غزة – مرصد مينا
تشكل التهديدات الخارجية والداخلية التي تشهد تصاعداً ملحوظاً على إسرائيل، حالة من النزوح في صفوف أعداد كبيرة من اليهود المقيمين داخل إسرائيل، كما أن هناك العديد من اليهود وغيرهم يرفضون القدوم إلى إسرائيل، نتيجة المخاطر التي طرأت مؤخراً وتزداد يوماً بعد أخر.
مطلع العام الحالي، نشرت وزارة الاستيعاب الإسرائيلية معطياتها عن الهجرة اليهودية للعام المنصرم، وجاءت هذه المرة مفاجئة وصادمة للأوساط الإسرائيلية، لأنها أظهرت أن ثلث اليهود في إسرائيل يؤيدون فكرة الهجرة، كما أن تصاعد وتيرة القصف المتبادل بين فصائل المقاومة في غزة والجيش الإسرائيلي بين الفينة والأخرى، يشكل قلقاً داخل إسرائيل نفسها ليس فيما يتعلق بمستقبل هذه المواجهات، ولكن بسبب هذه التداعيات والمخاوف من الهجرة العكسية خارج إسرائيل.
ووفق صحيفة هأرتس العبرية، فإن نسبة كبيرة من سكان غلاف غزة بعمق 20 كيلومتراً، نزحوا بشكل جماعي إلى مناطق الوسط والشمال بسبب فقدان الشعور بالأمان، ما جعلها مناطق أشباح نظراً لفرض حظر التجوال فيها تنفيذاً لتعليمات الطوارئ من الجبهة الداخلية، في حين تقول الصحيفة أن عدداً كبيراً من المواطنين الإسرائيليين يرون بأن الوجهة القادمة ستكون أوروبا، وعلى هذه الدول فتح الأبواب لنا كلاجئين وهذا أفضل من القتل من قبل العرب.
ووفقاً لأرقام الوكالة اليهودية، فقد غادر إسرائيل 720 ألف مستوطن واستقروا في الخارج بصورة رسمية منذ مطلع العام الماضي، في حين سجل ذات العام تفوقاً في ميزان الهجرة العكسية من إسرائيل إلى الخارج لمهاجرين يهود قادمين من الخارج، وهذه النسبة قد ترتفع في هذا العام، بعد أن ضربت المقاومة الفلسطينية مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي.
وتبدو الأجواء السياسية في إسرائيل ملبدة بالكثير من المخاطر، في اعقاب تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في البلاد، واشتداد لهجة التحريض مع مرور كل يوم، وتصاعد وتيرة التطرف الشديد في الخطاب العنيف والتحريضي على وسائل التواصل، فيما يقدر خبراء في جهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك)، بأن الاغتيالات السياسية في إسرائيل باتت أقرب من أي وقت مضى، أمام الأحداث الخطيرة التي وقعت مؤخراً بعد تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد، حيث ستكون هناك مهمة قاسية في احباط من يخطط لمثل هذا الاغتيال مع تزايد خطاب الكراهية، ونتيجة لذلك يتوقع خبراء بأن تشهد إسرائيل حالة من الحرب الأهلية، تفتح أفاقاً نحو انتشار ظاهرة هجرة النخب اليهودية إلى أوروبا.
ويتوقع البروفيسور الإسرائيلي ديفيد باسيج، هزيمة دولة إسرائيل إذا لم يتم اتخاذ خطوات أخرى لتجاوز الأزمة، والعمل على وضع تعريف محدد لطبيعة الدولة اليهودية، إلى جانب وجود احتمالاً بأن يؤدي التصعيد الداخلي بين اليهود أنفسهم، إلى ما وصفها بالهجرة العكسية للنخب اليهودية والكفاءات الإسرائيلية من إسرائيل ذاتها إلى الخارج، ولذلك فإن إسرائيل سوف تشهد تفككاً بالكامل خلال الفترة القادمة.
وأوضح البروفيسور ديفيد أن إحدى مشكلات اليهود اليوم في إسرائيل، أنه ليس لدينا الحق في الوجود بين كثير من الأطراف حول العالم، ولذلك يجب اقتراح المزيد من الخطوات المطلوبة، كي تكون حلا للتغلب على هذه النظريات السيئة والتي تهدد المستقبل الوجودي لليهود.
