إذا ماخسر “أردوغان” الانتخابات التركية

سيكون سؤالاً مقلقاً للكثيرين، ومفرحاً للكثيرين أيضاً أما السؤال فهو:
ـ ماذا لو سقط أردوغان في الانتخابات التركية المقبلة؟
حتماً القلق وعكسه يأتي على مستوى السياسات التركية “الجيوسياسية”، وكان معهد واشنطن من بين حاملي هذا السؤال، فـ “أردوغان” وفق قراءة المعهد عمد على مدى العقد الماضي إلى إبعاد تركيا شيئاً فشيئاً عن الولايات المتحدة وأوروبا، وأقام علاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحديداً منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا في عام 2016، والتقى الزعيمان مرات كثيرة واتفقا على صفقات تقاسم السلطة في سوريا وليبيا وجنوب القوقاز. وعلى الرغم من أن تركيا قدمت طائرات بدون طيار ومعدات عسكرية أخرى لأوكرانيا، إلّا أن أردوغان رفض المشاركة في العقوبات الأمريكية على روسيا، مما منح الأخيرة فرصة كبيرة في الوصول إلى الأسواق العالمية.
ـ هل سيتغير الأمر إذا مافاز مواطنه كليجدار أوغلو بالانتخابات؟
كليجدار أوغلو ليس صديقاً لروسيا. فقد صرّح خلال مقابلة حديثة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” بأن أنقرة ستمتثل للقرارات الغربية بشأن العقوبات. كما تعهد بتقريب تركيا من حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي وأيضاً بالموافقة على انضمام السويد – الذي علقه أردوغان – إلى حلف شمال الأطلسي قبل انعقاد قمة الحلف المقررة في تموز/يوليو.
إلا أن الروابط الاقتصادية القوية بين تركيا وروسيا يمكن أن تشكل عائقاً أمام التوصل إلى توافق تام مع الغرب، الأمر الذي أشار إليه كليجدار أوغلو في المقابلة مع “وول ستريت جورنال” عندما تحدث عن مدى صعوبة تحقيق هذا التوازن. وقال إنه سيحاول الحفاظ على الاستثمارات التركية في روسيا، بينما يدعم سياسة العقوبات الشاملة على روسيا. ولذلك يبدو من الواضح أن واقع الأعمال سيحدّ من قدرته على المناورة.
ومن المؤكد أن احتمالات التقارب بين الولايات المتحدة وتركيا تزعج بوتين الذي سيرغب في عرقلة وصول كليجدار أوغلو إلى الرئاسة، ولكن من المتوقع أن يتجنب بوتين المواجهة المباشرة مع تركيا. فمن المنظور التاريخي، سيتحالف الأتراك مع الغرب إذا هددتهم روسيا.
وفي المقابل، من المرجح أن يلجأ بوتين إلى سلاحه التجاري لاستهداف الاقتصاد التركي. فقد يحظر بوتين الزيارات السياحية إلى تركيا (ربما مستهداً بـ “مخاوف أمنية”) ومن الممكن أن يسعى إلى الحد من الواردات الزراعية، كما يمكن أن يطالب أيضاً بالتسديد الفوري لفواتير الطاقة المتأخرة والمستحقة على أنقرة ويفرض تطبيق زيادة أسعار على صادرات الغاز الطبيعي إلى تركيا. وستكلف هذه الخطوات الوضع الاقتصادي الهش في تركيا عشرات مليارات الدولارات، وربما تُسبب أزمة في سوق صرف العملات.
يجب أن يكون هذا كله على رأس أولويات كليجدار أوغلو. فهو يعلم أنه ليست هناك أي حكومة ائتلافية أنهت ولايتها الكاملة منذ ظهور أول إدارة قادها ائتلاف في البلاد في ستينيات القرن الماضي. ومن شأن الانهيار الاقتصادي، المترافق مع المشاحنات الائتلافية، أن يضعف إدارته ويبطل فعاليتها في نظر الناخبين. ولذلك قد تؤدي هذه التطورات إلى العودة السياسية لأردوغان كما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ولكن بإمكان الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة المساعدة في جعل انتقال تركيا إلى الديمقراطية نهائياً.
منذ إبرام اتفاقية الاتحاد الجمركي في عام 1995، التي لا تغطي سوى السلع الصناعية، تشكل الروابط الاقتصادية ركيزة العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. وتجدر الإشارة إلى أن كليجدار أوغلو يريد تعميق الاتحاد ليشمل أيضاً الخدمات، ولذلك يتعين على الاتحاد الاوروبي أن يشير مع انطلاق رئاسة كليجدار أوغلو إلى رغبته في القيام بذلك.
بإمكان واشنطن أيضاً أن تؤدي دوراً رئيسياً في هذه المسألة، وذلك من خلال إعادة العمل بالروابط الدفاعية التي تشكل أساس العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن إحدى المسائل الشائكة في العلاقة تتمحور حول قرار أردوغان شراء نظام الدفاع الصاروخي “إس-400” من روسيا، ونتيجة لذلك طردت الولايات المتحدة تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة “إف-35” في عام 2019، ثم فرضت عقوبات على قطاعها الدفاعي في العام التالي.
ـ حال كهذا يستوجب سؤال:
ماذا على واشنطن أن تفعل امام هكذا احتمال؟
قراءة المعهد تبدأ بـ “يجب”، أما “يجب” هذه فتطال إدارة بايدن حيث “يجب” عليها أن تعمل بجد لإيجاد مخرج من هذا المأزق. فإذا التزم كليجدار أوغلو بعدم تفعيل صواريخ “إس -400″، ووافق في النهاية على وضعها تحت حراسة مشتركة مع حلف شمال الأطلسي، يتعين حينذاك على واشنطن الموافقة على طلب أنقرة شراء طائرات مقاتلة من طراز “إف-16″ و”إف-35”.
ولن يمحو هذا النوع من المبادرات جميع الخلافات بين تركيا وشركائها. على سبيل المثال، من المؤكد أن دعم الولايات المتحدة لـ “وحدة حماية الشعب” الكردية في سوريا سيبقى حجر عثرة في العلاقة.
لكن من شأن الخطوتين إذا اتُخذتا معاً، أن تبعثا رسالة قوية إلى الأسواق. ويولي المستثمرون العالميون اهتماماً وثيقاً بالتوجهات الجيوسياسية لتركيا، بسبب قلقهم بشأن ما يعنيه الانجراف إلى مدار روسيا على العائدات على المدى الطويل. ولكن إذا تبيّن أن تركيا عادت بقوة إلى الجناح عبر الأطلسي، فقد يؤدي ذلك إلى تدفقات نقدية كبيرة – أي تدفقات داخلية يمكن أن تساعد في تعويض أي خسائر فادحة قد يلحقها بوتين.
وعلى الرغم من أن رئاسة كليجدار أوغلو تكتنفها الشكوك، إذا اختار مواطنو تركيا الديمقراطية بدلاً من الاستبداد، فيجب على الولايات المتحدة وأوروبا دعم هذا الخيار. فتحويل تركيا لكي تكون أكثر ديمقراطية أمر سهل التحقيق ويصب في فائدة الجميع.

Exit mobile version