مرصد مينا – هيئة التحرير
تتصاعد حدة التوتر بين النظام الإيراني والمجتمع الدولي بشكل متسارع حيال أزمة الملف النووي الإيراني، على الرغم من تراجع لغة التصعيد الإيرانية والعودة إلى المفاوضات الجارية في العاصمة النمساوية، فيينا.
التراجع في حدة التصعيد من الجانب الإيراني يعبر عنه الرئيس الإيراني، “إبراهيم رئيسي”، في تصريحاته الأخيرة أمس السبت، مبيناً أن بلاده تتعامل بجدية كبيرة مع الجهود الرامية للوصول لاتفاق نووي جديد وذلك خلال المفاوضات الجارية مع القوى العظمى في العاصمة النمساوية، فيينا.
كما يرى “رئيسي” أن جدية المفاوضات في فيينا وإمكانية خروجها بنتائج ملموسة ترتبط بموقف الجانب الآخر في المفاوضات، في إشارة إلى المجتمع الدولي، مجدداً التأكيد على أن النظام الإيراني متمسك بمطلبه في رفع العقوبات لمناقشة الحلول المقترحة حيال الملف النووي.
يشار إلى أن تصريحات “رئيسي” تأتي عقب سلسلة تهديدات أطلقها مسؤولون عسكرين إيرانيون رداً على ما تردد عن إمكانية توجيه إسرائيل ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، حيث اعتبر وزير الداخلية الإيراني، “أحمد وحيدي”، أنه لا يمكن للإسرائيليين اتخاذ أي خطوة ضد طهران لأن أول خطوة ستكون آخر خطوة لها، على حد قوله، مضيفاً: “إيران وأصدقاءها ينتظرون اللحظة التي تخطئ فيها إسرائيل “ليفتحوا عليها أبواب جهنم”.
مرحلة خطيرة تتطلب خطوات ملموسة أو مواجهات مباشرة
خطورة المرحلة الحالية وكما يشرحها المحلل السياسي، “ميلاد هدايتي” لا ترتبط بمدى جدية النظام في التفاوض أم لا وإنما ترتبط بالمرحلة المتقدمة جداً التي وصل إليه في طريقه لإنتاج قنبلة نووية تهدد المنطقة والعالم بشكل كامل، لافتاً إلى أن إسرائيل تعتبر نفسها في واجهة الأحداث بسبب قربها من إيران وهو ما يجعلها أكثر تشدداً في مسألة التعامل مع الملف النووي الإيراني بحزم.
يشار إلى أن تقارير استخباراتية عبرية كانت قد حذرت في وقت سابق من الأسبوع الماضي من اقتراب إيران من العتبة النووية، مشددةً على ضرورة الاستعداد للخيار العسكري ضد طهران في أي وقت.
في ذات السياق، يعتبر “هدايتي” أن تصريحات “رئيسي” ذات البعد الدبلوماسي وانخراط إيران في المفاوضات لن يخفف من القلق الإسرائيلي والإقليمي كما أنه لا يعني أن تمنح الدول العظمى وقتاً مفتوحاً لإيران في المفاوضات، مؤكداً على أن القوى الإقليمية والدولية تعلم أن الأيام القليلة المقبلة يجب أن تكون حاسمة في قرارها بالطريقة التي ستتعامل فيها مع إيران، على اعتبار أن العالم كله يدرك حقيقة أن المطلوب الآن هو خطوات ملموسة وصارمة وليس وعود ونقاشات وتبادل أحاديث.
ويضيف “هدايتي”: “إسرائيل تحديداً ودول المنطقة لن تسمح بوجود إيران نووية وبالتالي فإنه من المتوقع وضع جدول زمني للمفاوضات وبعده من الممكن أن تتحرك كل تلك القوى بشكل متزامن ومنفرد عن التوجه الدولي لمواجهة خطر إيران، وهذه الخطوة ستلاقي تفهماً دولياً بسبب عجز المفاوضات عن الوصول إلى حل بعد عقود من الجلسات والاجتماعات”، معتبراً أن الشهر القادم قد يكون حاسماً ويحدد شكل التعامل مع إيران وسياساتها.
يذكر أن وزير الأمن الإسرائيلي “بيني غانتس” قد أكد السبت، في مؤتمر صحافي مصغر بولاية فلوريدا الأمريكية، أنه أصدر تعليمات للجيش الإسرائيلي بالاستعداد والتحضير عسكريا للتحدي الإيراني، مضيفاً: “سنركز على عدم السماح لإيران بالمضي قدمًا في برنامجها النووي وإلى جانب علاقاتنا القوية مع الدول، تحتاج إسرائيل إلى أن تكون قوية بقدراتها. قلنا للاميركيين اننا اصدرنا تعليمات للجيش بالاستعداد لخيار عسكري ولن نحدد المواعيد”.
