إثيوبيا من الداخل 2/3

مرصد مينا – ملفات

تتصف الدولة الإثيوبية من الناحية الديمغرافية بأنها تجمع يضم الكثير من العرقيات والقوميات والتي يتجاوز عددها الـ 80 مجموعة عرقية معظمها من أصول إفريقية، لا سيما وأن التعداد السكاني للبلاد ازداد بشكل كبير في الفترة من 1980 وحتى 2010.

وبحسب الإحصائيات الرسمية فإن عدد سكان البلاد ارتفع من 33.5 مليون نسمة عام 1983 حتى 93,800,000 نسمة في عام 2013، ما جعل معدل النمو السكاني في البلاد واحداً من بين أفضل عشر دول في العالم.

يشار إلى أنه من المتوقع أن يشهد عدد سكان أثيوبية ارتفاعاً كبيراً خلال العقود المقبلة، حيث ترجح الإحصائيات أن يصل عدد السكان إلى نحو 210 ملايين بحلول عام 2060، والتي ستكون زيادة عن تقديرات 2011.

خليط شعبي وأزمات

الخليط  السكاني في إثيوبيا يوصف في غالبيته بأنه مجتمع أفروآسيوي، بالإضافة إلى احتوائه على بعض الناطقين باللغات السامية، حيث تتوزع التركيبة العرقية في إثيوبيا على الشكل التالي، وفقا للتعداد الوطني الإثيوبي من عام 2007، أورومو هي أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، بنسبة 34.4٪ من سكان البلاد. أمهرة تمثل 27.0٪ من سكان البلاد، في حين أن العرقية الصومالية وتيغري تمثل 6.22٪ و 6.08٪ من السكان على التوالي.

وتضم أيضاٌ المجموعات العرقية الأخرى البارزة هي كما يلي: سيداما 4.00٪، 2.52٪ كوراج، ولايتا 2.27٪، 1.73٪ عفار، الهدية 1.72٪، 1.49٪ الإعراس وغيرها 12.6٪، ما جعل إثيوبيا توصف بحسب الباحثين بأنها متحف للعرقيات.

وبحسب ما تشير إليه دائرة المعارف البريطانية فإن هناك العديد من القوميات في إثيوبيا، مشيرة إلى أن التمايز اللغوي يعد من أبرز أسباب الخلافات في البلاد، حيث يوجد في هذا البلد نحو 100 لغة يمكن تقسيمها إلى 4 مجموعات لغوية رئيسية هي السامية والكوشية والأومية وجميعها من الأسرة الآفرو آسيوية، كما أن هناك مجموعة رابعة تنتمي إلى النيلية وهي جزء من أسرة النيل الصحراء اللغوية.

كما تتكون إثيوبيا من تسعة أقاليم عرقية ذات حكم ذاتي، يعتبر إقليم التيغراي أبرزها، لا سيما في ظل ما يشهده الإقليم مؤخراً من عمليات عسكرية ومعارك بين الجيش الإثيوبي وميليشيات محلية، تخللها اتهامات متبادلة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وعمليات اغتصاب.

وفقاً للسجلات المحلية، يشكل التيغراي نحو 6.1 في المئة من الشعب الاثيوبي وأغلبهم يعيش في شمال البلاد، وهم من المهتمين بالشعر والألغاز وقصص التسلية، كما شاركت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في وقت سابق بالحكومة الاتحادية، وكانت أقوى أطرفها لسنوات عديدة، لكن رئيس الحكومة الفيدرالية آبي أحمد، كبح نفوذها بعد توليه السلطة عام 2018، ما أدى إلى سوء العلاقة بين قادة الجبهة من جهة والحكومة المركزية، لتتطور الأحداث بشكل متسارع وتتحول إلى مواجهات مسلحة عنيفة لا تزال مستمرة، وسط جهود دولية لوقف العنف هناك.

تكشف منظمة هيومن رايتس ووتش أن الحرب في إقليم تيغراي بين حكومة الإقليم، بقيادة جبهة تحرير تغراي الشعبية، وقوات الدفاع الوطني الإثيوبية (إي إن دي إف) بمساعدة الشرطة الفيدرالية الإثيوبية وشرطة الولاية الإقليمية وقوات الدرك في منطقة أمهرة المجاورة ومنطقة عفر مع ذكر تورط قوات الدفاع الإريترية.

يشار إلى أن إثيوبيا بعد نهاية الحرب الأهلية الإثيوبية في عام 1991، أصبحت دولة الحزب المهيمن تحت حكم الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية الإثيوبية، وهو تحالف من الأحزاب العرقية، كان العضو المؤسس والأكثر نفوذًا هو جبهة التحرير الشعبية لتغراي، برئاسة “ملس زيناوي”، والذي كان رئيس وزراء إثيوبيا حتى وفاته في عام 2012.

