إذا ما استوعب الخليج نظام الشام.. هل يقصقص هذا أنياب إيران؟

هل من طريقة تُمكِّن الدول الخليجية الكبرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، فضلًا عن دول عربية أخرى، من استعادة قدرٍ من تأثيرها في لبنان؟ ربما يبدو السؤال غريبًا في وقتٍ يبدو وكأن السعوديين تخلّوا عن لبنان، مُعتبرين أن إيران وذراعها المحلي حزب الله يُحكمان قبضتهما عليه.

“إذا كان السعوديون والإماراتيون يسعون إلى الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، فالتخلّي عن لبنان ليس الاستراتيجية المناسبة”.

هذا كلام لمؤسسة كارنيغي الضالعة في قراءة الصيغة اللبنانية.

كاتب المقال، وهو مايكل يونغ، يتقد بمجموعة معطيات، من بينها:

ـ مواجهة أجندة حزب الله، الذي تتعرض آلياته للتآكل شيئًا فشيئًا، فقد نفّذ الحزب أجندته الداخلية عن طريق الدولة اللبنانية ومن خلال طبقة سياسية تعتبر أن أي مواجهة مع الحزب هي بمثابة دعوة إلى النزاع الأهلي، ما يُشكّل تهديدًا لوجودها. ولكن الدولة تتشظّى في الوقت الحالي، ويبدو أن الانقسامات على مستوى القيادة السياسية للبلاد عصيّة على الرأب، وقد بدأ حزب الله استعداداته لحماية أنصاره من الكارثة الاقتصادية الوشيكة، ما يشكّل خير دليل على تشكيكه في إمكانية إعادة بناء واجهة الدولة لمصلحته.

ومن بين ما يستند اليه يونغ:

إذا انهار لبنان أكثر، وهو ما سيحدث حكمًا، سوف تظهر مساحاتٌ فقدَ حزب الله السيطرة عليها. فحيثما تدخّلت إيران في العالم العربي، أي في سورية واليمن والعراق ولبنان، انتشرت الفوضى والتفكك.

يعني انهيار لبنان كل اانهيار ليقع لبنان كل لبنان في الفوضى التي تعني قبضة حزب الله.

يلفت يونغ كل من السعودية والامارات، إلى أنهما تدركان أن إيران وحلفاءها أفضل جهوزيةً من أعدائها للصمود في خضم الفوضى.

مايعني أن تخليهما عن لبنان لا يعني سوى تسليمه في صندوق الى ايران.

هذا عن لبنان، اما عن الجارة السورية، التي تنتفخ يوم ينتفخ لبنان والعكس، كما لو بالون، ن ضغط في جهة ينتفخ بالأخرى، فلن يكون الحدّ من العلاقات السورية مع طهران سهلًا، فالنفوذ الإيراني في البلاد واسع جدًا ويمتدّ إلى عمق المؤسسات الأمنية والاستخبارية التابعة للنظام.والشغل اليوم على التقرب من النظام السوري والشغل على فوزه المدبَّر فيما يتصل بالانتخابات الرئاسية، المسرحية الأكثر هزلية في تاريخ البلاد، فن هذه الكوميديا ستمنح النظام السوري زخمًا جديدًا، وشرعية زائفة سيحاول البناء عليها. يقودنا ذلك إلى سؤالٍ آخر:

ـ ماذا سيطلب الأسد من الدول العربية مقابل تلبيته جزءًا على الأقل من شروطها بشأن إيران؟

قد يأتي الجواب على هذا السؤال مقلقًا للبنانيين. فالأسد قد يطلب تجدّد نفوذ بلاده في لبنان. وستكون هيكليات هذا النفوذ مختلفة عما كانت عليه قبل العام 2005 حين كان الجيش السوري منتشرًا في البلاد. من الصعب تخيُّل عودة القوات المسلحة السورية، حتى لو كان المواطنون السوريون الموجودون راهنًا في لبنان، وعددهم يفوق المليون نسمة، خطوةً في هذا الاتجاه ربما. إذا حصل الأسد على ضمانة بأن يسمّي عددًا من النوّاب، وإذا أرغمت الدول العربية المختلفة حلفاءها في لبنان على ضم سياسيين موالين لسورية إلى لوائحهم الانتخابية، فهذه قد تكون الخطوة الثانية في الاتجاه نفسه. وفي الوقت عينه، إذا كان لسورية، بدعمٍ من الدول العربية، رأيٌ أيضًا في هوية الأشخاص الذين سيتولون مناصب رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب، فقد يزيد ذلك من شهيّة الأسد.

