هل من الممكن بناء (محور بكين – موسكو- أنقرة- طهران- اسلام آباد) ؟..

محمد سيد رصاص تقوم الصين الآن ببناء مدينة خاصة للصينيين ملاصقة لميناء غوادار الباكستاني تتسع لنصف مليون ساكن. أخذت (الشركة القابضة الصينية لموانئ أعالي البحار العالمية) عام 2013حقوق استثمار الميناء، الواقع قرب الحدود مع إيران والذي يبعد فقط 180ميل عن مضيق هرمز. سيكتمل المشروع في 2022وسيربط غوادار مع الصين بخطي أوتوستراد وسكة حديد مع أنبوبي نفط وغاز. في عام2017 قامت نفس الشركة، وهي مملوكة للدولة الصينية، باستئجار ميناء هامبانتوتا في أقصى جنوب جزيرة سيريلانكا لمدة تسع وتسعون عاماً مع منطقة اقتصادية حرة ومنطقة صناعية مجاورتان للميناء، وبعد ثلاثة أشهر في تشرين أول قامت بالتوقيع على عقد لاستئجار وتطوير ميناء كيابيو في ميانمار الواقع على خليج البنغال مع خطي غاز ونفط وخطي أوتوستراد وسكة حديد يصلون الميناء بالصين. في الصحافة الصينية يستخدمون التعبير الانكليزي في وصف الموانئ الثلاث: STRING OF PEARLS عقد اللؤلؤ. في اللغة الانكليزية لا يقتصر المعنى لكلمة STRINGعلى (عقد) بل هناك معنى آخر لها هو حبل المشنقة. الموانئ الثلاث مكسب استراتيجي كبير للصين تتفادى عبره، بسفن مستورداتها وصادراتها، المرور بمضيق مالاقا، الواقع بين المحيطين الهندي والهادئ الذي تسيطر عليه البحرية الأميركية من خلال القاعدة الأميركية في سنغافورة، وخليج منار الواقع بين الهند وسيريلانكا الذي تسيطر عليه نيودلهي. أيضاً عبر باكستان وميانمار تؤمن بكين طرق برية هي أكثر أمناً وأقل تكلفة من الدوران البحري حول شبه القارة الهندية وبورما وتايلاند وماليزيا ومن ثم الدخول من مضيق مالاقا في المحيط الهادئ عبر بوابة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه بين الصين وفييتنام وصولاً حتى الموانئ الصينية. يؤمن خط كيابيو- هامبانتوتا، وبسرعة أكبر ميناء غوادار، طريقاً بحرياً للصين نحو القارة الافريقية، التي تشكل الصين الآن أكبر شريك اقتصادي لها، بعيداً عن الأمريكان والهنود. تريد الصين تفادي مرور مستورداتها النفطية، البالغة 8,4 مليون برميل يومياً، من أصل مجموع الاستهلاك الصيني البالغ يومياً 13,2، بمضيق مالاقا حيث يمر بها الآن ثمانون بالمئة من المستوردات النفطية الصينية. إذا أخذنا سعي الصين الحالي لبناء أتوستراد وسكة حديد تربطان بنغلادش بالصين عبر ميانمار ، وأيضاً خط غاز ، ينقل الغاز المقدر احتياطاته بالساحل البنغلادشي بخمسة عشر مليار متر مكعب إلى الصين ، فإن معنى (حبل المشنقة)سيكون مخططاً من الصين للهند ، عندما سيكون النفوذ الصيني مهيمناً في دولة كانت تحت النفوذ الهندي (سيريلانكا) التي تدخل فيها راجيف غاندي عسكرياً لمساعدتها ضد تمرد (منظمة نمور التاميل)في الثمانينيات ، وفي دولة تم انشائها من خلال النصر العسكري الهندي على باكستان في حرب 1971(بنغلادش) ، وفي دولة كانت جزءاً من الهند البريطانية حتى عام1937(بورما- ميانمار)،فيما الطامة الكبرى على الهند ستكون مايعنيه (غوادار)من شراكة استراتجية صينية- باكستانية . في تشرين أول2013طرح الرئيس الصيني (شي جينبينغ) خطة (حزام واحد، طريق واحد) – OBOR. تتضمن الخطة كوريدور الصين- غوادار، وكوريدور الصين- ميانمار- بنغلادش، وخط سكة حديد شنغهاي- هامبورغ عبر الحدود الصينية- الكازاخية- الروسية- البيلاروسية- البولندية- الألمانية (14يوماً). وسكتي حديد وأتوسترادات عبر الصين- كازاكستان- أوزبكستان- تركمانستان- إيران- تركية- أوروبا وعبر الصين- باكستان- إيران- العراق- سورية – تركية- أوروبا والجزيرة العربية عبر الحدود السورية- الأردنية. هناك قطع بري عبر ديموغرافيا محددة اسمها