إذا ماتحوّل الناتو إلى فريق كرة قدم في زقاق خلفي من ازقة العالم

يتساءل  الأدميرال باتريك شيفاليرو، الذي شغل منصب ملحق الدفاع الفرنسي في حلف الناتو، عن الغاية من وجود تحالف سياسي عسكري يبلغ من العمر 70 عاما، عندما لا يتشارك بعض أعضائه في نفس القيم؟

تساؤل الادميرال يتصل بوجود تركيا في حلف الناتو، بما يعني:

ـ مامبرر وجودها في الحلف.

ثم يطرح سؤالاً لاحقًا:

ـ ما مبرره عندما يصطدم سلوك عضو واحد (تركيا) بالمصالح الأمنية للبقية؟

تاتي تساؤلات الأدميرال عقب رفض تركيا لانضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، ومن بعد التساؤل يرسم الادميرال صورة للرئيس التركي أردوغان فـ “أينما يولي أردوغان وجهه سيجد دولة لها مشكلة مع تركيا، من سوريا وقبرص في شرق المتوسط، إلى مصر وليبيا في جنوبه، إلى اليونان وفرنسا”.

ولعل أحدث التطورات التي سلطت الضوء على تضارب المصالح بين تركيا وأعضاء الناتو، وإشعالها الخلافات بين ومع أعضائه، هي تلك التي حدثت في يونيو الماضي، عندما أعلنت وزارة الجيوش الفرنسية، أن سفينة فرنسية تشارك في مهمة للناتو بالبحر المتوسط، تعرضت لعمل “عدواني للغاية” من قبل زوارق تركية، منددة بمسألة “بالغة الخطورة” مع شريك أطلسي.

وللإيضاح، كانت السفينة الفرنسية قد تعرضت لثلاث “ومضات لإشعاعات رادار” من أحد الزوارق التركية، وهو ما اعتبرته وزارة الجيوش الفرنسية “عملا عدوانيا للغاية لا يمكن أن يكون من فعل حليف تجاه سفينة تابعة للحلف الأطلسي”.

“هذه القضية خطيرة جدا في نظرنا (والكلام للأدميرال) لا يمكننا أن نقبل بأن يتصرف حليف على هذا النحو، وأن يقوم بما قام به ضد سفينة لحلف شمال الأطلسي تحت قيادة الحلف تقوم بمهمة للناتو”.

في مقاله، أشار شيفاليرو إلى أن بعد تلك الواقعة مباشرة، طلبت فرنسا عقد اجتماع للناتو، لمناقشة الحادث وطلب تحقيق رسمي من قبل الحلف، إلا أن المثير للاهتمام هو أنه في حين أيد 10 أعضاء في الناتو مطلب فرنسا (بلجيكا وألمانيا واليونان وإيطاليا ولوكسمبورغ والبرتغال وسلوفاكيا وسلوفينيا وإسبانيا والمملكة المتحدة)، لم تدعم أي من دول الشمال أو “الجناح الشرقي” للحلف (باستثناء سلوفاكيا)، المطلب الفرنسي.

والحديث عن “القيم” وتبايناتها مابين دول الناتو وتركيا، دفع الادميرال للاستطراد” تتم مقاضاة الصحفيين (في تركيا) والقضاة والمحامين وسجنهم، بينما تم طرد مئات الضباط الأتراك، الذين خدموا في حلف شمال الأطلسي، من الجيش وسُجنوا في كثير من الحالات”.

إذنً.. ما نوع الرسالة التي تريد تركيا أردوغان تمريرها إلى الناتو؟ وما هي نقطة الانهيار الحاسمة عندما يتبدل الاهتمام بوجود تركيا في حلف الناتو، لتحل محله الضربات التي تلحقها بالمصالح الجيوسياسية لأوروبا؟.. الجواب على ذلك لن يكون متطابقا في كل دولة أوروبية، لكن هذا في حد ذاته يعرض الناتو للخطر”.

يتابع الأدميرال: “إذا كانت عضوية الناتو ستؤدي إلى حماية الأفعال التهديدية لتركيا في الشرق الأوسط والبحر المتوسط وشمال إفريقيا بشكل فعال من أي عواقب ملموسة، فإن ذلك سيُنظر إليه على أنه أمر أقل قبولا من قبل الحكومة الفرنسية”.

تساؤلات الادميرال إياها تدفع للمزيد من التساؤلات، ومن بينها:

ـ إذا ما تمسكت تركيا برفضها لانضمام السويد وفنلندا إلى الحلف، هل يقايض الحلف الدولتين بـ “تركيا”؟ بمعنى آخر، هل سيخرج الحلف تركيا من بين أعضائه لاستبدالها بالدولتين إياهما؟

لابد سيكون سؤالاً صعبًا، فـ “انجرليك” هي واحدة من اهم القواعد الأمريكية في العالم قاطبة، ومكانها تركيا، ولتركيا جيشها القوي المحسوب على أقوى جيوش العالم، وسيضاف إلى هذا وذاك، أن تركيا من أكبر المساهمين في الحلف، فما هي خيارات دول الحلف؟

هي معادلة الإمساك باليد المكسورة، ولابد أن اردوغان يتقن اللعبة، وفوقها يتقن اللعب مع النوافذ المفتوحة، ففي الوقت الذي يقدّم للأوكران طائرات بيرقدار، يغازل روسيا ويمد يد العون لها، وفي الوقت الذي يهاجم فرنسا بسياسييها وقيمها، يجمعه معها الناتو، وفي كل الحالات، ثمة تباينات في “القيم” وهذا أمر صحيح، ولكن، هل الناتو “قوّة قيم”؟

لو كان الأمر على هذا النحو لما تمدد أردوغان في ليبيا وسوريا، ولما استمر في ممارسات ترقى إلى مستوى “الطغيان” في الحياة الداخلية التركية.

أردوغان يتقن اللعب، وأمام الغرب واحد من احتمالين:

ـ إما إيقاف اللعب عبر إخراج تركيا من عضويته، وإما الإذعان للرئيس التركي، وفي هكذا حال، لن يعود للناتو قيمة معنوية تساوي فريق كرة قدم في زقاق مجهول من أزقة الكوكب.

Exit mobile version