كما لو أن استعادة القذاذفة للسلطة في ليبيا، عبر ترشح سيف الإسلام للرئاسة، يحكي حكاية الربيع العربي، وهي الحكاية التي تقول “تيتي تيتي، مطرح مارحتي جيتي”، وهذا الحال ليس نكتة قابلة للإضحاك بقدر ماهي حسبة تحكي مصير الدماء في ليبيا، كما مصيره في البلدان العربية الأخرى التي استعجلت إطلاق تسمية “الربيع” على الأيام التي ارتفعت فيها أحلام الناس، للانتقال من حكم الفرد المشبع بالصفات والنياشين، إلى حكم يختاره الناس أسوة ببلدان تنافست على غزو الفضاء وحصد جوائز “نوبل” في العلوم والأفكار.
ما يحدث في ليبيا، يفتح الشهية على اليأس، فاتحاد القبائل الليبية، الموالي للنظام السابق (وهو اتحاد ليس بقليل الشأن) ، يصعّد من تحذيراته وتهديداته، رداً على استبعاد سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي من الماراثون الرئاسي المرتقب في ليبيا، وما هو بفعل المؤكد أن الحيلولة دون ترشح سيف الإسلام من قبل مفوضية الانتخابات الليبية، ارتكز على أن هذا الاستبعاد جاء “لمخالفته شروط الترشح، وفقاً للمادة 10 من قانون انتخاب الرئيس في بندها السابع، الذي ينص على ضرورة ألا يكون المترشح قد صدرت بحقه أحكام قضائية نهائية في جناية أو جريمة”، والرجل مثقل بالجرائم، كما أبيه أو “بمعية أبيه” إن صح القول.
سيف الإسلام اليوم، يعلو المنابر، وعبر السوشال ميديا يطلق التعليمات لأنصاره، فيما يذهب “اتحاد القبائل الليبية” لتحذير “القائمين على القضاء، والنائب العام والمفوضية من إقصاء سيف الإسلام من الترشح”.
سيف الإسلام كان قد اعتقل نهاية 2011 ونقل الى مدينة الزنتان، وهناك حكم عليه بالإعدام وهو الحكم الذي لم ينفذ، وفي 2017، أعلنت كتيبة “أبو بكر الصديق” بالزنتان، التي كان تحتجز سيف، إطلاق سراحه وفقاً لقانون “العفو العام” المثير للجدل، الذي أصدره البرلمان الليبي. فيما يرى بعض رجال القانون أن سيف لم يخضع لإجراءات قضائية حددها قانون العفو العام، إذ لم تصدر وزارة العدل أو المحكمة العليا (أعلى سلطة قضائية) أي قرارات رسمية ترفع عن سيف الإسلام الأحكام الصادرة في حقه.
الموقف الأمريكي من ترشح سيف الإسلام، كان قد عبر عنه مستشار أول للشؤون السياسية بوزارة الخارجية الأميركية، السفير جيفري ديلورينتيس، خلال جلسة مجلس الأمن منتصف الأسبوع يوم طالب حكومة “الوحدة الوطنية” بالقبض على سيف القذافي، وعبد الله السنوسي صهر العقيد الراحل القذافي، ورئيس جهاز استخباراته، وتسليمهما إلى المحكمة الجنائية الدولية.
في المقابل، تبنى “ملتقى أبناء قبيلة القذاذفة المهجرين بالخارج” هاشتاغ “كلنا سيف الإسلام القذافي”، وهكذا بات سيف الإسلام الشغل الشاغل لليبيين اليوم، بل والقضية الرئيسية التي قد تحمل تداعيات ربما في طريقها إلى إطلاق الاحتراب الليبي / الليبي من جديد.
هكذا حال لابد ويفتح الطريق لجمال مبارك في مصر، ولرغد صدام حسين في العراق، ويظهر أن لحافظ بشار الأسد، حصته في الأيام المقبلة فيما لو أصاب والده “تنح” عن السلطة بـ “السيف” أو بزلات القدر، وهنا سيبرز السؤال:
ـ ما الجدوى من ثورات الربيع العربي؟ وما الذي أخذته وما الذي منحته؟
في الصورة لايظهر إلاّ اعادة الخراب، أو استعادته، كما لو أن الناس الذين خرجوا يهتفون بإسقاط الأنظمة، سيعودون إلى بيوتهم وقد عادت الأنظة لتحجر عليهم ثانية، لتبقي مصائرهم محكومة لدكتاتوريات، لم تنل من حصة الدكتاتوريات التي شهدها العالم، سوى:
ـ الفساد، النهب، العنف، السجون، وإلغاء الإنسان بما فيه إنسانًا مواطنًا.
قصة سيف الإسلام، تتطلب اعادة النظر بالتسميات، كل التسميات، وعلى رأسها تسمية:
ـ الربيع العربي.
يظهر أنها كانت تسمية مستعجلة، أطلقها بشر حالمون أو نزقون.
والأمر سيان.