اسرائيل بين آسية وافريقية تقطع بلاد الشام عن مصر. مؤخراً قامت شركة صينية ببناء سكة حديد ايلات- أشدود تصل برياً بين خليج العقبة والبحر المتوسط. يقال بأن هناك اهتماماً صينياً كبيراً بحل الصراع العربي- الاسرائيلي من أجل ايجاد طريق بري بين آسية وافريقية، كما أن هناك شراهة صينية من أجل الاستحواذ على مشروع ربط آسية وافريقيا عبر جسر بري للطرق الاسفلتية وسكك الحديد يقام فوق باب المندب يوصل اليمن بجيبوتي حيث توجد القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة بالخارج. هناك آراء في أوساط ديبلوماسية بأن الخطة الأميركية الرئيسية لتفشيل المشروع الصيني هي من خلال الاستهداف الأميركي لإيران لقطع (طريق الحرير الجديد) التي تسمى الآن خطة (حزام واحد، طريق واحد)، ومن خلال اشعال المنطقة الممتدة من باكستان حتى لبنان ومن بغداد حتى صنعاء بنيران صراع سني- شيعي، أسماه هنري كيسنجر عام 2007ب”حرب المئة عام „الشرق أوسطية على طراز تلك التي جرت بأوروبة. على الأرجح كان غزو أفغانستان والعراق من قبل الأمريكان ب عامي2001 و2003ل يس بعيداً عن الخطط الأميركية لمجابهة الخطر الصيني الذي اعتبر التهديد الرئيسي لواشنطن في مرحلة (ما بعد السوفيات) بدءاً من عهد بيل كلينتون بالتسعينيات. تحاول واشنطن منذ بداية القرن الواحد والعشرون تطويق الصين عبر حزام هندي- فيتنامي – أسترالي- ياباني. هنا، يدرك الأمريكان، ومعهم الأوروبيون، بأن مركزية آسية العالمية في الاقتصاد العالمي قد انتهت مع تحول طرق التجارة العالمية الرئيسية عبر اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام1497، الذي كان الأساس مع اكتشاف الأمريكيتين عام1492، في تحول مركز الاقتصاد العالمي إلى أوروبية بعيداً عن آسية والبحر الأبيض المتوسط. نمو الصين وخططها في (حزام واحد، طريق واحد) سيعيد المركزية الاقتصادية العالمية إلى آسية بعيداً عن شاطئي الأطلسي إن نجحت (OBORO). كانت خطة أوباما من خلال التقارب مع موسكو وطهران هي عزل الصين وتفريق روسيا وإيران عنها. الآن يتجه ترامب إلى استهداف الصينيين والايرانيين وإلى حد أقل الروس. لأول مرة في استراتيجية الأمن القومي الأميركي (كانون أول2017) توضع موسكو وبكين في سلة واحدة كقوتين معاديتين لواشنطن فيما اتجهت الإدارات الأميركية المتعاقبة بين نيكسون وأوباما للتفريق بينهما. هناك استهداف أميركي صريح لإيران، وتوتر قابل للانفجار مع باكستان بسبب (غوادار) وبسبب التقارب الأميركي- الهندي، وتوتر معلن مع تركية. السؤال الراهن، أوفي المستقبل المنظور والمتوسط، هو:هل يمكن تشكل خماسي (بكين- موسكو- أنقرة- طهران- اسلام آباد) ؟…القاطرة هي الصين والبلدان الأربعة الباقية مقطورات في هذا القطار. ألا يجب هنا مقارنة وضع الصين الآن بوضع الولايات المتحدة الأميركية في عام1917عندما وصف ليون تروتسكي ،الذي أقام في نيويورك بين كانون ثاني وآذار من ذلك العام ،العملاق الأميركي النامي بالكلمات التالية:” محل الحدادة الذي سيهيأ فيه مستقبل البشرية ” (إسحق دويتشر:” النبي المسلح ” ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت1981 ، ص265) ، ولكن هل نيويورك الآن بالنسبة لشنغهاي هي لندن 1918-1945بالنسبة لنيويورك آنذاك ؟.. ثم: هل شنغهاي الآن هي نيويورك قبل قرن من الزمن، أم أن الوضع مختلف؟ … مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي “مينا” هذه المادة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب، وليس بالضرورة أن تعبّر عن رأي المرصد. حقوق النشر والطبع ورقياً والكترونياً محفوظة لصالح مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي©.

Exit mobile version