إذا ما أهدى الأمريكيون العراق لإيران

لتسيطر الميليشيات العراقية على العراق، أول ما يلزمها أن تغادر القوات الأمريكية البلاد، هذا ما تسعى له إيران اليوم، واللافت في هذا السياق ماكان قد قاله أمين عام “عصائب أهل الحق” قيس الخزعلي، وهي قديمة نسبيًا، تحدث فيهاعن محاولات “فيلق القدس”  لإقناع بعض الميليشيات العراقية بالتوقف عن استفزاز الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب لتجنب أي رد فعل من قبل الولايات المتحدة. . في ذلك الوقت، كانت سياسة إيران تقضي بتخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة وانتظار الإدارة الجديدة لبدء التفاوض بشأن “خطة العمل الشاملة المشتركةوالعقوبات”.

يومها بدا الخزعلي مصراً على أن قرار مهاجمة القوات والمصالح الأمريكية في العراق هو بيد الميليشيات العراقية “بغض النظر عن الحسابات الأخرى” – أي بغض النظر عن سياسة إيران. ومن هذا المنطلق، استمر بتنفيذ خططه وواصل بتنظيم إطلاق الصواريخ على السفارة الأمريكية في بغداد، مادفع إلى قيام قاآني بالسفر إلى العراق  لتهدئة “عصائب أهل الحق “ونجح في منع الميليشيات العراقية من تنفيذ هجمات خطيرة ضد السفارة الأمريكية في بغداد لإظهار أن “فيلق القدس” لا يزال يسيطر على وكلائه في العراق.

تطورات لاحقة، ربما ارتبطت بمقتل سليماني وأبو مهدي المهندس، الذي كان القائد الفعلي لـ “قوات الحشد الشعبي”، هذه التطورات أدت إلى قيام فراغ يسعى قادة الميليشيات جاهدين لملئه.

ملء الفراغ هذا، لم يتحقق، فقد فشل خليفة المهندس، المدعو أبو فدك المحمداوي، في ملء الفراغ، وبذلك أفسح المجال أمام أشخاص كالخزعلي لمحاولة اتخاذهم دور قيادي بين الميليشيات المدعومة من إيران، وهي ميليشيات متنافسة فيما بينها، أمثال “عصائب أهل الحق” و “كتائب حزب الله” و “حركة النجباء”، غير أن تنافسها لايحول دون أن تنسق فيما بينها بشأن مهاجمة المصالح الأمريكية على سبيل المثال.

أحد السبل الكفيلة باكتساب سلطة أكبر هو اتخاذ مواقف أكثر تطرفاً وإظهار الاستعداد للانخراط في العمليات الحركية. وليس من المستغرب إذاً أن يعرب الخزعلي عن رضاه عن إمكانية غزو تركيا لشمال العراق. ففي آذار/مارس، كانت الابتسامة تعلو وجهه حين صرّح لتلفزيون “الاتجاه” التابع لـ “كتائب حزب الله”  أن الغزو التركي “سيكون مفيداً لترسيخ مكانة “الحشد الشعبي” بين الناس والجماهير … نحن مع التحديات”.

إيران، وهي المستثمر الأول لهذه الميليشيات،  تستخدمها اليوم الميليشيات لتنفيذ خططها قصيرة المدى واستراتيجياتها طويلة المدى.

على المدى القصير،  أدرجت إيران  وكلاءها العراقيين في خطط رفع العقوبات الأمريكية.

على المدى البعيد فإن المتوقع هو أن تلجأ إيران إلى التصعيد ضد الولايات المتحدة في العراق لممارسة نفوذها في تعاملها مع واشنطن بشأن “خطة العمل الشاملة المشتركة”.

