سداد الديون والصيانة جراء الحرب.