أما عن شكل التحرك العسكري ضد إيراني، فيرجح “هدايتي” أن يقتصر على الضربات الجوية فقط والمركز على بنك أهداف نووية، دون التعرض للمنشآت الحيوية للدولة الإيرانية، على اعتبار أن الهدف هو تجميد الأنشطة النووية وليس إسقاط النظام، لافتاً إلى أن مسألة إسقاط النظام في إيران أكثر تعقيداً من مجرد عملية عسكرية ضد نظام ديكتاتوري.
كما يشير “هدايتي” إلى المخاوف لدى دول المنطقة والدول الكبرى من إمكانية أن يلجأ النظام الإيراني لنقل كميات من ترسانته الصاروخية لمنظمات إرهابية في حال إحساسه بقرب سقوطه، وهذا ما يدفع الدول الكبرى للحذر في التعامل معه، موضحاً: “النظام الإيراني يدرك حقيقة المخاوف الدولية وهو ما يدفعه للتصرف بمزيد من الرعونة ولكن ما لا يعمله النظام الإيراني أن عملية إسقاطه في حال تم اتخاذ القرار الدولي في ذلك، لن تتم بعملية عسكرية وإنما بعمليات استخباراتية”.
مؤشرات غير مبشرة وصدام قد يبدو محتوم
المؤشرات القادمة من العاصمة النمساوية حتى الآن لا تدعو للتفاؤل بإمكانية تحقيقها اي تقدم في مجال المفاوضات، بحسب تصريحات اعتبرت وزيرة الخارجية الألمانية، “أنالينا بيربوك”، لافتةً إلى أنه لا توجد بارقة أمل في تقدم مفاوضات فيينا حول إحياء الاتفاق النووي مع إيران بسبب العرض الذي قدمه وفد طهران، في إشارة إلى المطالبات برفع العقوبات.
وتضيف “بيربوك”: “ظهر في الأيام الماضية أننا لا نحرز أي تقدم بسبب العرض الذي قدمته الحكومة الإيرانية، عادت المفاوضات 6 أشهر إلى الوراء، الوقت ينفد ونعمل بشكل مكثف على حل دبلوماسي للحفاظ على الصفقة النووية”.
من خلال تصريحات الوزيرة الألمانية، يعتقد المحلل السياسي، “أحمد عيتاني” أن الصدام بين إيران وإسرائيل يبدو أنه محتوم على اعتبار أن إيران لن تتراجع بسهولة عما حققته في مجال الأبحاث النووية، خاصة أنها تحملت عبء العقوبات الاقتصادية لسنوات طويلة من أجل الوصول للنقطة التي هي عندها الآن، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن إسرائيل والدول ذات العلاقة لن تقبل هي الأخرى ببقاء إيران في تلك النقطة المتقدمة في الأبحاث النووية.
إلى جانب ذلك، يقول “عيتاني”: “إيران ستحاول اللعب على وتر الوقت وإغراق المفاوضين الدوليين في التفاصيل، وستعتمد في ذلك على الموقف الروسي المتساهل معها، ولكن ما يغيب عن إيران أن روسيا قد تتخلى عنها مقابل ورقة القرم والمنطقة الحدودية في أوكرانيا، بالإضافة إلى الورقة السورية، وهذا ما يدعم إمكانية أن تتجه إسرائيل إلى ضرب إيران”، لافتاً إلى ان ردة الفعل الإيرانية على اي هجوم إسرائيلي لن تكون بذات الحجم الذي يتحدث عنه المسؤولون الإيرانيون، كون النظام الإيراني لا يريد توسيع نطاق العمليات العسكرية في حال قامت وسيسعى إلى بقائها في أضيق المجالات.
كما يؤكد “عيتاني” على أن العمليات العسكرية الإسرائيلية قد بدأت فعلاً منذ عام، بعد عملية استهداف العالم الإيراني، “فخري زادة” نهاية العام 2020 والضربات المتتالية التي تعرضت لها منشآت نووية إيرانية بينها مجمع نطنز، لافتاً إلى أن ما سيحدث خلال الأيام القادمة في حال فشل المفاوضات هو زيادة معدل الضربات وعلانيتها وقوتها التدميرية، على اعتبار أن الضربات الماضية كانت محدودة وتنسب لطيران مجهول الهوية.