من جديد، محاولة أخرى تطلقها جماعة الإخوان المسلمين لإعادة تعويم نفسها سياسياً، بعد سنواتٍ من فشلِها في تسويق نفسها في الشارع العربي عبر الثورات التي شهدتها عدة دولٍ عربية، لا سيما في مصر وسوريا وليبيا، ومحاولاتها الاستئثار بالحكم في تونس عبر حركة النهضة.
محاولات الجماعة هذه المرة تأتي من تركيا؛ التي تعتبر أكبر تجمعٍ حاليٍ لقيادات الإخوان المسلمين في ظل حكم حزب العدالة التنمية، عبر مؤتمرٍ من المفترض عقده في مدينة إسطنبول بتاريخ “14 و 15” من أيلول الجاري، وبحضور أكثر من 500 عضوٍ من الجماعة، ما يعكس حجم ومدة الاستعداد لذلك التجمع ويكشف شيئاً من أهدافه.
المفارقة لم تكن فقط في محاولة الإخوان المسلمين العودة إلى الشارع العربي سياسياً من البوابة التركية وحسب، وإنما في ما سيتضمنه التجمع من عرض لرؤية الجماعة لبناء الدولة، في الوقت الذي يحملها فيه نسبة كبيرة من المواطنين العرب فشل الثورات في العديد من الدول، بسبب محاولاتها أخونة الحكومة والسيطرة على مفاصل الدولة..
كما جرى في مصر عندما تم تعيين كلا من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان والمحافظين وحتى عدد من أمناء الشرطة وضباطها وضباط الجيش من الموالين للجماعة، وأتباعها، حتى بات المجتمع المصري مقسوماً بين أخواني ومصري، لاسيما بعد انطلاق حركة “تمرد” التي قادت الحراك السياسي ضد الأخوان في ذلك الوقت.
من جهة ثانية، كان اللافت في التجمع نيته عرض فكر الجماعة وأعضائها ورؤاها للعديد من القضايا الفكرية والدعوية والمجتمعية والسياسية” كما جاء في بيانها”، وكأنها حديثة العهد في الشارع العربي، الذي لا زال حتى اليوم يقرأ تاريخها الدموي الطويل في كل من الجزائر ومصر تحديداً؛ ولجوئها إلى ما يعرف بالكفاح المسلح في تلك الدول، والذي أزهق أرواح الآلاف خلال تلك الفترة.
المفارقة الثانية والأكثر إثارة في خطوة الإخوان المسلمين، تكمن في نية القائمين على التجمع عرض دور الجماعة في “دعم حقوق الشعوب ومناصرة الأقليات المسلمة، ومدى قناعتها بالديمقراطية والتداول السلمي المتحضر للسلطة”، وهو ما تشهد فيه الثورة السورية، حيث يتهم ناشطون سوريون جماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن فشل تسويق الثورة على المستوى العالمي والدولي بسبب محاولة السيطرة على مفاصل مؤسسات المعارضة السياسية وأخونتها، مستغلةً الدعم التركي في ذلك، استعدادً لبناء نظام بديل عن نظام الأسد.
أما السهل الممتنع والذي يبقى عصياً فهمه بالنسبة للتفكير العربي ومفهومه حول الجماعة، هو سعي الأخوان المسلمين من خلال محاولاتهم الجديدة للظهور كقوة وطنية أكثر من كونها دينية، في حين يطلقون محاولتهم تلك من البوابة التركية المتهمة بالسعي لاستعادة حدود الدولة العثمانية، ناهيك عن تأثر أكثر نظريات ومعتقدات الجماعة بما يعرف بالفكر الثوري الإيراني الذي ساد عقب تولي “علي خميني” الحكم في إيران، واتباع الجماعة لمنهج مشتق من ولاية الفقيه، عبر مفهوم “المرشد”، وهو ما كان واضحاً بحسب سياسيين ومحللين في تجربة حكم الأخوان المسلمين في مصر.
في غضون ذلك، وفيما تستعد الجماعة لاجتماعها، تظهر جهود أمريكية ساعية لإدراجها على قوائم الإرهاب، ما يشير إلى أن مشكلة الجماعة الغائبة عنها وفقاً لمحللين وصحافيين، هي نظرة المجتمع الدولي ككل لها وليس نظرة الشارع العربي على وجه الخصوص.
وهو ما ناقشته عدة صحف عربية، ونقلتها شبكة بي بي سي، من بين تلك الصحف، صحيفة العرب اللندنية التي كتب فيها “بهاء العوام”: “عندما توضع جماعة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب الأمريكية، تكون الحرب الحقيقية على الإرهاب قد بدأت، فهي أخطر تكتلات الإسلام السياسي حول العالم، وهي الملهمة لتنظيمات داعش والنصرة وبوكو حرام، وكل من يحمل سلاحا ويمارس القتل باسم الإسلام”.
أما في عكاظ السعودية فقد كتب “حمود أبو طالب” أن القرار الأمريكي هو أقل ما يجب أن تفعله واشنطن كنوع من التكفير عن ذنب الإدارة السابقة التي هندست الفوضى في العالم العربي بواسطة ذلك التنظيم، في إشارة إلى منح إدارة أوباما فرصة للأخوان المسلمين بالصعود السياسي في عددٍ من الدول قبل أن تهبط مجدداً.
وفي الأخبار المصرية اعتبر “جلال عارف” في مقالٍ له أن مجرد الإعلان أن الولايات المتحدة بصدد الإعلان عن تصنيف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي كان له وقع الصاعقة على الجماعة وعلى الدول التي تدعمها.
“محمد فرحات” من جهته وفي مقال نشرته جريدة الحياة اللندنية، أشار إلى أنه من الطبيعي أن يشعر النظامان التركي والإيراني بالقلق تجاه خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوضع التنظيم العالمي لـ “الإخوان المسلمين” على لائحة الإرهاب، في خطوة تعقب وضع “الحرس الثوري” الإيراني على تلك اللائحة، على حد قوله، مشيراً إلى أن تركيا وإيران هما أكثر الدول الإقليمية استفادةٍ من نشاط الجماعة.
مرصد الشرق الأوسط وشمال افريقيا الإعلامي