يونغ يطرح سؤالاً جديًا ومقلقًا:

ـ ما المكاسب التي يمكن أن تحققها الدول العربية من التقارب مع النظام في دمشق؟

ويجيب بمجموع من استخدامات الـ (قد):

فـ قد ترى في تعزيز سورية سيطرتها على لبنان وسيلةً للحد من الوجود الإيراني في هذين البلدين على السواء. ربما تفترض الدول العربية أنه إذا ساهم ذلك في تحرير المساعدات المالية العربية لبيروت، فقد يقطع الطريق على أي معارضة لبنانية لهذه الخطة. ثانيًا، قد تعتبر الدول العربية أن استعادة سورية نفوذها في لبنان وسيلة لإرساء الاستقرار في بلدٍ يعاني بصورة مزمنة من الخلل الوظيفي، أسوةً بالدور الذي أدّته دمشق بعد انتهاء الحرب الأهلية في لبنان في العام 1990. ثالثًا، ومن خلال تعزيز حسن النوايا السورية على الساحة العربية عن طريق تفعيل دور دمشق، من شأن الوضع الجديد أن يسهّل التوصل إلى تسوية نهائية مع إسرائيل، ما يحول دون عودة إيران، ويُخفّف من الضغوط في دول المشرق العربي ويفتح الباب أمام اتفاقيات عربية-إسرائيلية أوسع نطاقًا.

ولكن الثابت، والذي لايخضع للـ (قد)، فإنه لن يُشكّل التخلّي المستهجَن عن لبنان عائقًا بأي طريقة من الطرق. فقد تحوّلت البلاد إلى مصدر صداعٍ للعالم العربي بحيث إن وضعها تحت سيطرة دولة إقليمية لا يطرح أي مشكلة، شرط أن تكون هذه الدولة عربية. وهذا يُفسّر لماذا يتمسّك حزب الله بشدّة بموقفه الرافض لممارسة ضغوط على جبران باسيل في عملية تشكيل الحكومة. فالحزب يعلم أن المرشحَين الأبرز لانتخابات رئاسة الجمهورية العام المقبل هما باسيل المنضوي في صفّ الحزب وسليمان فرنجية الحليف المقرّب للأسد. ربما يشعر حزب الله بأن إضعاف باسيل سوف يساهم في تعزيز موقع فرنجية والنفوذ السوري في لبنان، بما يُضرّ في نهاية المطاف مصالح الحزب. فالحزب وسورية حليفان على الساحة الإقليمية، ولكنهما يخوضان منافسة بينهما في لبنان، وليست لدى الحزب نيّةٌ في التخلي عن المكاسب التي حققها بعد الانسحاب السوري في العام 2005.

إذا كانت الدول العربية الكبرى تفكّر فعلًا بهذه الطريقة، فعليها إذًا أن تتحلى بالواقعية. من شبه المؤكّد أن نظام الأسد لن يألو جهدًا لانتزاع أي مكسب يمكنه تحقيقه في لبنان، من دون أن يُقدّم تنازلات كثيرة في علاقاته مع إيران. فالسوريون يفضّلون أن يتخذوا لأنفسهم موقعًا يتوسّط الدول العربية وروسيا وإيران لتأليب مختلف الأطراف بعضها على بعض بما يصب في مصلحتهم الخاصة. في الأشهر المقبلة، سوف ينضج الوضع أكثر في لبنان فيما يدخل عهد عون مرحلته الأخيرة، وتنجلي الصورة بشأن مسار المفاوضات حول الاتفاق النووي. وفي ضوء الانتخابات المرتقبة في كلٍّ من سورية وإيران ولبنان خلال السنتَين المقبلتين، تستعدّ المنطقة لمرحلةٍ قد تكون تحوّلية.

هذه القراءة، التي تراهن على إبعاد النظام السوري عن ايران، لابد أنها قراءة بالغة التفاؤل، فنظام الأسد مرتبط بإيران كما المشيمة بالوليد، فنظام الأسد مكبّل بإيران، وتخليه عن الإسناد الإيراني يعني قبوله بالإعدام.

قراءات عديدة، على اختلافها، تبقى قراءة معهد من مثل معهد كارنيغي تتطلب التأمل.

ـ التأمل.. لا الصغاء.

Exit mobile version