بعد استفزاز السعودية والمجتمع العربي بتصريحاته المدافعة عن إيران، يعود الرئيس التركي لممارسة سياسة التصريحات النارية والاستفزازية من جديد عبر تهديد الأخير لمنظومة المجتمع الدولي هذه المرة بالتلويح بزيادة التصنيع العسكري لبلاده، مضيفاً: “لقد أيقظتم المارد”.
جعجعة سياسية بلا طحن
معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي رأوا في سياسيات الرئيس التركي نسخة مشابهة من السياسة الإيرانية القائمة على الجعجعة منذ ثلاثة عقود، في تغطية للمشكلات والأزمات الداخلية التي تعيشها البلاد، ومحاولة منع للظهور بصورة البطل القومي.
وذَّكر عدد من المعلقين بالتشابه الكبير بين الأوضاع الداخلية بين أنقرة وطهران، خاصة مع تعرض تركيا لعقوبات أمريكية جديدة خلال الفترة الماضية نتيجة سياساتها في المنطقة، بالتزامن مع علاقاتها المتوترة مع دول الجوار، العربي والأوروبي على حد سواء.
حساب على موقع تويتر باسم “أركان ماضي” علق على تصريحات أردوغان بأنها استغلال للقومية التركية التي تعتبر شيئا مقدسا لدى الأتراك عموماً، مضيفاً: “سياسة أردوغان قائمة على اللعب على الحبال، في بداية الثورات العربية لعب على وتر التعاطف مع الشعوب واستغل اللاجئين للحصول على أموال أوروبا، واليوم يستغل الوضع الإيراني الحرج للبروز أكثر على الساحة”.
إلى جانب ذلك، رأى معلق آخر باسم “حمورابي العراق” أن كافة هتافات أردوغان لا تختلف كثيراً عن شعار “الموت لأمريكا” التي تردده ولاية الفقيه منذ عام 1979.
إدارة الأزمات وركوب الموجة
أكثر ما ميز سياسة الرئيس التركي خلال العقد الماضي بحسب المراقبين أنها قائمة على مبدأ إدارة الأزمات عموماً وركب الموجات السائدة، بدءاً من أزمة أسطول الحرية التي لاقى فيها رئيس الحكومة آنذاك فرصة لتسويق نفسه بالمجتمع العربي من خلال بوابة العداء مع إسرائيل، وصولاً إلى استغلاله أزمة اليمن لبناء مصالحها مع إيران على دماء اليمنيين مروراً بالأزمة السوريةالذي لطالما استغلها لتحقيق مشاريعه الخاصة في ذلك البلد.
ولفت المراقبون، أن تركيا “أردوغان” باتت بكل معنى الكلمة “سلطنة” قائمة على الأزمات، مضيفين: “في البداية اعتمد على ركوب موجة الثورات العربية ليصنع من خلالها حكومات ظل أو دولٍ عميقة خاصة في سوريا ومصر وليبيا عبر جماعات الأخوان المسلمين، وعندما فشل عمل على إذكاء الأزمات فيها”.
كما أشار المراقبون إلى أن إفلاس السياسة التركية في تلك البلدان، دفعته للتحالف مع إيران في مواجهة الدول العربية، والإعلام صراحة عن دعمه لميليشيات الإنقلاب في اليمن، متناسياً ما لحق في ذلك البلد من بلاء؛ على حد قولهم.
المحلل السياسي “جيري ماهر” وفي تصريحات صحافية اعتبر تعهد الرئيس التركي بشراء النفط الإيراني هو دليل على أن اردوغان يدعم الإرهاب الإيراني”، زذلك في إشارة إلى الدوافع وراء التبدل في السياسة التركية في الآونة الأخيرة.
قضية خاشقجي وورقة التوت الساقطة
محللون وكتاب عرب، ومع الذكرى الأولى لقضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، اعتبروا أن تلك القضية وطريقة التعامل التركي معها كانت أخر ورقات التوتوالساقطة عن السياسة التركية حيال المملكة العربية السعودية وقضايا المنطقة عموماً، حيث غرد الناشط السعودي “منذر آل الشيخ مبارك” موجهاً كلامه للرئيس التركي: “هذا هو رد عائلة خاشقجي يا اردوغان ، ستظل صغيراً تحاول لفت النظر بصياحك والحقيقة لا قيمة لمثلك”، وذلك تعليقاً على تغريدة “صلاح جمال خاشقجي” التي أكد فيها رفضه استغلال قضية والده ضد وطنه، حيث كتب على تويتر: “عام على رحيل والدي سعى خلاله أعداء الوطن في الشرق والغرب لاستغلال قضيته للنيل من وطني وقيادتي”.