يذكر أن المعلومات المتداولة حول الإقليم، تشير إلى أنه يمتلك قوة عسكرية كبيرة وميليشيات مسلحة، تصل وفق بعض التقديرات إلى 250 ألف فرد مسلح.

خلافات تغذيها التعددية

تطابقاً مع الكثير من دول العالم الثالث والدول الإفريقية، فإن التعددية العرقية في إثيوبيا كانت المحرك اللأساسي للكثير من الخلافات الصدامات الداخلية المسلحة، فبحسب دراسة “خريطة الأزمات ومستقبل الدولة في إثيوبيا”، التي نشرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عام 2021، فإن التوترات العرقية تتصاعد في كثير من المناطق الإثيوبية مثل أوروميا وتيجراي وبني شنقول-جوموز والعفر والإقليم الصومالي الإثيوبي وأمهرة خاصة في مناطق جنوب “ولو” ومنطقة أورومو الخاصة وشيوا الشمالية، ويتورط في تلك المواجهات السكان المحليون والميلشيات المحلية وبعض القوات الخاصة التابعة للإدارات الإقليمية، ويتم استخدام المدفعية الثقيلة في بعض تلك المواجهات.

كما تشير دراسة المركز إلى أن تلك الصدامات العرقية تفاقم التوترات السياسية والأزمات الإنسانية في البلاد بسبب الحاجة إلى المياه والغذاء والمأوى والرعاية الصحية.

في ذات السياق، توضح الدراسة أن الصراعات الحدودية تضرب كافة الأقاليم الإثيوبية دون استثناء، وقد استمرت رغم الجهود التفاوضية المبذولة لتسويتها، إذ يتصاعد النزاع بين ولايتي عفار والصومال الإثيوبي على الأراضي المتنازع عليها، وهو ما دفع المجلس الانتخابي الوطني الإثيوبي لإلغاء إجراء الانتخابات في 30 مركز اقتراع بالمنطقة.

إلى جانب ذلك، تلفت الدراسة إلى أن الساحة السياسية الإثيوبية منقسمة بفعل التنوع العرقي، حول شكل النظام السياسي في الدولة خلال المرحلة المقبلة، فهناك اتجاه يضم نخب أمهرة والنخب الحضرية – وهي حليف قوي لآبي أحمد بعد تحوله عن قومية أورومو التي ينتمي إليها والتي دعمت وصوله للسلطة- يدعو إلى إعادة النظام المركزي في البلاد تحت شعار “اجعل إثيوبيا عظيمة مرة أخرى”، ويعتبر الفيدرالية سببًا رئيسيًا لكل المشكلات السياسية وعدم الاستقرار في البلاد، وأن الدستور الفيدرالي هو سبب تراجع مشروع بناء الأمة الإثيوبية الموحدة.

في المقابل، هناك اتجاه آخر يفضل استمرار الفيدرالية، ويتمسك بمنح الحكومات الإقليمية المزيد من الحكم الذاتي وتقرير المصير والاستقلال عن السلطة المركزية إذا لزم الأمر. ويرى أن استقرار ووحدة البلاد يعتمد على الالتزام بالدستور الاتحادي والنظام الفيدرالي. كما يرى أنصاره أن تحركات قومية أمهرة تهدف إلى جعل إثيوبيا أمهرة أخرى.

بعيداً عن السياسة.. صراعات الموارد والعيش

خلال التعمق بانعكاسات التعددية العرقية في إثيوبيا، تظهر بعض الدراسات أن هناك نزاع آخر على الموارد والأراضي الزراعية بين العديد من المناطق الإثيوبية، لا سيما منطقة هراري والصومال الإثيوبي، وهو ما يتسبب في اندلاع اشتباكات مسلحة بين المجموعات المسلحة من الجانبين.

كما تلفت الدراسيات إلى وجود نزاع تاريخي بين إقليمي أوروميا والإقليم الصومالي الإثيوبي على الموارد والأراضي. فيما استطاع إقليم أمهرة ضم بعض الأراضي في غرب وجنوب شرق تيجراي خلال الحرب الأخيرة، الأمر الذي قد يدفع نحو نشوب حرب جديدة بين الجانبين.

كما تشير الدراسات إلة اندلاع صراع “كيميس” Kemise في منطقة أورومو الخاصة في إقليم أمهرة منذ يناير 2021، حيث سيطر مقاتلو أورومو على بعض البلدات مثل أتاي في مارس 2021، وسط اتهامات متبادلة بين جيش تحرير أورومو وميلشيات أمهرة أدت لاشتباكات عسكرية في نفس الشهر في مناطق North Shewa zone وAtaye وKemise.

