كيف يكون لديك حوار مع نظام مبني على أيديولوجية متطرفة؟، هذا كلام لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وكان يعني “طهران”، بأنها “اديولوجيا متطرفة”، ودون شك كان مصيبًا في توصيفه، ولكن.
ـ ما الذي تغير لينتقل ولي العهد السعودي من استحالة الحوار مع طهران، إلى الانتقال قبل أيام للحديث وعبر تصريحات تلفزيونية الى القول بأن بلاده تسعى لإقامة علاقات جيدة مع إيران. وإضافة “نحن نعمل مع شركائنا في المنطقة للتغلب على خلافاتنا مع إيران”.
ـ سيكون السؤال المشروع:
ـ ما الذي حدث ليتغير الاتجاه على هذا النحو الصادم؟
ربما، ووفق قراءة لـ” فورين بوليسي”، فإن أهم هذه الأسباب هو تزايد الدلائل على أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيدًا عن الشرق الأوسط.
فورين بوليسي تعزز رأيها هذا بالقول ” أن الصراع في المنطقة أجبر قوى المنطقة على استكشاف دبلوماسيتها الخاصة، على عكس التوقعات القاتمة لمؤسسة السياسة الخارجية لواشنطن، لم تنفجر الفوضى بسبب الانسحابات العسكرية الوشيكة للولايات المتحدة من المنطقة، بدلا من ذلك، اندلعت الدبلوماسية الإقليمية”.
ربما سيكون هذا بيت القصيد، ومن ثم لابد من أبيات قصيد أخرى فقد كانت تعليقات محمد بن سلمان على الأرجح تحمل إشارة إلى محادثات سرية بين إيران وجيرانها العرب في العراق، والتي ذكرت لأول مرة في الفاينانشال تايمز، والتي كانت تهدف إلى تخفيف التوترات ووضع حد للحرب في اليمن.
في البداية، نفى مسؤولون سعوديون الخبر، فيما رفضت طهران التعليق، إلا بالقول إنها ترحب بالحوار مع الرياض.
لكن هذا الإنكار لم يدم طويلا. تبين فيما بعد أن قصة الفاينانشيال تايمز ليست سوى غيض من فيض. وكشفت تقارير صحفية أن الحوار ضم مسؤولين سعوديين وأردنيين ومصريين.
وفق فايننشال تايمز، ركزت المحادثات السرية بشكل أساسي على الحرب في اليمن، كما شملت أيضًا الوضع في سوريا ولبنان. وشملت المحادثات كبار المسؤولين الأمنيين في دول مختلفة، بما في ذلك لقاء بين قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاآني، ورئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان.
من الواضح أن هذه المحادثات لا تزال في بدايتها، وهناك احتمال بأنها قد تفشل في سد الفجوة بين إيران وخصومها العرب. ومع ذلك ، تشير العديد من العوامل إلى قدرة هذه المحادثات على تغيير ليس فقط مسار العلاقات السعودية الإيرانية ولكن أيضًا الوضع الأمني الأوسع في المنطقة.
ذاك سبب أول تبعث فورين بوليسي بقرائها اليه، أما السبب الثاني لهذا التغير المفاجئ، فهو أن هذا الحوار الإقليمي بدأ من قبل القوى الإقليمية نفسها. كما تقوده الدول الإقليمية نفسها، أي أنها لم تُفرض عليهم من قبل قوى كبرى من خارج المنطقة، ولا تقودها دول خارجية.
لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة لم تساهم في هذه العملية، وفقا للمجلة.
أما العامل الثالث فهو بدء الولايات المتحدة في الانفصال عسكريا عن الشرق الأوسط وبدء سحب قواتها.
خلال الحملة الرئاسية لعام 2020، تعهد بايدن بسحب “الغالبية العظمى” من القوات الأميركية من أفغانستان، وقطع المساعدات عن السعودية لحربها في اليمن، وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وهي قرارات تتناسب تمامًا مع أجندة تقليص دور الولايات المتحدة في المنطقة.
في الواقع، بمجرد وصوله إلى المكتب البيضاوي، تحرك بايدن سريعًا لإنهاء الدعم الأميركي للجانب السعودي في الحرب في اليمن، وأبقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، بعيدًا، وأعلن الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من أفغانستان، وبدأ مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
كانت الرسالة الموجهة إلى القوى الإقليمية واضحة: الشرق الأوسط لا يمثل أولوية لإدارة بايدن. وكما قال مستشار بايدن غير الرسمي لموقع بوليتيكو: “إنهم يعملون بشكل هادف للغاية لعدم الانجرار إلى الشرق الأوسط”.
في هكذا حال ليس من المستغرب أن هذه الرسالة دفعت القوى الإقليمية إلى البدء في استكشاف الدبلوماسية مع منافسيها، وإذا كان تجنب الحرب ضرورة فالحرب ليست فضيلة، وما من عاقل يدعو الى الحرب حتى ولو ضمن الانتصار بها، فما من حرب إلاّ ولاّدة خيبات، ولكن السؤال المتبقي:
ـ لو أذعنت مجموع دول المنطقة إلى الدبلوماسية، وهدّات من وقع ووقائع التصادم أو احتمالاتها، هل سيكون هذا ايذانًا بفتح بوابة السلام مع ايران لتدخل منها؟
كل ما سبق من تجارب يقول:
ـ اذا ممدت كفك الى ايران فلابد أن تلتهم ذراعك.
ذراعك كلها.
الحرب لعنة، وتصديق الدبلوماسية الايرانية لعنة مضاعفة.