مرصد مينا – هيئة التحرير
أفادت مصادر مطلعة من وزارة التجارة التونسية أن حركة النهضة الإسلامية، تضغط باتجاه تجديد الاتفاقية التي تقر بتحرير توريد البضائع التركية لتونس، وهي الاتفاقية التي وقعت أول مرة في عهد حكومة حمادي الجبالي. وتعطي الاتفاقية امتيازات ضريبية للبضائع التركية على حساب البضائع التونسية.
والإخوان حليف للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وطالما برروا ودافعوا عن الاعتداءات التركية على بلدان عربية في مقدمتها سوريا وليبيا.
وأوضحت مصادر وزارة التجارة، أن قيادات إخوانية تقف وراء ملف توريد بضائع أجنبية دون الاستجابة للصيغ القانونية. واكدت أن هذا الملف مطروح حاليا لدى القضاء التونسي، والذي يورط قيادات مقربة من راشد الغنوشي باحتكار سوق التوريد والاستفادة منه بشكل غير قانوني.
نفوذ ناعم لانقرة
ونجحت أنقرة في تعزيز نفوذها الناعم عبر وسائل مختلفة لعل أبرزها زيادة الترويج لتركيا في تونس عبر قنوات إعلامية واستثمارية وسياسية مختلفة وعبر كسب ولاءات جهات سياسية في البلاد ، ثانياً عبر دعم الشراكات الدفاعية ، وأخيرا عبر زيادة التمثيل التجاري وقلب ميزان التبادل التجاري لصالحها خلال السنوات التي عقبت الثورة بفضل التقارب الذي حققته مع الجهات الحاكمة في تلك الفترة وتحديدا حركة النهضة الإسلامية وحلفاءها.
وقد ارتفعت الصادرات التركية الى نحو الوجهة التونسية خلال الفترة التي تلت الثورة.وبات يمثل العجز التجاري مشكلة في علاقة تركيا مع تونس والتي تسعى أنقرة الى بلورة شراكة استراتيجية محتملة معها بعد زيادة التدخل العسكري في ليبيا.
ووفق البيانات الرسمية، يبلغ حجم المبادلات التجارية بين تونس وتركيا نحو 1.25 مليار دولار حاليا، وتسعى أنقرة إلى زيادتها إلى ملياري دولار.وتعود أسباب غزو السلع التركية لتونس إلى سنة 2004 حين تم إبرام اتفاقية الشراكة والتبادل الحر بين الطرفين.وما يرفع منسوب الشكوك حول الجدوى الاقتصادية من الميل إلى تركيا هو ضعف مساهمات هذه الاخيرة لدعم تونس في مؤتمر الاستثمار نهاية نوفمبر 2016، حيث لم تقدّم تركيا سوى 100 مليون دولار كوديعة.
ولا تستثمر سوى 26 شركة تركية بين 3455 شركة أجنبية تنشط في تونس، إذ يبلغ حجم أعمالها 400 مليون دينار وهو مبلغ بسيط للغاية.والهدف الوحيد، الذي استفادت منه تونس من هذه الشركات، هو امتصاص جزء من البطالة عبر توفيرها قرابة 2.5 ألف فرصة عمل .
عجز تجاري غير مبرر مع تركيا
وقال معز الجودي، الخبير الاقتصادي التونسي، إن تونس مثل كل دول العالم لديها في ميزانيتها عجز تجاري بين الصادرات والواردات، وقد كان قبل العام 2011 حوالي 4 مليارات دولار سنوياً، لكنه ارتفع خلال السنة الفارطة إلى حوالي 7 مليارات دولار، وهو رقم كبير جداً نسبة إلى حجم الميزانية.
وأضاف الجودي أن أكبر نسب هذا العجز هو مع الصين وتركيا. وإذا كانت كل دول العالم لديها عجز تجاري كبير مع الصين، فإن المستغرب هو العجز التجاري الكبير وغير المبرّر مع تركيا، الذي وصل إلى حوالي 750 مليون دولار هذه السنة. ويشير إلى أن نتائج مراجعة الاتفاقيات المشتركة بين البلدين وفرض ضرائب عليها لا وجود لها على أرض الواقع، بل هناك بعض الممارسات غير الخاضعة للرقابة، سواء على مستوى مراقبة دخول البضائع التركية أو كيفية سداد ثمنها، إذ يتم دفع بعض مستحقات الشركات التركية بالدينار التونسي وليس بتحويلات عبر البنوك، ما يطرح كثيراً من الأسئلة في شأن هذه المسألة.
