سوريا باتت نموذجًا للتناسب الطردي ما بين المجاعة ، العنف ، افتقاد الأمل، و “النكتة”، فالبلد لم تهدأ لحظة عن إطلاق النكات، وربما كان آخر النكات، نكتة :
ـ تنكة تنظيف شاطئ بانياس من التسرب النفطي.
تنكة الشاطئ أعادت إلى الذاكرة “تنكة منع الحمل”، ولتنكة منع الحمل حكاية، فقبل استقرار موانع منع الحمل الدوائية، واستخدامات الواقي الجنسي، كان ينصح الأزواج غير الراغبين بالمزيد من التكاثر والانجاب، باللجوء إلى :
ـ تكنولوجيا التكنة.
ماهي تكنولوجيا التنكة؟
باختصار، حين يقع الجماع ما بين رجل وامرأة، تكون المرأة واقفة على تنكة، وما أن تقع الواقعة، ويبدأ الرجل بالوصول الى الذروة، تركل المرأة التنكة، فتقع أرضًا وتنجو من “الحمل”، بعواقبه.
قصة تكنولوجيا التنكة، هي تلك الركلة، غير أنها ركلة لمجموع معطيات العقل، المنطق، المدنية، تكنولوجيا الزمن.
حدث هو خارج الزمن.. كل زمن.. أي زمن.
هي تكنولوجيا اللازمن، وقد غدت نكتة الزمن، وللتذكير، فقد تسربت كميات هائلة من النفط الخام إلى شاطئ مدينة بانياس السورية، وكان القرار السياسي قد اقتضى، جمع مجموعة من عمال التنظيفات، وتحميل كل منهم تنكة واسفنجة لتنظيف الشاطئ من النفط المتسرب إلى مياهه ورمله.
عمليًا القصة أكبر من تسرب نفطي، فالتسرب النفطي وارد، ومعظم شواطئ العالم تتعرض اليه مادامت السفن تنقل النفط، ومادامت خزاناتها عرضة للخراب أو التلف والتصدع والاهتراء.
القصة في ذهنية من يقود ويدير البلد، وفي ثقافة من يقود البلد، وهي الذهنية التي تقود:
ـ الحرب والسلم.
ـ الاقتصاد والمال.
ـ التعليم والصحة.
وربما المؤسسة القضائية التي تشتغل بـ “التنكة”، بعد أن بات القصر العدلي مرتعًا للصوص والفاسدين، وعلّق القانون تحت الأحكام العرفية والمحاكم الميدانية، وحكم العسكر الذين يشتغلون بـ “التنكة”.
يحفرون الخنادق بـ “التنكة”.
ويحملون الذخائر بـ “التنكة”.
ويشتغل الجنود خدم منازل للضباط بـ “التنكة”.
مايزيد من الإضحاك، الوقاحة، فالوقاحة قد تتحول من سبب للسأم إلى سبب للنكتة، ومن بين النكات تلك التصريحات التي يرشقها وزير الكهرباء السوري، والتي قال فيها بأن “عمليات المسح قد وصلت إلى عمق 400 متر في البحر وحُددت المساحات التي طالتها مادة الفيول المتسربة، وتبين تركز المادة بشكل محاذٍ للشاطئ وعلى طول نحو 400 متر من المحطة وباتجاه بداية كورنيش بانياس”.
ـ كيف حدثت المعجزة؟
حدثت بتكنولوجيا التنكة.
لكن صور أقمار صناعية نشرتها وكالة الفضاء الإسبانية، بيّنت أن كمية التسرب النفطي في بانياس أكبر مما كان متوقعًا بكمية تقدر بنحو 1000 كيلومتر مربع، وصور الأقمار الصناعية لاتعمل حتمًا بإرشادات التنكة، واعتمادًا على صور هذه الأقمار، فإن تسرب الفيول (زيت الوقود) من محطة توليد الكهرباء في بانياس وبعد أن دمر الشاطئ السوري بات على وشك تدمير كامل الساحل الشرقي للجارة قبرص.
الحدث على وضوحه وضخامته، لايستدعي من الوزير أن يكذب، ففي هكذا حال من الحكمة أن يستخدم الوزير تكنولوجيا الصمت، كي لاتتضاعف الفضيحة فتتحول من كارثة الى نكتة الى كارثة جديدة.
بالنتيجة:
ـ كارثة يعقبها ضحك تعقبه كارثة.
وعلى السوريين مداواة الكوارث بالضحك.
وعلى النظام منع حبله بـ “التنكة”.