أسوأ جفاف منذ 55 عاماً يضرب الزراعة في “سلة سوريا الغذائية”

مرصد مينا

يشهد مزارعو مناطق شمال شرقي سوريا كارثة زراعية غير مسبوقة هذا العام، حيث لا تكاد الأرض تخلو من مساحات جرداء تعكس آثار الجفاف القاسي الذي أصاب المحاصيل، خصوصاً القمح والشعير.

منظر الحقول الخالية من الزرع بات يشكل مشهداً يومياً في هذه المناطق التي تعد من أكبر سلال سوريا الغذائية.

عيون الفلاحين، الذين يسيرون وسط أراضيهم المتأثرة، تترقب بحذر الأمطار الربيعية التي قد تساعد في إنقاذ ما تبقى من محاصيلهم العطشى، وتخفيف معاناة مواشيهم الجائعة، في وقت تزداد فيه المخاوف من استمرار الأزمة وتفاقم الخسائر.

يقول الخبير الزراعي الكردي سلمان بارودو، مستشار هيئة الاقتصاد في “الإدارة الذاتية” السورية، إن المنطقة لم تشهد جفافاً بهذا الحجم في المائة سنة الأخيرة.

ويقدر أن الجفاف هذا العام قد أثر على نحو 90% من الأراضي البعلية، ليؤدي إلى خسارة 2 مليون هكتار من المساحات المزروعة.

كما تضررت المحاصيل المروية على الآبار الجوفية، وهو ما يضاعف الأزمات التي يعاني منها المزارعون، إذ يعانون من ارتفاع تكاليف الزراعة بنسبة 300% هذا العام، في الوقت الذي تكبدوا فيه خسائر فادحة في السنوات الماضية.

يؤكد المزارع سكفان خليل (58 سنة)من القامشلي، الذي يمتلك حوالي 200 دونم، أن جفاف هذا العام سيدمر موسم القمح والشعير، مما سيؤثر سلباً على حياة سكان المنطقة الذين يعتمدون بشكل أساسي على الزراعة في معيشتهم.

وأضاف أن المزارعين اضطروا إلى تقليص المساحات المزروعة أو تركها كلياً بسبب تزايد الخسائر.

من جانب آخر، يقول المزارع دجوار إبراهيم من بلدة الدرباسية إن الأمطار التي قد تهطل هذا الشهر لن تعوض الضرر الكبير الذي لحق بالمحاصيل البعلية مثل القمح والشعير، بل إن تأخر سقوط الأمطار قضى على محاصيل العدس والكمون والحمص، التي كانت قد ازدهرت مؤخراً في هذه المنطقة.

ويشير الخبراء إلى أن هذا الجفاف يعد الأسوأ منذ عام 1970، حيث لم تشهد المنطقة انخفاضاً بهذا الحجم في هطول الأمطار منذ عقود.

كما أن انقطاع الأمطار تزامن مع تراجع منسوب المياه في نهري الخابور والفرات، مما يزيد من تفاقم الأزمة. هذا الوضع يعكس تدهور القطاعين الزراعي والحيواني في المنطقة، وهو ما سيؤثر حتماً على الاقتصاد المحلي.

وتعد سوريا من البلدان المتأثرة بشدّة بالتغير المناخي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن أكثر الدول إهمالاً لناحية الحصول على تمويل لمواجهته جراء استمرار الحروب على أرضها لمدة 14 عاماً.

وتبلغ نسبة المساحات المزروعة هذا العام من محاصيل القمح والشعير على مستوى شمال شرقي سوريا، أكثر من مليونين ونصف مليون هكتار بينها نحو نصف مليون هكتار قمح مروية على الآبار الجوفية.

لكن هذا الجفاف أضر بالفعل مساحات كبيرة من محاصيل الحبوب البعلية بحسب المزارع سكفان خليل.

ويقول المزارع حمدان الخليف (61 سنة) إنه أُجبر على ترك أرضه الزراعية في منطقة الشدادي، وتقع جنوب شرقي محافظة الحسكة، خشيةَ التعرض للمزيد من الخسائر، حيث ذكرهم هذا العام بسنوات الجفاف التي شهدتها سوريا والمنطقة قبل نحو 55 عاماً، مضيفاً: “اليوم هذا الجفاف كرر سيناريو عام 1970 لأن مساحات كبيرة تصحرت”.

وتعيش سوريا تحت وطأة جفاف شديد أثّر بشكل كبير على مساحات الأراضي الخضراء، نتيجة غياب الأمطار الشتوية لمدة تجاوزت الخمسة أشهر على التوالي.

ويشير الخبراء والاقتصاديون إلى أن هذه المنطقة، الواقعة بين نهري الفرات ودجلة، تشهد أسوأ شتاء جاف منذ عقود، وهو ما يؤدي إلى تدهور الأوضاع الزراعية في “سلة سوريا الغذائية”.

كما ترافق ذلك مع نقص حاد في الموارد المائية وتراجع منسوب نهري الخابور والفرات، وهو ما يعزوه البعض إلى استخدام تركيا للموارد المائية كسلاح ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الجناح العسكري لـ “الإدارة الذاتية” في سوريا.

وفي مواجهة هذه الأزمات، يحذر المسؤولون في “الإدارة الذاتية” التي تسيطر على المنطقة لغاية الآن من استمرار هذا الوضع الذي سيؤدي إلى فقدان سبل العيش للعديد من العائلات، خاصة في ظل التحديات الكبرى التي تفرضها الحرب المستمرة والتغيرات المناخية في المنطقة.

وفي ظل هذه الأوضاع، اضطرت الحكومة السورية إلى شراء حوالي 100 ألف طن من القمح في مارس الماضي، وهي المرة الأولى منذ تسلم الحكومة الانتقالية إدارة البلاد في نهاية العام الماضي بعد سقوط نظام بشار الأسد، في مسعى لتغطية النقص الحاد في إمدادات القمح بسبب الجفاف المستمر.

Exit mobile version