مرصد مينا
هو السؤال الذي لا وقت لفلسطينيي غزة أن يسألونه، فالغزازوة في اللحظة، وقد تجاوزت لحظتهم شهراً كاملاً ، لا يشتغلون على السؤال، فجمع أشلاء أطفالهم لا يفسح مجالاً للسؤال، وكذلك للإجابة، غير أنه، ونعني السؤال، سيأتي ما بعد توقف الحرب والقعود في خلاء الأمكنة، سيكون السؤال:
ـ مادام التركي وقد فتح حدائقه لقيادة حماس، والإيراني وقد حضّ الجميع على الخنادق، ما داما لم يناصرا “حماس” ويرفعان عنها وابل القذائف والجدران المنهارة، والحال كذلك، على ماذا اعتمدت “حماس” في المبادرة إلى الحرب؟
هما، التركي والإيراني، وقد لعبا دور “أم الصبي”، ما الذي قدماه لغزة سوى “حقان فيدان” و “حسين عبد اللهيان”، وقد ثرثرا بـ “قمة دولية” تلافياً لخوض الحرب إلى جانب حماس، وهي الحرب التي تعني وفق فيدان إلى : “لا نريد أن تتحول المأساة في غزة الى حرب تؤثر على بلدان المنطقة”.
لا التركي جاهز ليدفع أثمان الحرب، ولا الإيراني، وإذا كانا يعلمان أن الحرب مكلفة، وخيارها على هذا النحو من التكاليف، فعلى ماذا اعتمدا وطيلة سنوات من المهرجانات الخطابية على الحضّ على الحرب باعتبارها الطريق الوحيدة لاستعادة فلسطين الموعودة، مقابل الآلة الإسرائيلية النهمة التي اختبرت عبر ٧٥ عاماً فكانت فتّاكة، قاتلة، مدعومة بالطوربيدات الامريكانية وبيت المال الامريكاني، بل وأكثر بالعقيدة الصهيونية التي تتكئ على العصا وقد شقّت البحر.
هي الخدعة وقد ما رستها تركيا باحتواء “جماعة الاخوان، بشقهم “السنّي”، وهي الخدعة الإيرانية لاحتواء “جماعة الاخوان” بتحوّلاتهم “الشيعية”، والثمن لابد ويكون الفلسطيني والفلسطينيون، ليكون الفلسطيني هو النسخة المتجددة عن الذبيحة التي تقدّم على مذبح عاصمتين ليس سواهما “طهران / أنقرة”، وقد تخلّت كل منهما عن الغزازوة لتتحول تلك الأرض إلى مقبرة لساكنيها، فإذا لم تُنجِز المقبرة شغلها، فسيتكفل الرحيل بما تبقّى لتوهب غزة إلى الإسرائيليين، هدية لروح بن غوريون وكان قد قالها ذات يوم:
ـ أتمنى لو أستيقظ ذات يوم لأجد عزة وقد ابتلعها البحر.
ها هي امنية بن غوريون تتحقق وإن ليس بواسطة البحر، فقد غرقت غزة تحت ركام المباني المهدّمة، وباتت الهدية الأعظم قيمة والتي تحملها قوّات الإغاثة هي “الاكفان”.
لنتصور المشهد:
ـ حلم الغزاوي الآن، هو العثور على كفن.
يا إله كل المحاربين والموتى، إلى أيّ حد تمددت الفاجعة في تلك القطعة المنكوبة من الأرض وقد استعان الموت عليها بـ “أنقرة / طهران”، وحتماً في زمن عربي هو لا يتسق وإيقاعات الزمن، بل لا يتسق وإيقاعات أيّ قرن من تاريخ الإنسان وقد تخلّى عن أجداده القردة وانتصب ليستبدل قوائمه الأربعة بقائمتين لم يستخدمهما سوى للهزائم.
سيتساءل الناجون من غزة:
ـ إلى أين أخذتنا “حماس” ما بعد الاستعراض الحربي الذي “لا مثيل له” لحظة انطلاقته، ولا مثيل للفجيعة التي تسبب بها ما بعد ذاك العرض الشغوف ببطولة اللحظة وهزيمة كل لحظة ستعقبها.
سيتساءل الغزازوة، ليس اليوم، سيتساءلون لحظة يشبع الموت من الموتى، ويعود الناجون إلى إحصاء:
ـ من تبقّى منا أيها الله.
من تبقّى؟