المبادرة الخليجية، أو لنقل العربية بغطاء دولي، والتي حملها وزير الخارجية الكويتي إلى لبنان، وإن كانت صحيحة، فهي تصطدم بـ “المعجزة”.
لنقل أنها مبادرة تحمل الكثير من البنود التي تعني وضع لبنان على طريق الخلاص، غير أن خلاص لبنان لن يكون وسلاح “حزب الله” يسيطر على البلد بقواها السياسية، وخياراتها الوطنية، وصولاً إلى نحو أي اتجاه سيتجه اقتصادها، والمبادرة تتضمن بالكلام الصريح “نزع سلاح حزب الله”، وهو مانعنية بـ “الاصطدام بالمعجزة”.
ـ لمَ هو اصطدام بالمعجزة؟
ببساطة، ودون إعمال المزيد من التفكير، لأنه سلاح الميليشيا القوي بترساناته، والمدعوم من قوة اقليمية كبرى، بمواجهة جيش بات أعزلاً من اللقمة والسلاح، فيما القوى والتيارات والأحزاب اللبنانية انتزع سلاح من كان لديه سلاح أعقاب الطائف، وإعادة تسليح هذه القوى يعني ودون احتمال ثان أو ثالث:
ـ الخروج من مأزق ضعف الدولة بمواجهة الميليشيا، لحساب الحرب الأهلية التي لاتعني سوى هلاك البلد، كل البلد، وقد يكون حزب الله وحده الناجي من الهلاك، أقله تبعًا لعقيدته التي تربط خلاصه بهلاكه، فإذا لم يحدث الهلاك فلا فرصة ترتجى لظهور “المهدي المخلص” الذي لا يعود من غيبته إلاَ بالكارثة التي تعم والخراب الذي يحل والمقابر التي تطفح بالجثث.
بالنتيجة، لن يختار اللبنانيون طريق الحرب الأهلية للخلاص من حزب الله، فيما الخلاص منه بالدبلوماسية غير ممكن، فوجوده بسلاحه، وشرعيته بهذا السلاح، وكان الطائف قد وضع سلاحه كواحد من ثالوث لبنان “شعب ، جيش، مقاومة”، وبالتداعي انهار الشعب، واهتز الجيش ولم يبق سوى المقاومة، وهي بالطقع ليست مقاومة بمواجهة إسرائيل بقدر ماهي، مقاومة بوجه خيارات السوريين، كما العراقيين وصولاً لليمن، اما في لبنان فهي تهديد السلاح للحياة.
هذا الذي نقوله، بحكم البديهي، ومن الصعب بمكان إثبات ماهو مثبت، غير أن من البديهي كذلك، الاشتغال على تقوية الحركات والتيارات الوطنية اللبنانية، الوليدة منها والتقليدية.. أحزاب وقوى وتيارات بتاريخها، وتيارات وشخصيات من مواليد ثورة تشرين التي لايجب التقليل من شأنها فثورة تشرين اللبنانية، هي ثورة الجوعى والمحرومين، وفاقدي سبل الحياة، وفي صفوفها حركة شبابية لاتقل أهمية ولا خبرة عن ثورات شهدها العالم بدءًا من ثورة شباب باريس 1967 إلى يومنا هذا، دون نسيان ماتسلل اليها من استثمار وسخ، فوساخة من تسلل لاتلغي شرف من حمل رايتها.
يتطلب النظر إلى مثل هذا الأمر إلى الخارطة اللبنانية بقواها السياسية وبسدنة النظام اللبناني، ففيه من أسباب الخراب ما يحمل “حزب الله” ليكون “الأعور بين العميان”، فكلما اشتد فسادهم ارتفعت أسهمه، والثورة التي قالت بـ “كلن يعني كلن” تعي هذا وتدركه، فالحرب على حزب الله، لن تنجز قيمة إذا لم تكن حرًبًا على الفساد، برموزه وشخوصه وحملته والمحمولين عليه، وهنا سيبرز السؤال:
ـ من يحمي فاسدي لبنان؟
يحميهم من يحمي مدخراتهم في بنوكه وأسواقه، ويحميهم من يكرسهم باعتبارهم الخلاص فيما هم جزء من المشكلة.
وهكذا ستكون المعادلة:
ـ احمي فاسدًا تحمي سلاح حزب الله.
مالم تعمل عليه المجموعة العربية، كما العالم أجمع، هو تفهم المعادلة التالية:
ـ الاطاحة بحزب الله لاتكون دون الاطاحة بحوامله، وحوالمه شقين:
في الشق الاول “المنظومة االفاسدة”، وكما سبق وقلنا فهي منظومة محمية من المجموعة الخليجية كما من المراكز العالمية الكبرى “واشنطن / باريس”، وفي الشق الثاني الحامل “الشيعي” لحزب الله، وهو الجمهور الشيعي العريض، وهو جمهور سبق وكان له قيادات تستحق أن تحمل اسمها ليس حسين مروة ومهدي عامل وحدهما من رموزه، وجاء الوقت، كل الوقت للاشتغال على توطيد شخصيات شيعية مدنية، تلتقط حقيقة ما آل اليه شيعة لبنان من جحيم على يد حزب الله، وقد بات شيعة لبنان إما تحت سلاح حزب الله، وإما جزء ممن الشعب اللبناني المحروم، وهذا ما يجب بل ويتحتم إداركه، والمستقرئ للشارع الشيعي يدرك حجم الجحيم الذي أدخلهم به هذا الحزب، أقله بقوافل القتلى الذين يأتون يومًا من العراق وثانية من سوريا، وفي كل حال فالصيغة اللبنانية الراهنة، وخراب لبنان إذا ما كان الخراب، فلن يكونوا سوى بعض ضحايا من “حراس الفقيه”.
الرهان الاول أولاً على ثورة تشرين، وهي الثورة التي أجهضت مبكرًا بعد أن تحالف المتشابهون في وجهها، ونخرت من داخلها بالاننتهازيين، غير أنها دليل على الطريق، فلبنان الجوع، ولبنان لصوص المصارف، ولبنان سطوة السلاح لن يكون الصيغة التي يتقبلها اللبنانيون، ما يعني أن ما انطفأ من ساحات تشرين، قد يعود إلى الحياة اليوم.
ـ الطريق واحد، ولا سواه:
ناس لبنان من يصنع خلاص لبنان، ووحدهم “الشيعة” اليوم بيضة القبان.
تنهار قاعدة حزب الله الاجتماعية، ينهار بسلاحه، ومعه تنهار المنظومة التي تشبهه، فتحالفه في مواجهة الشعب، وتخاصمه في توزيع الحصص حين يتفرغ اللصوص للسطو على لقمة خبز الناس.