“لقد أقنعنا رئيس الولايات المتحدة [بالخروج من الصفقة] وكان علي أن أقف ضد العالم بأسره وأعارض هذه الاتفاقية”، جاء هذا الكلام على لسان رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وكان قد نسب إلى جهوده إيقاف دونالد ترامب مفاوضات الصناعات النووية في إيران، كان ذلك في 2015، واليوم يعاود رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت معارضته لإعادة إشراك إيران وجعلها تمتثل مجددًا لشروط خطة العمل الشاملة المشتركة.
قال بينيت في 29 تشرين الثاني/نوفمبر: “إيران لا تستحق مكافآت، ولا صفقات ولا تخفيف للعقوبات مقابل وحشيتها. إنني أدعو حلفاءنا في جميع أنحاء العالم إلى عدم الرضوخ لابتزاز إيران النووي”.
ولكن السؤال يبقى: ماذا تريد إسرائيل فعلًا؟ وفي السياق:
ـ هل عطّلت قرارات دونالد ترامب مضي إيران في تطوير برنامحها النووي؟
خلال السنوات الثلاث الفائتة التي انقضت منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق كان من الواضح أن استراتيجية ترامب، وفقًا لشروطها الخاصة، باءت بالفشل: لم تجبر العقوبات المتجددة والمتصاعدة على إيران – المشار إليها بـ “الضغط الأقصى” – طهران على الاستسلام والتفاوض على صفقة أفضل، ولم يؤدِ الضرر الاقتصادي اللاحق بإيران إلى الإطاحة بها من قبل جمهور متململ. فضلًا عن ذلك، في خطوة قد فاجأت إسرائيل على الأرجح، لم ينفذ ترامب قط التهديدات المتمثلة بضرب إيران مباشرةً بالرغم من انتهاكاتها النووية المتزايدة وهجماتها المتعددة ضد حلفاء واشنطن الإقليميين.
بخلاف الرأي الرسمي، اعترف بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين، بأن هذه السياسة كانت فاشلة. قال رئيس قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المنتهية ولايته لصحيفة يديعوت أحرونوت في تشرين الأول/أكتوبر 2020: “إيران بعيدة كل البعد عن الاستسلام؛ فهي لم ترضخ. لم يتم إثبات أن الانسحاب من الاتفاق النووي قد خدم إسرائيل”.
في آذار/مارس الماضي، قال نائب رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الموساد المنتهية ولايته للصحيفة ذاتها بعبارات لا لبس فيها أن الوضع في العام 2021 كان أسوأ مما كان عليه في العام 2015 وأن “المطالب الاثني عشر” المتشعبة التي طالب بها وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو من إيران – بما في ذلك وقف برنامجها النووي وتطوير الصواريخ ودعم الوكلاء الإقليميين – كانوا بمثابة حلم لم يتحقق، “مثل السعي لتحويل الإيرانيين إلى ميرتس”، في إشارة إلى حزب سياسي إسرائيلي يساري.
إيران “لم توقف انتشارها في المنطقة للحظة. فالإيرانيون يطورون الصواريخ… والصفقة التي أبرمناها [في العام 2018، الضغط من أجل انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة] لم تكن جيدة؛ فقد عدنا الى نفس المكان”، كما أضاف.
كان الأمر الأكثر إثارة للقلق هو التقدم النووي المستمر للإيرانيين: تزايد مخزونات المواد الانشطارية المخصبة إلى مستويات قريبة من درجة إنتاج الأسلحة، واستخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطورًا لليورانيوم، إلى جانب البحث والتطوير اللذين يمكن تكريسهما لصنع قنبلة، وكل ذلك يخضع لعمليات تفتيش دولية محدودة بشكل متزايد. إزاء هذه الأدلة الدامغة وطرد نتنياهو بشكلٍ أساسي من مكتب رئيس الوزراء في حزيران/يونيو، تحولت الآن قطرات المعارضة في السنوات السابقة داخل إسرائيل إلى سيل.
واليوم، استلمت إدارة بايدن زمام السلطة بهدف إعادة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، داعيةً إلى اعتماد نهج “الامتثال للامتثال” مع إيران الذي من شأنه إعادة احتواء برنامج طهران النووي مقابل إزالة نظام العقوبات الثقيل . غير أنه من المؤكد أن إيران شددت مطالبها، كما اتضح الأسبوع الماضي خلال محادثات فيينا– مطالبةً ليس فقط برفع جميع العقوبات التي كانت قائمة في عهد ترامب، ولكن أيضًا بالتعويض عن السنوات القليلة الماضية والحصول على ضمانات على عدم تخلي أي إدارة أمريكية مستقبلية عن الاتفاق. ومن المفترض ألا تتراجع عن تقدمها النووي إلا بعد تلبية هذه المطالب.
كل المؤشرات تفيد بأن إيران تمضي في تطوير برنامجها النووي، إلى الحد الذي ستفاجئ العالم بقنبلتها، وإذا ماحدث ذلك فسينبت للعالم “كوريا شمالية” جديدة، مع فائض قوة تدميرية ليس الإيرانيون من يؤجلون استخدامها بما يجعل العالم تحت وطأة سلطة اسمها “سلطة الملالي.
مزيج من “العته” اللاهوتي، مع “العته” التكنولوجي، اللذان إذا ما تزاوجا فـ :
ـ على العالم السلام.
لا السلام بمعناه المتعارف عليه، بل:
ـ السلام بما يعني التدمير الذي لا احتجاج بعده.