مرصد مينا – تونس
كشفت نتائج سبر آراء أجرته مؤسسة سيغما كونساي التونسية، لشهر ديسمبر الجاري، عن تصدر الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية، بفارق شاسع عن حركة النهضة.
ووفقا لتلك النتائج، عزز الحزب الدستوري الحرّ موقعه في صدارة نوايا التصويت بحصوله على نسبة 36.9 في المئة، مقابل 17.2 في المئة لحركة النهضة، و11.4 في المئة لحزب قلب تونس، و8.4 في المئة لائتلاف الكرامة، و4.4 في المئة لحزب التيار الديمقراطي.
وحسب مراقبون ومتابعون للشان السياسي التونسي، فان تلك النتائج تعكس هذه تواصل تراجع ثقة الناخب التونسي في حركة النهضة الإسلامية، التي فقدت الكثير من مصداقيتها نتيجة سياساتها التي تستهدف إحكام سطوتها على البلاد، لفرض نفوذها بأساليب مُلتوية تقوم على التضليل والمراوغة والخطاب المزدوج والمناورات المحكومة بأجندات إخوانية.
حسابات سياسية
ويعود هذا الفشل إلى إمعان هذه الحركة المحسوبة في مُحاولاتها للهيمنة على الأوضاع العامة في البلاد، غير آبهة بحسابات الواقع السياسي المُتغير، وما يلحق بها من توازنات تتداخل فيها الكثير من العوامل الشعبية والسياسية، وكذلك أيضا الحزبية.
وتتضح ملامح هذا الفشل أكثر فأكثر في علاقاتها الحزبية، وخاصة منها تحالفها مع حزب قلب تونس، الذي بدأت الخلافات تُحيط به مع تجدد التحركات لسحب الثقة من راشد الغنوشي كرئيس للبرلمان، التي تزامنت مع ارتفاع الأصوات وتزايد المبادرات المطالبة بعقد مؤتمر وطني لإنقاذ البلاد.
ولم يُبدد اصطفاف حزب قلب تونس إلى جانب حركة النهضة لإفشال عقد جلسة برلمانية عامة للنظر في مشروع لائحة تقدم بها الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي، للتنديد بالإرهاب والدعوة إلى تجفيف منابعه وحل التنظيمات التي تدعو إلى العنف والفكر الظلامي المتطرف، حالة التوجس التي ما زالت تحكم تلك العلاقة التي تُوصف بالمُريبة.
عودة الحديث عن سحب الثقة من الغنوشي
وتسبب ذلك الاصطفاف في إلغاء الجلسة البرلمانية العامة للنظر في مشروع اللائحة المذكورة الذي تقدم به الحزب الدستوري الحر، حيث حضر الجلسة 48 نائبا فقط من أصل 217، والحال أن اكتمال نصاب الجلسة يستوجب حضور109 نواب في بداية الجلسة، و73 نائبا لتمرير اللائحة.
وربط مراقبون هذا التطور الخطير، بتوقيت طرح مشروع لائحة الحزب الدستوري الحر، مع عودة الحديث حول سحب الثقة من راشد الغنوشي كرئيس للبرلمان، الذي طفا على السطح من جديد، الأمر الذي أربك حسابات الغنوشي الذي فشل في إدارة شؤون البرلمان طيلة الأشهر الماضية.
وأثارت هذه الدعوة لسحب الثقة من الغنوشي، التي ترافقت مع تعدد المبادرات لإنقاذ البلاد من الأزمة التي تُحيط بها من كل جانب، استنفار حركة النهضة التي سارع قادتها إلى التنديد بها بخطاب تصعيدي في مسعى لمحاولة قلب موازين القوى، بدا ليس معزولا عن حالة الهستيريا التي تنتابهم منذ فترة.
حيث اعتبر النائب البرلماني محمد القوماني، عضو المكتب السياسي للنهضة، أن هذه الدعوات تربك الوضع السياسي، وهي جزء من الأجندة الفوضوية، ذلك أن الغنوشي كما قال سابقا لم يأت للبرلمان على ظهر دبابة.
ورأى القوماني أن تجدد الدعوات لسحب الثقة من الغنوشي ستبقى قائمة ما دامت المناكفات مستمرة بالبرلمان، لافتا في نفس الوقت إلى أن تجدد المزاج الشعبي السلبي ستتفاعل معه بعض الكتل البرلمانية المخاصمة للنهضة ولرئيس البرلمان، لتستغل هذه الأجواء وتحمّله تبعات أقوال أو أفعال تحت قبة البرلمان ولا صلة له بها.
وقبل ذلك، استنكر مجلس شورى حركة النهضة في بيان وزعه الاثنين الماضي، في ختام دورته الـ46، دعوات التحريض والتشكيك الصادرة عن أصوات وصفها بـغير المسؤولة وبالداعية إلى الانقلاب وحلّ البرلمان وتعليق العمل بالدستور، معتبرا أنها تهدف إلى نسف مكتسبات الشعب وإعادته إلى مربع الاستبداد.
اتهام النهضة بتبييض الإرهاب ودعمه
من جهة أخرى دخل نواب الكتلة الديمقراطية، في اعتصام مفتوح داخل مقر البرلمان، احتجاجا على ما وصفوه بـ”تبييض رئيس البرلمان راشد الغنوشي للإرهاب والتواطؤ مع مرتكبيه والتستر عليهم”، في إشارة إلى اعتداء كتلة ائتلاف الكرامة، حليف حركة النهضة، على النائب في كتلتهم أنور بن الشاهد، ما تسبب بإصابته في الرأس، لتسود البرلمان إثرها أحداث عنف وتوتر ، في الجلسة المخصصة لمناقشة قانون المالية 2021، وحملت الكتلة الغنوشي مسؤولية كل الممارسات الخطيرة التي تحدث داخل البرلمان. داعية جميع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والقوى الوطنية إلى مساندتها في التصدي للإرهاب.
من جهة أخرى ندد الاتحاد العام التونسي للشغل في بيان له بصمت الغنوشي عن تنامي العنف بشتى أشكاله تحت قبة البرلمان، وعن الاعتداءات التي تمارسها كتلة ائتلاف الكرامة، مطالبا إياه باتخاذ إجراءات واضحة للتصدي لخطاب الكراهية ودعوات العنف، ومحذرا من دور خفي للغنوشي ضمن خطة ممنهجة لتسميم الحياة السياسية وتقسيم التونسيين وتشويه خصومه السياسيين.
من جهته، انتقد اليوم الإربعاء 16 ديسمبر 2020 النائب في البرلمان منجي الرحوي، تعاطي وتعامل رئيس الحكومة مع حركة النهضة. وقد عاب منجي الرحوي على رئيس الحكومة هشام المشيشي تبييض حركة النهضة التي لها صلة بالإرهاب وبتمويل هذه الظاهرة وعلى علاقة بالاغتيالات السياسية، معتبرا ذلك نوعا من التواطئ وفق تعبيره.
وتحدث الرحوي عن تورط النهضة وقياداتها في موضوع الإرهاب وفي تسفير التونسيين إلى بؤر التوتر.
وكل هذه المسائل والتصريحات، تعمق عزلة النهضة وتزيد في نفور التونسيين منها وفقدان الثقة فيها. وهو ما جعل راشد الغنوشي وبعض قيادات النهضة الذين مازالوا يدينون بالولاء له يبحثون لهم عن مخرج مناسب لاعادة التموقع من جديد ولاعادة كسب ثقة القواعد.