في خطاب كان القاه علي خامنئي، أكد المرشد الأعلى ا أن بلاده ليست في عجلة من أمرها للعودة إلى التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، ووفق قراءات متعددة من بينها قراءة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن هذا هو موقف تيار نافذ داخل النظام الإيراني، من بينه “فيلق القدس” الذي  يعتقد أصحابه أن طهران تغلبت على الجزء الأصعب من مواجهتها مع واشنطن. وتتزايد صادرات النفط الخام الإيراني، ووقّعت البلاد اتفاقاً طويل الأجل مع الصين بقيمة 400 مليار دولار، وفقاً لبعض التقارير، من أجل تعزيز اقتصادها وتجنب العقوبات الأمريكية، ويبدو أن النظام يتمكن تدريجياً من الوصول إلى أصوله المجمدة في الخارج.

لأصحاب هذا التيار يقواون أيضًا، أنه بدلاً من التسرع إلى طاولة المفاوضات والاضطرار إلى تقديم التنازلات تحت الضغط، بإمكان إيران استخدام وكلائها في العراق وأماكن أخرى في المنطقة للتصعيد ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها من أجل كسب النفوذ في المحادثات. ويمكن منذ الآن ملاحظة أولى بوادر هذا الاتجاه. ففي كانون الثاني/يناير، أعطى “فيلق القدس” الضوء الأخضر لتشكيل جماعة واجهة عراقية (تنظيم صوري) تسمى “ألوية الوعد الحق”  مهمتها شن هجمات على السعودية من الأراضي العراقية. وأرسل التنظيم طائرات بدون طيار للتحليق فوق العاصمة السعودية الرياض، حيث قصفت تلك الطائرات، وفقاً لبعض التقارير، الديوان الملكي في قصر اليمامة. وحتى ازدياد الهجمات الحوثية ضد السعودية يمكن اعتباره جزءاً من هذه الاستراتيجية الإيرانية، إلى جانب الأسباب المتعلقة بتطورات الحرب الأهلية في اليمن.

وفق معهد واشنطن، يبدو أن الميليشيات العراقية، مثل “عصائب أهل الحق”، مستعدة لمثل هذا التصعيد، ويرحب قادتها بمواجهة “التحديات” التي يعتبرونها مفيدة لهم. ففي النهاية، يعود الفضل في نفوذهم ومكانتهم إلى سنوات الاحتلال الأمريكي الطويلة، وفي الواقع أن بعض الميليشيات العراقية هي أكثر استعداداً لتنفيذ أوامر إيران عندما تطْلب هذه الميليشيات [إطلاق حلقة من] التصعيد، بدلاً من خفضه. واليوم يبدو الخزعلي أكثر ثقة بنفسه بعد رحيل ترامب، ويلقي خطبه أمام أنصاره بدلاً من مخاطبتهم من أماكن سرية، فهاهو يهدّد القوات الأمريكية قائلاً: “نؤكد على أن عمليات [المقاومة] الحالية ستستمر وتتزايد كماً ونوعاً إذا لم تسحب الولايات المتحدة قواتها من جميع المناطق العراقية … بما فيها شمال العراق (كردستان).

وترى الجمهورية الإسلامية في هذه الخطة قصيرة المدى خطوةً واحدة نحو تحقيق انسحاب كامل للقوات الأمريكية من جارتها الغربية. وفي نظر إيران، كانت القوات الأمريكية قد غادرت العراق ذات مرّة في عام 2011، ولا يوجد سبب يحول دون تكرار هذا الأمر مجدداً. وتتفق الميليشيات العراقية تماماً مع هذا الرأي. فهي تعتقد أنها لن تتمكن من تحقيق هدفها النهائي، أي الاستحواذ على الدولة العراقية على غرار ما فعله “حزب الله” في لبنان، ما لم تغادر القوات الأمريكية العراق.

 بالنتيجة، الميليشيات الشيعية في العراق، تتنافس فيما بينها، والمنتصر لن يحظ بالانتصار إن لم تنسحب القوات الأمريكية من العراق، فإذا ما انسحبت سيكون بيع العراق.

بيع العراق لإيران، بيعها بالكامل، بنهريها، ونفطها، ونخيلها، وبجيشها وبناسها حسب ما تسير اليه الرياح.

ـ الانسحاب الأمريكي إذا ماوقع لن يكون له سوى معنى واحد:

ـ العراق هدية لإيران.

Exit mobile version