قضايا ذات حساسية عالية

في تناوله لقضية العرقيات الإثيوبية، يشدد المحلل السياسي، “محمد الطيب”، في حديث صحافي، على أن مسألة العرقيات في إثيوبيا تعتبر قضية حساسة جداً، لافتاً إلى أنه في حال لم تعالج المشاكل الناتجة عنها بشكل فوري، يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً للبلاد ووحدتها، لا سيما وأن إثيوبيا بها ما لا يقل عن ثمانين عرقية.

ويعود “الطيب” إلى الحديث عن أزمة التليغراي، والتي اعتبر أن تصاعد حدتها وعجز الحكومة عن حلها قد تشجع عرقيات أخرى على سلوك ذات الطريق والخوض في صراع مسلح يقود إلى الانفصال على أساس عرقي، خاصة أن التيغراي ظلوا يحكمون إثيوبيا لفترة طويلة ولديهم إمكانيات كبيرة.

في ذات السياق، تؤكد دراسة صادرة عن الموسوعة الجزائرية للدراسات، أن الإثنية العرقية تعتبر سبب جوهري للصراعات الداخلية بين الأقليات والحكومة وبين الأعراق فيما بينها، لافتةً إلى أن الفلسفة السياسية في البلاد قامت أساساً على تقيم البلاد فيدرالياً على أساس عرقي.

كما تعتبر الدراسة أن تفاقم الأزمات العرقية في إثيوبيا تصاعدت مع محاولة حكومة “آبي أحمد” طرح فلسفة سياسية جديدة تقوم على القومية المدينة.

وتخلص الدراسة المذكورة إلى أن الدولة الإثيوبية تواجه عدة أزمات مرتبطة بالإرث التاريخي والعرقي، والتي أدت إلى فشل عملية الانتقال السياسي في البلاد ومحاولات بناء الأمة الإثيوبية الموحدة، التي تقوم بها بعض التيارات السياسية الإثيوبية.

في ذات السياق، تشير دراسة مركز الإهرام إلى أن العديد من الجهات العرقية رفضت مساعي الحكومة الحالية بدمج الأحزاب العرقية، والانضمام إلى ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية (EPRDF) الحاكم، الذي جاء كمحاولة من “آبي أحمد” لإبعاد البلاد عن سياسات الفيدرالية العرقية، على حد وصف الدراسة.

وتذكر دراسة مركز الإهرام أن الدستور الفيدرالي الإثيوبي لعام 1994 أعطى في مادتيه (39) و(47) الحق لكل أمة أو شعب أو جنسية أن تنفصل عن الدولة الإثيوبية الموحدة وتكون دولتها المستقلة، وفقا مجموعة من الشروط، أهمها موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة أو الجنسية أو الشعب المعني. ويتم تقديم الطلب كتابيا إلى مجلس الدولة؛ عندما ينظم المجلس الذي تلقى الطلب استفتاء في غضون عام واحد يعقد في الأمة، الجنسية أو الشعب الذي قدم الطلب؛ ويتم دعم مطلب الأمة من خلال تصويت الأغلبية في الاستفتاء؛ عندها ينقل مجلس الدولة صلاحياته إلى الدولة أو الجنسية أو الشعب الذي قدم الطلب.

كما تتوصل الدراسة إلى أن إثيوبيا كانت تنظر إلى نفسها باعتبارها دولة فريدة في أفريقيا، إلا أن الأزمات الداخلية المتتالية التي تواجهها والتي ترتبط في مجملها بمشكلات إدارة التنوع العرقي، وما أسفرت عنه من تداعيات خطيرة على الاستقرار والأمن، حيث تضررت العديد من القوميات نتيجة فشل النظام الحاكم في تحقيق المساواة والعدالة ومنع تعرض القوميات المكونة للدولة الإثيوبية للتهميش والإقصاء، سوف تنال بالتأكيد من تلك الصورة، لافتةً إلى أن بعض هذه القوميات قد تلجأ إلى حمل السلاح في مواجهة الحكومة الفيدرالية، خاصة في ظل اتجاه النظام الحاكم إلى استخدام كل قدراته ضد كافة المنتمين إلى قومية معينة داخل الدولة، وخارجها.

وتختتم الدراسة بالتأكيد على أن المركزية التي أسسها حكم الدرج العسكري في عام 1974، والفيدرالية العرقية التي أسسها دستور عام 1994، لم تتمكنا من تحقيق الاندماج الوطني في هذه الدولة. ومن المتوقع أن تستمر الأزمات الداخلية في إثيوبيا إلى أن يصل قادتها إلى صيغة جديدة للاتحاد بين القوميات المختلفة تتجاوز التقسيمات العرقية، ويعاد تقسيم الدولة على أسس جغرافية وليست عرقية.

Exit mobile version