كورونا تنهي حياة آخر رئيس حكومة منتخب في السودان.. من هو الصادق المهدي؟

مرصد مينا – السودان

توفي رئيس حزب الأمة القومي السوداني، “الصادق المهدي”، فجر الخميس، متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، وذلك أثناء تلقيه للعلاج في مستشفيات دولة الإمارات، حيث أكدت مصادر مطلعة أن صحة “المهدي” قد تدهورت خلال الساعات الأخيرة.

يملك “المهدي” خلال سنوات حياته الـ 84، سجلاً سياسياً حافلاً، ما جعله من أكثر السياسيين تأثيراً في تاريخ السودان، وفيما يلي تقرير يلقي الضوء على أبرز محطات حياة السياسي الراحل، الذي يعتبر آخر رئيس حكومة منتخب في السودان.

الولادة والنشأة

ولد “المهدي” عام 1935، في مدينة أم درمان، التحق بطلبة السنة الأولى لكلية العلوم في 1952م، وكان يحضر المحاضرات صباحا، ويواصل تلقي دروس العربية من الشيخ الطيب السراج عصرا، ثم يدرس مساء للّحاق ما فاته والتحضر لامتحان السنة النهائية.

كما درس في كلية القديس يوحنا بجامعة أوكسفورد 1954- 1957م، حيث تم اختباره 1953م وقبل لدراسة الزراعة ولكنه لم يدرسها، بل ذهب لأكسفورد في عام 1954م وقرر دراسة الأقتصاد، و السياسة، و الفلسفة، في أكسفورد على أن يدرس الزراعة بعد ذلك في كاليفورنيا.

بدأ حياته المهنية عام 1954 كموظف بوزارة المالية، إلا أنه استقال عام 1958 عن الوظيفة لأن انقلاب 17 نوفمبر كان بداية لعهد يرفضه، ليعمل بعدها مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وعضوا بمجلس الإدارة، كما كان رئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان.

الصادق المهدي، هو حفيد مؤسس حزب الامة “عبد الرحمن المهدي” ونجل الامام “محمد أحمد المهدي”، الذي قاد بين 1881 و1885 الثورة ضدّ الهيمنة المصرية-البريطانية على السودان.

العمل السياسي

أبرز المحطات السياسية في حياة “المهدي” كانت عام 1989، عندما أطاح به الانقلاب، الذي قاده حينها، الرئيس المخلوع “عمر البشير”، حيث كان المهدي” يشغل منصب رئيس الوزراء، ليكون بذلك آخر رئيس وزراء منتخب في البلاد، حتى اليوم.

تولى “الصادق المهدي” رئاسة الوزراء مرّتين: الأولى بين 1966و1967، والثانية بين 1986، حين انتخبه البرلمان رئيساً للوزراء، ولغاية 30 يونيو 1989 حين أطاح به تحالف إسلاميين وقادة عسكريين.

بعد 1989، بدأت رحلة “المهدي” في صفوف المعارضة الشرسة لنظام “البشير”، حيث ترأس حزب الأمة الإسلامي المعتدل، أحد أكبر أحزاب المعارضة في عهد البشير، وظل شخصية مؤثرة حتى بعد الإطاحة بالبشير في أبريل 2019.

خلال سنوات حكم “البشير”، ظل “المهدي” زائراً شبه دائم لسجن كوبر، فقد اعتقل أول مرة عام 1989، وبقي محبوساً حتى عام 1990، إلا أنه وعلى الرغم من خروجه من السجن بقي تحت الإقامة الجبرية فترة طويلة حتى عام 1992.

بعد الإفراج عنه بشكل كامل عام 1992، تعرض “المهدي” لمضايقات كبيرة من قبل الأمن السودان، وبقيت حركته محدودة فقط بالعاصمة السودانية وتحت رقابة أمنية.

بقي “المهدي” عرضه للتحقيقات المطولة والاعتقالات المتوالية في: 1993،و1994، واعتقال “المائة يوم ويوم” حتى 1995، وهي الفترة، التي تعرض فيها للتنكيل في المعتقلات، التي أطلق عليها السودانيون بيوت الأشباح.

اقتنع “المهدي” بعد التهديدات من السلطة واستئناف المتابعة الأمنية اللصيقة، واستخدام النظام السوداني له كرهينة، بضرورة الخروج من البلاد، فهاجر سرا في 1996 قاصدا أريتريا، ليلتحق بعدها بالمعارضة السودانية بالخارج، ويبدأ أكبر حملة دبلوماسية وسياسية شهدتها تلك المعارضة منذ تكوينها.

عاد “المهدي” مجدداً إلى السودان، في عام 2000، حيث قام حينها بالتعبئة الشعبية والتنظيم الحزبي والتفاوض مع النظام والاستمرار في الاتصالات الدبلوماسية، وأعيد اعتقاله عام 2014م بسبب تناوله للجرائم التي وقعت في ولاية دارفور، على يد قوات النظام السوداني وميليشيات داعمة لها، ليواجه تهماً تصل عقوبتها للإعدام.

في 2014، أيضاً تم الإفراج عنه، بعد ضغوطٍ دولية كبيرة على نظام “عمر البشير”، ليوقع في العام ذاته، باسم حزب الأمة مع الجبهة الثورية السودانية إعلان باريس الذي كان اختراقاً في الساحة السياسية السودانية بإجماع الفصائل المقاتلة على أسس الحل السوداني التي تنطوي على وسيلتين هما الحوار باستحقاقاته أو الانتفاضة السلمية باستبعاد الحل العسكري، وعلى استبعاد تقرير المصير لمناطق النزاع والإجماع على وحدة السودان تحت أسس جديدة عادلة.

مع اندلاع ثورة عام 2018، وخلع الرئيس “عمر البشير”، انضم “المهدي” مباشرةً إلى إعلان الحرية والتغيير ضمن الائتلاف الذي قاد الثورة التي أسقطت نظام الرئيس البشير في أبريل 2019 .

الوفاة

بعد ساعاتٍ من وفاته، أصدر حزب الامة السوداني بياناً فجر الخميس جاء فيه:” انتقل إلى جوار ربّه فجر اليوم الخميس زعيم حزب الامة الصادق المهدي، بدولة الإمارات العربية المتّحدة والتي لزم فيها سرير المرض حتى توفّاه الله”.

وأضاف البيان: “إننا نحتسب رجلاً من أهل السودان الأوفياء، بذل نفسه لخدمة القضايا السياسية والإنسانية وظل عطاؤه متصلا طيلة عمره المديد”، في حين نعت الأمانة العامة لحزب الأمة القومي السوداني زعيمها الصادق المهدي في بيانٍ فجر اليوم  الخميس، عنونته بـ”نعي أليم”.

وقالت في البيان :”وإذ ننعاه، فإننا ننعي رجلاً من أهل السودان الأوفياء، الذين قدموا وما استبقوا شيئاً من أجل خدمة الإنسانية جمعاء. نعزي أنفسنا والشعب السوداني في وفاته ونسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته، فيما لاعين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر”.

وأعلن حزب “الأمة”، في البيان، أن جثمان زعيمه سيصل يوم غدٍ الجمعة إلى السودان من دولة الإمارات، حيث وافته المنية. وأوضح أن الجثمان سيوارى الثرى، صباح غدٍ الجمعة، في “قبة المهدي” بمدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم. ودعا الحزب إلى الالتزام بالإجراءات والاشتراطات الصحية، جراء جائحة كورونا.

Exit mobile version