كما لو أنه أمر اعتيادي ستقرأ على وجهة كشك صغير بالقرب من المشفى الوطني في محافظ السويداء السورية “خليك رايق”، وسيكون الأمر كذلك، وستبقى “رايق” لا لتوفر الخبز والحرية والشغل.. سيكون الأمر كذلك لتوفر “حشيشة الكيف” وهاهي تباع بالعلن.
ـ وحدها حشيشة الكيف بالعلن؟
لا.. كذا هو حال السلاح، فالعصابات تتكاثر بالانشطار حتى باتت العصابة تستولد عصابة، وما من أحد في هذه البقعة من سوريا بأمان.
يقولون، بأن المدينة كما ريفها تغلق في السادسة مساء، أو بالسابعة في أفضل حال.
إنه القتل، والخطف، والكل يعلم أنه لا الخطف ولا القتل خارج عيون وترتيبات وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية.
المخدرات تحت بصر ونظر الأجهزة الأمنية، ليس حشيشة الكيف وحدها، ثمة ماهو اكثر خطورة، إنه “الكريستال ميث ( الأميفتامين )، وثمة معلومات مصدرها طبيب في المشفى الوطني بالسويداء يقول لـ “مينا”:”خلال هذه السنة قضى ثمانية شبان حتفهم بسبب جرعات كبيرة من هذا النوع من المخدرات”.
تحقيقات صحفية عديدة تتوقف عند “السويداء ـ طريق المخدرات”، هي كذلك.. ليست طريق العنب ولا طريق الحرير، فالمحافظة الحدودية المجاورة للأردن، ووفق تقارير متعددة تؤكد أن هذه المنطقة هي ممر المخدرات نحو الاردن، وكانت السلطات الاردنية قد أعلنت مطلع هذا العام عن ضبط أكثر من خمس شحنات تهريب لمادة الحشيش والحبوب المخدرة ومنها الكبتاغون، في أثناء دخولها من الأراضي السورية.
أجهزة النظام لاتفصح عن هوية المتورطين في عمليات التهريب، وهو الأمر الذي لا يكشفه الأردن أيضا، والذي يقتصر حديث السلطات فيه عن “شبكات منظمة” تحاول إدخال هذه الشحنات بين الفترة والأخرى، عبر حدوده الشمالية الواصلة مع السويداء أو درعا.
هذا ما يقوله واحد من التقارير العديدة المتصلة بـ “طريق المخدرات هذا”، فيما يقول أحد سكان السويداء من المتابعين لتهريب المخدرات، أنه من الطبيعي أن لاتبوح السلطات الأمنية بـ (أبطال) هذا النوع من الاتجار، أقله لشراكة النظام وأجهزته الأمنية مع الموردين والتجار، وهو الاتجار الذي يموّل مجموعة من “العصابات” التي تشتغل بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وبأسماء مختلفة، بعض من أسمائها يحكي عن وصايته على حماية حياة الناس وأعراض الناس.
ـ حشيشة الكيف والكبتاغون، والأخطر منهما الكريستال ميت، وهي مخدرات تسللت لحياة الشباب في الريف والمدينة، حتى باتت تشتغل في العلن.
ليست جهة واحدة من تعمل على ترويج هذه المخدرات، فإذا كان الرأس مجهولاً فأذرعه، أصابعه، معلنة، مثل باعة الأكشاك، وعناصر من أجهزة المخابرات، وعناصر من الميليشيات المحلية أو الموالية، وحتى أشخاص غير مرتبطين بفصائل أو جهات أمنية.
سيتبادر وفق تلك المعطيات سؤال:
ـ من مصلحة من يحدث ما يحدث في السويداء؟
في البعد المالي، ثمة من أثرى من هذا الاتجار، غير أنه (ونعني البعد المالي) ليس كافيًا لرعاية هذا الاتجار من الأجهزة الأمنية، أو غض البصر عنه بالحد الأدنى، فوقائع الايام السابقة في السويداء تقول، بأن ناسها الذين لم ينتظموا في صفوف الثورة السورية، لم يكونوا في صف النظام، وهذا النوع من الخيارات لن يلاقي قبولاً لدى نظام قاعدته:
ـ إن لم أبتلعك فأنت خصمي.
وفي حوار الخصومة هذا، كان على النظام اتباع مجموعة من التكتيكات في هذه المنطقة من سوريا:
ـ خلق صراعات مع بدو المنطقة.
ـ اختلاق صراعات مع الجارة درعا.
ـ زرع داعش شرق السويداء وتهديد الناس بإطلاقها إذا ما دعت الحاجة.
ـ استيلاد العصابات لتكون العصابة بمواجهة العصابة وكل العصابات استثمار للنظام.
وكانت المخدرات باعتبارها لا تعني “خليك رايق” بل “خليك قاتل”.
وهكذا ينتقل سكان الجبال، إلى ساكني الحفر، بمرتبة “قطّاع طريق”.
هذا ما يشاءه النظام.
ثمة عقلاء في السويداء يعرفون كيف يبتلعون الرماح، ويواجهون عواصف الطريق.