مرصد مينا – هيئة التحرير
تعاني الجزائر بين الفينة والأخرى من أزمة ندرة مادة الحليب ومشتقاته، حيث طفت خلال الفترة الأخيرة، أزمة اختفاء الحليب من محلات البقالة والمراكز التجارية الكبرى، ما دفع بالمواطنين الى إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ “أين الحليب”، مطالبين الحكومة بالتحرك وتوفير واحدة من أبسط المواد الغذائية الأساسية.
وتتصاعد أزمة نقص الحليب في البلاد نتيجة عدم رفع الإنتاج وارتفاع نسب الاستهلال السنوي، وسط تلويح الموزعين بالإضراب عن العمل، مستغلين غليان الشارع الجزائري، كورقة ضغط حتى تلبي الحكومة مطالبهم.
اقتناء الحليب أضحى ترفا
يؤكد الصحفي “أمين بيلوى” أن اقتناء لترا واحدا أو نصف لتر من الحليب أصبح الشغل الشاغل لأرباب الأسر في مقاطعة “باتنة” شرقي الجزائر، التي تشهد منذ أكثر من شهر نقصا حادا للمادة الأساسية في التغذية، نتيجة قلة الكمية المتحصل عليها من قبل موزعي الحليب، وعدم قدرة الحكومة على تلبية متطلبات السوق، مشيرا الى حجم الطوابير للمواطنين أمام المحلات التجارية للظفر بكيس حليب واحد قائلاً: “من قدم باكرا فله حصة شكارة حليب واحدة أما المواطنون الذين تأخروا فلن تكون لهم حصة لاقتنائها ولو طال بقائهم في طوابير الانتظار”.
بالإضافة الى ذلك، يكشف “بيلوى” أن اقتناء لترا واحدا من الحليب المحلي أصبح ترفا بالنسبة لسكان المنطقة خاصة بالنسبة لأصحاب الدخل الضعيف والمعوّزين الذين يعتمدون عليها بشكل كبير في التغذية، في ظل الارتفاع الحاد بأسعاره، حيث يتراوح سعر الليتر الواحد بين 60 و 80 دينار جزائري، في حين يصل سعر كيس بودرة الحليب المستورد الى 90 دينار، هذا إن وجد.
وبحسب إحصائيات رسمية نشرها الديوان المهني للحليب، فإن الجزائر تحتاج إلى نحو 5 مليارات لتر من الحليب سنوياً، بينما يبلغ الإنتاج المحلي لمائة وتسعين مركز إنتاج موزعة على 48 محافظة، 800 مليون لتر.
يشار الى أن وزير التجارة الجزائري “كمال رزيق”، كان قد تعهد عند تنصيبه، مطلع شهر كانون الثاني\ يناير الماضي، بالقضاء على أزمة الحليب نهائيا، من خلال “وضع نظام إلكتروني يرصد مسار كيس الحليب من المصنع إلى المستهلك”.
أزمة مفتعلة للضغط على الحكومة
لم يصدر أي تعليق رسمي من قبل وزارة الزراعة الجزائرية على أزمة الحليب، لكن مصدر من داخل الوزارة رفض الكشف عن اسمه، يعتبر أنها أزمة مفتعلة من بعض الأطراف التي تحاول تحويل “مسحوق الحليب” المستورد بأموال الخزينة العمومية نحو شركات إنتاج حليب خاصة للاستفادة منه في إنتاج الحليب ومشتقاته كالقشدة والدسم، ويكشف المصدر أن الوزارة قررت فتح تحقيق في الكيفية التي يوزع بها مسحوق الحليب من طرف ديوان الحليب، وإمكانية تحويل جميع الكميات إلى حليب مدعم، حتى تعاقب الأطراف المتسببة في هذه الأزمة.
وتكشف إحصائيات حكومية رسمية أن الجزائر كانت قد استوردت ما قيمته 1.1 مليار دولار من مسحوق الحليب خلال العام الماضي، فيما بلغت فاتورة استيراد الحليب المجفف 1.24 مليار دولار في 2019، ما يمثل أكثر من 232 ألف طن من مسحوق الحليب كامل الدسم ونحو 167 ألف طن من مسحوق الحليب منزوع الدسم.
وتشير الإحصائيات الى أن منتجات الألبان تحتل المرتبة الثانية في الواردات الغذائية الجزائرية بعد الحبوب، فيما تدعم الدولة سعر الحليب بقرابة 15 دينارا، حيث حُدد سعر الكيس الواحد سعة لترٍ واحدٍ بـ25 دينارا، 24 دينارا لخزينة ديوان إنتاج الحليب، ودينار واحد لموزع الحليب، في حين يبلغ سعر الحليب غير المدعوم بين 50 دينارا و100 دينار، حسب النوعية.
إضراب الموزعين
مطلع الشهر الحالي، رفض موزعو الحليب الدخول إلى مصانع إنتاج الحليب، كما أعلنوا تجميد نشاطهم حتى استجابة وزارتي الزراعة والتجارة لمطالبهم، في مقدمتها رفع هامش الربح، الذي لم يتغير منذ أكثر من عقدين من الزمن، حسبما تكشف مصادر محلية.
وتؤكد المصادر أن وزارة الزراعة وديوان الحليب الجزائري، فرضا على الموزعين قبل 4 سنوات اتفاقية تقضي بقبول تخفيض الكميات الموزعة بنسبة 25 بالمئة، بعد اتخاذ الحكومة قرار تقليص استيراد مسحوق الحليب، ما تسبب بتراجع نشاط الموزعين وبالتالي انخفاض ارباحهم بالنسبة ذاتها.
وبحسب المصادر، فإن هامش الربح الذي يناله الموزع محدد من طرف الحكومة بـ1 دينار فقط أي ما يساوي 3 سنتات أميركية، وهو هامش لم يراجع منذ أكثر من عشرين سنة، كما تنص الاتفاقية على عدم تعويض خسائر موزع الحليب في ما يتعلق بالأكياس المثقوبة، أو الحليب الفاسد.
على إثر إضراب الموزعين ، ولتفادي تطور أزمة الحليب، في ظل تضاعف عدد الطوابير أمام محلات بيع المواد الغذائية، سارعت الحكومة عبر مصانع إنتاج الحليب، إلى استدعاء ممثلين عن موزعي الحليب للجلوس إلى طاولة الحوار، للوصول إلى مخرج يرضي الطرفين.
رئيس فيدرالية موزعي الحليب في الجزائر “عولمي فريد”، أكد أن الاجتماع لم يحمل الحلول التي كان ينتظرها موزعو الحليب أو على الأقل تحقيق مطلب رفع هامش الربح، مؤكدا أن الموزعين يسعون لتنفيذ إضرابات دورية تستمر إلى غاية تلبية مطالبهم.