كما كتب الناشط “بدر الخياري”: “اقدم كل الشكر والتقدير لصلاح خاشفجي في وقت يقوم أعداء الوطن بالتحضير لحملات كبيرة في ذكرى حادثة خاشفجي، الوطن يا هؤلاء ليس سلعة الوطن لا يباع ولا يشترى، تصريح صلاح خاشفجي قبل قليل أفسد كافة تحضيرات حملات الإعداء”، خاتماً تغريدته بـ”كلمني عن الوفاء أكلمك انهم الشعب السعودي”.
حلفاء الأمس وكشف المستور
الشاهد الأبرز على سياسات زعيم حزب العدالة والتنمية، وطرق إدارته للملفات الداخلية والخارجية، أتى من داخل كوادر الحزب السابقين، وتحديداً وزير الخارجية التركي الأسبق “يشار ياكش” الذي اعتبر أن سياسات الرئيس التركي طيلة 17 عاماً كانت مخالفة لأسس ومبادئ الحزب بتعميم تجربة اللامركزية في البلاد، مشيراً إلى أن تلك الاختلافات كانت السبب الرئيسي في أزمات الحزب.
كما حمل “المسؤول السابق” حكومة الرئيس “رجب طيب أردوغان” مسؤولية تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، موضحاً أن سياسات “أردوغان” كانت خاطئة، خاصة مع حالات الاقصاء التي طالت عدداً كبيراً من المعارضيين الأتراك، ومن بينهم رؤساء البلديات الأكراد الذين تمت إقالتهم الشهر الماضي جنوب البلاد، مضيفاً: “مؤشر حرية التعبير في البلاد في تراجعٍ مستمر ومن سيئ إلى أسوأ والحزب الحاكم فشل في تحقيق ما وعد به في سنواته الأولى”.
على المستوى الخارجي، لفت المسؤول التركي وأحد مؤسسي العدالة والتنمية الذي طُرد من الحزب عام 2014 لرفضه سياساته في الشرق الأوسط؛ إلى أن الحكومة أخطأت بالتدخل المباشر في سوريا، مؤكداً على أن مصالح تركيا كانت تقتضي بأن لا تتورط في الشؤون الداخلية لسوريا، وأن يقتصر ذلك التدخل على الجوانب الإنسانية للأزمة، معتبراً أن دخول الجيش التركي على خط المواجهات أمر غير مقبول وفق القانون الدولي.
فضائح المستور لم تقتصر فقط على الأعضاء السابقين في الحزب، وإنما انضم إلى قائمة الكاشفين عنها الحليف السابق “لأردوغان” الداعية التركي المعارض “فتح الله جولن” الذي هاجم سياسة الرئيس على الساحة الداخلية، متهماً إياه بتقويض عمل المؤسسات الحكومية، لا سيما التربوية والتعليمية منها، مضيفاً: “لقد قوَّض تلك المؤسسات لا لشيء إلا لأنها لم تخضع لأجندته الداخلية والخارجية”.
وأشار “جولن” إلى أن الدستور التركي الحالىي، لا يصلح لإدارة مجتمع يشتمل على أطياف وقوميات متنوعة، مضيفاً: “بلادنا تشتمل على قوميات مختلفة من أتراك وأكراد وشركس ولاظ وعلويين، وأطياف متعددة من مسلمين وربوبيين وملحدين وكماليين وغير ذلك، ولا يمكن حمل أفراد مثل هذه المجتمعات التعددية على رأى واحد، بل يجب احترام مشاعر الجميع لأن ما تنتظره من الآخرين ينتظرونه منك أيضاً”.
وعلى المستوى العسكري، قال الداعية “غولن” إن “أردوغان” هدف منذ البداية إلى إحكام السيطرة على الجيش، وهو ما دفعه لإطلاق حملة اعتقالات واقصاءات بحق عدد كبير من الضباط بتهمة الانتماء إلى حركة “خدمة” أو ما يعرف في الساحة التركية “التنظيم الموازي”.
مرصد الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الإعلامي