“المسألة الكردية”، تلك المسألة التي تنهض وتغور، وفي كلتيهما لعبة أمم تحدد وقائعها حركة المصالح لا جدوى “الحق”، واليوم تستعيد هذه المسألة حضورها، وربما سيتركز هذا الحضور في كونها واحدة من المسائل الاكثر إلحاحًا عبر “المسألة السورية برمتها”، من جهة، وعبر الاشتراطات على “الناتو” من جهة أخرى، وهي لابد وتستيقظ بقوّة عبر اللعبة التركية حصرًا، فالرئيس التركي طيب اردوغان، بات قادرًا اليوم على استثمارها عبر استثمار بلاده في “الناتو” ، وهذه فنلندا كما سويسرا، وقد باتتا من عناصر لعبته.
ـ لا ناتو لهذين البلدين دون محاصرة الكرد اللاجئين في بلديهما.
هذا شرط أردوغان لانضمام لبلدين إلى الناتو، ما يعني تحويل كل من البلدين إلى ذراع مكسور، فالاعتراض التركي على دخولهما الناتو، لا يفرج عنه إلاّ بتسليم قيادات كردية إلى حكومة “السلطان”، وهي اللعبة الأشد قتامة في كل تاريخ تركيا.
واليوم، ماذا على البلدين أن يفعلا بمواجهة الشرط التركي؟
أمامهما واحد من خيارين:
ـ إما الاستجابة لمطلب أردوغان وبهذا يفرطان بتاريخ “حقوق الإنسان”، وهو امر يتصل بمنظومة قيم البلدين، فإذا ماحدث واستجابا فهذا يعني فيما يعنيه التفريط بهذه القيم التي تمثل الاسمنت الناظم لكل من تاريخ الدولتين.
وإما أن يبقيا خارج “الناتو”، وهذا ما سيعرض البلدين لأمن قلق مابعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي قد تمتد إلى بلديهما مابعد التطلعات “القيصرية” للرئيس الروسي الذي طالما حمل تطلعات القيصر في الامتداد نحو اوروبا.
كلا الخيارين مريرين، ومرارتهما ربما تتأتى من اللعنة التاريخية الموصولة بلعنة الجغرفية، وقد كانت تركيا واحدة من دول الناتو، وقاعدة للسلاح الأمريكي، كما المفوّض الدولي للوساطة ما بين روسيا وأوكرانيا، وفوق هذا وذاك حاملة لمفاتيح خطوط البحر الأسود.
تلك هي المعادلة التي سمحت للرئيس التركي بأن يلعب دورًا امميًا هو الاكثر حساسية والأشد تأثيرًا في لعبة الأمم اليوم، وليس بوسع أيّ من دول العالم ليّ ذراعه، فخزّان الشروط مازال في قبضته، والمسألة الكردية هي هاجسه، وهي المسألة التي لن يساوم عليها، وله من الحلفاء الكثير، اقله في إيران ونظام الملالي، وسوريا ونظام الأسد، وكليهما لابد وتقض المسألة الكردية مضجعه، حتى بات الخصوم حلفاء بمواجهة هذه المسألة، وكل ما سيتبقّى هو سؤال:
ـ هل تحمي الولايات المتحدة حلفاؤها الاوروبيون في مواجهة تركيا، وتقايض فنلندا وسويسرا بتركيا، ما يعني استبعاد تركيا ممن الحلف لحساب استحضار البلدين؟
الإجابة : حتمًا لا.
والسؤال الثاني:
ـ هل تتخلى الولايات االمتحدة عن حليفها الكردي قي شمال شرقي سوريا؟
الإجابة: لِم لا، وتاريخ الولايات المتحدة طالما امتد في التخلي عن حلفائها.
والنتيجة؟
قد تاتي الأيام بالكثير من المجازر إذا ما اطلقت اليد التركية، سواء بمواجهة كرد سوريا، او بإذعان كل من فنلندا وسويسرا لطلبات سلطان أنقرة.