بدوره بين الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي شاكر شبات أن هناك خشية إسرائيلية كبيرة من تنامي ظاهرة الهجرة عكسية إلى الخارج في إسرائيل، والتي تتصاعد نتيجة لحجم التهديدات التي تحيط بالدولة، سواء بسبب المظاهرات وأعمال الشغب العربية في مدن الـ 48 داخل إسرائيل، إضافة إلى التهديدات العسكرية القادمة من غزة في الجنوب وحزب الله في الشمال.
وأشار شبات في حديثه لـ”مرصد مينا”: إلى أن الشعب الإسرائيلي بات يدرك أن حكومته تواجه عجزاً كبيراً في التعامل الجذري مع التهديدات الأمنية المحيطة، فمنذ الانسحاب من قطاع غزة عام 2005 زادت قوة المقاومة، وباتت تشكل تهديداً وجودياً للإسرائيليين ما يدفعهم للهجرة بحثاً عن الأمن كمخرج وحيد أمامهم.
وأوضح أن ظاهرة الهجرة العسكرية في إسرائيل، تزداد بشكل كبير مع كل جولة تصعيد أمني عسكري، لكن الجديد لدى الإسرائيليين أن العنف الإسرائيلي الداخلي وتنامي الفوضى السياسية داخل إسرائيل، دفعت بالكثير من الإسرائيليين للهجرة إلى دولاً أوروبية.
وأضاف أن موضوع الأمن في إسرائيل، يستحوذ على نسبة كبيرة من النقاش الإسرائيلي في قرار الهجرة، وهذا مرتبط باتساع دائرة التهديدات التي تحيط بإسرائيل، في حين لا تعتبر ظاهرة الهجرة العكسية جديدة بل تعود جذورها إلى عام 2004، حينما واجهت معارضة شعبية كبيرة لخطة الانسحاب من غزة وقد اعتبرها الإسرائيليون تنازلاً سياسياً عن الأرض.
في سياق ذلك قال المختص في الشأن الإسرائيلي عليان الهندي إن اليهود في الولايات المتحدة وغيرهم في قارة أوروبا، غير مرحب بهم ويتعرضون لمضايقات وعنف بناء على هويتهم الدينية، حتى هؤلاء باتوا يديرون ظهورهم للصهيونية، لذلك لم تعد الهجرة العكسية حلاً بالنسبة للإسرائيليين، الذين يرون أن دولتهم لم تعد بيئة ملائمة للعيش والأمان.
وأضاف الهندي في حديثه لـ”مرصد مينا”: إن اصرار الحكومة الإسرائيلية بأن إسرائيل لا تزال دولة آمنة، هذا أمر خاطئ وحالة الأمان والاستقرار بدأت تتلاشى تدريجياً في السنوات الأخيرة لأسباب عديدة ومنها، اتساع دائرة الخلافات داخل الكتل السياسية، والذي ينعكس سلبياً في تعامل الدولة مع المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأشار إلى أن عدم قدرة إسرائيل على دمج الهوية الثقافية والقومية ليهود الشتات داخل المجتمع الإسرائيلي، كمثال يهود الفلاشا الإثيوبيين لا يعتبرون مواطنين من الدرجة الأولى أسوة بيهود أوروبا أو الولايات المتحدة، وهذا يخلق صراعاً داخلياً يتطور في كثير من الأحيان إلى اشتباكات مباشرة بين هذه الهويات، ويساهم في زيادة معدلات الهجرة.
ووفق مصادر إسرائيلية مختصة، فقد غادر إسرائيل 19 ألف يهودي بين 2004 حتى 2006، وجاء العدد الأكبر في 2007 حينما غادرها 25 ألفاً نتيجة فقدان الشعور بالأمان بعد الحرب على لبنان 2006، ومنذ مطلع العام 2020 غادر ما يقرب من 16 ألف يهودي بسبب تصاعد المواجهات مع الفلسطينيين، خاصة صواريخ غزة التي باتت تشكل تهديداً كبيراً على حياة الإسرائيليين.