الحكومة الإسرائيلية، أمسكت العصا من الوسط في الحرب الروسية الاوكرانية، وربما يمكن إجمال الموقف الإسرائيلي، بأنه يستند إلى قاعدة ابتعاد الضفادع عن صراع الثيران، وقد يكون موقفها صائبًا اقله وقد جمعت مصالحها مع روسيا، وهي مصالح بالغة التشابك، مع موقفها العاطفي لصالح اوكرانيا وقد يستند ذلك إلى “يهودية” الرئيس الاوكراني والرجل ينحدر من عائلة كان لجده فيها نصيبًا من المحارق النازية التي طالت اليهود.
موقف في الوسط، ولكن ثمة فاعلية للوسط، قد تحيله إلى موقع الوسيط، وهكذا كان اللقاء الواسع ما بين ريس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، والرئيس الروسي بوتين، ومن بعد سخونة الاتصالات الهاتفية مابين رئيس الحكومة الإسرائيلية ومجموعة من قادة العالم، ليلعب دور الوسيط، وثمة من يقول بأن مهمة بينيت اليوم تختصر بـ :
ـ إنزال بوتين عن الشجرة.
اقله هذا ما قالته ها آرتس الإسرائيلية وكانت قد أفردت مساحة لهذا العنوان.
في تقريرها قالت ها آرتس “لم يكد يمر أسبوعان على غزو روسيا لأوكرانيا، حتى أصبحت دول الغرب الداعمة لكييف جاهزة لحرب طويلة قد تستمر لأشهر وربما لسنوات. بالنسبة لها، هذا سهل نسبياً؛ فقد قررت من البداية عدم المشاركة إلى جانب أوكرانيا، وما زالت. ما برز أكثر في الـ 11 يوم قتال حتى الآن هو أن أوكرانيا تنجح في صمودها، بالأساس عسكرياً، وأن روسيا التي استعدت لعملية خاطفة ما زالت بعيدة عن تحقيق أهدافها، وهي إسقاط الحكومة في كييف واحتلال مناطق واسعة ومدن رئيسية في أوكرانيا”.
المراوحة الروسية المستمرة في المكان، التي أدت إليها المقاومة الأوكرانية لمواطنين وجنود على حد سواء، ومعنويات الجنود المنخفضة ومشكلات صعبة في التموين على الصعيد اللوجستي، تخلق وضعاً استراتيجياً مريحاً لإدارة بايدن والاتحاد الأوروبي. حرب استنزاف طويلة في أوكرانيا ستعمل على تآكل الجيش الروسي وستعمق الأزمة الاقتصادية في روسيا، التي جاءت بسبب العقوبات الغربية الثقيلة وفصل موسكو عن المنظومة المالية العالمية. قد يكون هذا إشارة تحذير للصين، بشأن ما ينتظرها إذا جسدت طموحاتها الذاتية في السيطرة على تايوان المجاورة.
ولضمان تمركز الجنود الروس في الوحل الأوكراني، ينوي الغرب توفير السلاح لأوكرانيا بصورة أكبر، أي بصواريخ شخصية ضد الدبابات والطائرات، بحيث يتم تشغيلها من قبل طواقم صغيرة ومتحركة وتفعل فعلها في القوافل الروسية الممتدة، وفي الطائرات والطائرات المروحية التي تطير على ارتفاعات منخفضة. أي جندي من الناتو لا يحتاج إلى اجتياز الحدود داخل أوكرانيا؛ فحدودها طويلة، ومثلما وفرت نقاطاً مريحة للغزو الروسي، فستمكن الأمريكيين وحلفاءهم من وضع شاحنات جاهزة من الصواريخ والذخيرة.
وإن تعزيزاً آخر لسلاح الجو الأوكراني الصغير، الذي ينفذ طلعات للحفاظ على سماء الدولة، خاصة فوق كييف، يمكن أن يأتي في الأيام القريبة القادمة من سلاح الجو البولندي، وهي إحدى دول الناتو التي ما زالت تستخدم طائرات من نوع “ميغ 29” من إنتاج سوفيتي. وهي طائرات تشبه التي يستخدمها الأوكرانيون. وخلافاً للطائرات الأمريكية مثل “إف16″، لن تكون هناك حاجة إلى تدريب الطيارين والتقنيين لتشغيلها.
قبل استيعاب المدافعات البولندية لدى الأوكرانيين، يجب توفير بديل للبولنديين. هم سيكونون سعداء بالحصول على طائرات “إف16” وحل مشكلة معقدة أكثر، وهي كيفية نقل الطائرات من القواعد الحالية إلى الأراضي الأوكرانية دون أن يعتبر الروس ذلك إعلان حرب من جانب بولندا.
لقد قيل الكثير عن التفوق العددي للروس على الأوكرانيين؛ وعند الحديث عن السلاح والدبابات والطائرات والطائرات المروحية وبطاريات الصواريخ، فهذا صحيح بلا شك. والتفوق في القوة البشرية أقل من ذلك بكثير؛ صحيح أن سكان روسيا (145 مليون نسمة) أكبر بثلاثة أضعاف ونصف من عدد سكان أوكرانيا (41 مليون نسمة)، لكن هناك حدود لعدد الجنود الذين يمكن للروس إضافتهم إلى قوة الغزو، التي تصل على الأكثر إلى 200 ألف. الجيش الروسي مؤسس على الكثير من الوحدات والمليشيات المكونة من جنود شباب في التجنيد الإلزامي في وضع مهني متدن، ويصعب نقلهم إلى نشاط في أوكرانيا.
في المقابل، عشرات آلاف الشباب والفتيات الأوكرانيين انضموا للجيش كمتطوعين متحمسين للقتال، وبدأ ينضم إليهم آلاف المتطوعين الأجانب في إطار ما يذكر أكثر بالحرب الأهلية في إسبانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما تدفق آلاف الشباب لمحاربة الفاشيين للجنرال فرانكو. هؤلاء المتطوعون لا يمكن إعطاؤهم أكثر من بنادق الكلاشينكوف، لكنهم يعززون المقاومة الأوكرانية ويساعدون في خلق توازن عددي، وربما حتى تفوق أوكراني في عدد المقاتلين.
وثمة ضعف بنيوي آخر لروسيا في الحرب، وهو أنه في الوقت الذي دمر فيه اقتصاد أوكرانيا، لم يبق أمامها سوى القتال من أجل استقلالها ووجودها، أما روسيا، ولملايين المواطنين الروس، فما زال هناك الكثير لتخسره.
من غير الواضح في هذه الأثناء كم يظهر مثل هذا المعطى في اعتبارات فلاديمير بوتين. حسب تصريحاته الأخيرة، يبدو أنه ينوي مواصلة الحرب حتى استسلام أوكرانيا؛ لكن من الطريقة التي اختار فيها استقبال نفتالي بينيت ومواصلة الحديث الهاتفي معه ومع جهة أخرى مهمة تحاول التوسط لوقف إطلاق النار، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يبدو أن الرئيس الروسي يبحث عن مخرج دبلوماسي لإنهاء الحرب. ما زال هذا بعيداً، وسيأخذ فترة إلى أن يوافق على التراجع عن كل طموحاته. ولكن للمرة الأولى منذ بدأ بتهديد أوكرانيا، يبدو أن الوقت لم يعد يلعب في صالح بوتين.