وقد بدا الغزو التجاري التركي للأسواق التونسية بعد انتخابات العام 2011، التي فازت فيها حركة النهضة بالحكم، لأنها تعتبر أن تركيا حليفها الإستراتيجي. في تلك الفترة، وقّعت عشرات الاتفاقيات وطُور اتفاق الشراكة وفُتحت الأسواق التونسية أمام البضائع التركية، ليتم توريد نحو 89 مجموعة متنوعة من البضائع، في مقدمها النسيج والملابس الجاهزة. والحال أن هذه الواردات تنافس في شكل كبير الصناعات التونسية وتتسبب بخسائر كبيرة للمعامل وترفع من نسب العاطلين عن العمل نتيجة إفلاس المؤسسات المُشغلة.
تنبهت الحكومة التونسية، عام 2013، للتعديلات التي أدخلتها حكومة حركة النهضة على اتفاقية التبادل التجاري الحر، التي سهلت على البضائع التركية غزو الأسواق من دون مقابل يعادلها في مستوى التصدير. وفي محاولة للحد من الخسائر، أقرّت الحكومة في ميزانية العام 2018 فرض رسوم جمركية على عدد من المنتجات التركية، في محاولة لتعديل العجز في الميزان التجاري، إلا أن هذه الإجراءات لم تتمكن من خفض نسبة العجز المتزايدة سنة بعد أخرى.
واعترف فولكان بوزكير، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني التركي، خلال زيارته تونس، باختلال الميزان التجاري بين البلدين، مبرزاً ضرورة التفكير في زيادة الصادرات التونسية إلى تركيا، ورفع قيمة التبادل التجاري إلى حوالي ملياري دولار في الفترة القريبة المقبلة.
وعلى الرغم من كل الوعود والتعهدات، لاتزال الصادرات التونسية إلى تركيا تعتمد أساساً على مواد غير مصنّعة، مثل الفوسفات الخام وزيت الزيتون، اللذين يُعاد تصنيعهما بما يساعد الاقتصاد التركي، بينما لا تسهّل تركيا دخول البضائع أو المنتجات التونسية إلى أسواقها، ولا تشجّع رجال الأعمال الأتراك على الاستثمار في تونس وشراء منتجاتها.
فشل النهضة في ترفيع النفوذ التركي في تونس
وكانت حركة النهضة قد فشلت في أبريل الماضي من عرض مشروع اتفاقيتين تجاريتين مع تركيا وقطر على الجلسة العامة للبرلمان بعد احتجاجات واسعة صدرت من بعض الكتل البرلمانية.
وقد صاحب تأجيل النظر في الاتفاقيتين اتهامات من النواب لرئيس البرلمان باستغلال سلطته، لتمكين الدولتين من المزيد من التغلغل وإحكام القبضة على الاقتصاد التونسي، في إطار أجندة سياسية مرتبطة بالمشروع الإخواني في تونس.
وتتعلق الاتفاقية الأولى بإنشاء فرع للصندوق القطري للتنمية في تونس، وسيكون لهذا الصندوق وفق مشروع القانون المتعلق به سلطة كبيرة لا يمكن حتى للدولة أنّ تتحكم فيها.
وتنص بنود هذه الاتفاقية على أنّه “لا يمكن للدولة التونسية أن تعطّل بشكل مباشر أو غير مباشر المشاريع التي يشارك فيها الصندوق”، وهذا يعني أنه إذا تم في أحد مشاريع الصندوق ارتكاب أخطاء أو تجاوزات أو جرائم، أو في حال دخل الصندوق في مشاريع مخالفة للبرنامج التنموي للدولة التونسية فإنّه لا يحق لتونس أن تتدخل في هذه المشاريع، وإن حاولت القيام بهذا فإنّه يتاح للصندوق أن يقاضيها وأن يطلب منها تعويضات.