مرصد مينا – هيئة التحرير
يساهم التقارب التركي – الصيني، الجاري خلال الفترة الأخيرة، في تصاعد قلق المعارضين الصينيين من أقلية الإيغور، المقيمين في تركيا، من إمكانية تسليمهم للسلطات الصينية، لا سيما بعد إقرار البرلمان الصيني للاتفاقية الأمنية مع تركيا، نهاية العام الماضي، والتي تنص على تبادل المطلوبين بين البلدين، حيث باتت الاتفاقية قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، بانتظار إقرارها في مجلس النواب التركي.
في هذا السياق يكشف المحامي التركي، “محمد أوغوتان” أن السلطات التركية بدأت بالفعل بترحيل الإيغور إلى الصين، على الرغم من الخطر المحيط بحياتهم هناك، مشيراً إلى أن الفترة الماضية شهدت ترحيل ثلاثة من الإيغور إلى الصين، هم: “برهان كريم” و”محمد علي” و”علي جان توقتي”.
ويبين “أوغوتان” أن عمليات الترحيل تمت قبل أن يصادق البرلمان على الاتفاقية المذكورة، مؤكداً أن الترحيل للناشطين الإيغور الثلاثة، تم من مطارات تركيا وأن ذلك حدث بعد إقرار البرلمان الصيني للاتفاقية مباشرة.
يشار إلى أن الأقلية الإيغورية تعاني من اضطهاد كبير تمارسه عليهم الحكومة الصينية، حيث ذكر تقرير سري لوزارة الخارجية الألمانية، أن الصين تحتجر نحو مليون إيغوري في معسكرات اعتقال، حولتها إلى مصانع، تجبر الإيغوريين على العمل بها بنظام السخرة، وسط ظروف إنسانية وصحية سيئة جداً.
كما تشير تقارير حقوقية إلى أن الإيغور يتعرضون لمراقبة مشددة من قبل الأمن الصيني، يمنعون خلالها من أداء أي طقوس دينية كالصلاة أو الصوم أو إظهار أي علامات للتدين، كإطلاق اللحية، وهي أمور قد تعرضهم للملاحقة الأمنية، وسط أنباء عن ارتكاب انتهاكات كبيرة بحق الإيغور في المعتقلات من بينها الإخصاء القسري.
المعادلة الاقتصادية والحقوقية
إمكانية تضحية الحكومة التركية بالإيغور، المنحدرين أصول تركمانية، يربطها المحلل السياسي وخبير العلاقات الدولية، “محسن فوزي” بالبعد الاقتصادي وما يمر به الاقتصاد التركي حالياً، خاصة على مستوى الليرة والتضخم والغلاء، مشيراً إلى أن الإيغور سيدفعون ثمن ما يمكن وصفه بتوجه تركيا شرقاً، بعد إغلاق باب الغرب في وجهها، سواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي.
يذكر أن الولايات المتحدة قد فرضت خلال السنوات الماضية عدة عقوبات اقتصادية على تركيا، على خلفية أزمة صواريخ إس 400 الروسية، كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات مماثلة عليها، على خلفية أزمة الغاز في شرق المتوسط.
في السياق ذاته، يشير أيضاً الكاتب والمحلل السیاسي، “عادل اللطيفي”، إلى أنه مع تدھور علاقة أنقرة مع واشنطن وبروكسل وتفاقم يتجه الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان” نحو الصین من خلال عقد عدة اتفاقات تجاریة في إطار مشروع طریق الحریر، لافتاً إلى أن أنقرة تنتظر بناء جسرین على البوسفور ومطار بالإضافة إلى تدفق الاستتثمارات الصینیة، وهو ما سيتبعه تحولا سیاسیا تجاه قضیة الإویغور من قبل الحكومة التركية.
أما الدلالة الأهم في تحولات تركيا وارتباطها بالجانب الاقتصادي، تأتي على لسان سفير تركيا لدى بكين، “عبد القادر أمين أونن”، والذي لم يخف توجه أنقرة نحو مزيد من تعميق العلاقات مع الصين في كافة المجالات، بالتزامن مع احتفال البلدين خلال العام الجاري، بالذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، مضيفاً: “وفقًا للتوقعات، ستتحول الصين بحلول عام 2035 إلى أكبر اقتصاد في العالم، ومن المتوقع أن تصبح تركيا خامس أكبر اقتصاد، نحن نسعى جاهدين لاتخاذ خطوات لتعميق علاقاتنا مع الصين في الحاضر والمستقبل”.
يشار إلى أن بنك الصين الشعبي حول في حزيران عام 2019 مليار دولار إلى تركيا لدعم اقتصادها، كما أقرض بنك التنمية الصيني في شهر أيلول من العام ذاته، بنك تركيا التنموي 200 مليون دولار، كما وصل حجم التبادل التجاري بينهما عام 2017 إلى 27 مليار دولار.
ذعر وتحركات مريبة ودعوات إنسانية
حالة الذعر في أوساط الإيغور من التحركات التركية الأخيرة، عبر عنها المتحدث باسم مجلس الإيغور العالمي، “ديلكسات راكسيت”، والذي وصف الاتفاقية الأمنية بأنه مثيرة لرعب الإيغور الذين هربوا من الصين ولم يحصلوا بعد على الجنسية التركية، معتبراً أن الصين تمارس ضغوطاً اقتصادية على تركيا حتى تصادق على الاتفاقية.
يذكر أن 50 ألف إيغوري معارض يعيشون في تركيا بعد فرارهم من الصين بسبب حالة الاضطهاد، التي تعرضوا لها هناك، كما أن عدداً كبيراً منهم محكوم بأحكام شاقة وبعضهم محكوم بالاعدام، ما يشكل خطراً كبيراً عليهم في حال عودتهم إلى الصين.
كما يدعو “راكسيت” السلطات التركية إلى العمل على منع تحول الاتفاقية الأمنية مع بكين إلى أداة اضطهاد وقمع إضافية بحق الإيغور، الذين لجأوا إليها.
من جهته، يتهم رئيس رابطة الأويغور الأمريكية، “قزات ألطاي” الأمن التركي باعتقال مئات الناشطين، لافتاً إلى أن كثيراً من ناشطي الإيغور وجدوا في تركيا نفس المعاملة السيئة التي هرب منها في الصين.
ويضيف “ألطاي”: “الناشطين الذين يحاولون أن يكونوا صوت الأويغور بطريقة نشطة في تركيا، يتم احتجازهم باستمرار من قبل الشرطة التركية، بحجج غير واقعية، فضلا عن تعرضهم للمضايقات من قبل المخابرات”، وهو ما يأتي تزامناً مع تأكيدات رئيس الجمعية الوطنية لتركستان الشرقية، “سعيد توم تورك” بوجود حالة من الذعر بين الناشطين الأيغور المقيمين في تركيا.
يشار إلى أن الرئيس التركي، “رجب طيب أردوغان” قد أشاد عام 2019، بالسياسة الصينية تجاه إقليم شينغيانغ، معقل أقلية الإيغور، معتبراً أن “الناس فيه سعداء”، بحسب ما نقلت عنه حينها وكالة أنباء الصين الجديدة الحكومية.