إيران.. الجنرال وقت

تحديات تتلو التحديات، والملالي يراهنون على لعبة عضّ الأصابع، وكما هو معروف، فثمة ماهو لصيق بسيكولوجيا الفرس، واللصيق إياه هو “المماطلة / الصبر”، وتلك خاصتين أنتجهما البازار، وحرصت عليهما العقيدة، وفي الموضوع النووي، ليس ثمة من يشك في أن الملالي يشتغلون للوصول إلى السلاح النووي حتى ولو أنكروا ذلك مقسمين ويدهم على القرآن.

أخيرًا وبعد طول مماطلة ربح فيها الإيرانيون المزيد من الوقت، بدأت جولة جديدة من المحادثات بين إيران ومجموعة من القوى العالمية الكبرى في العاصمة النمساوية فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني.
بدأت الجولة بعد خمسة أشهر من التوقف، خمسة أشهر لا أحد يعلم إلى أين وصلت درجة تخصيب اليورانيوم فيها، لتبدأ جولة من المباحثات لكل فيها أهدافه، في قاعة ممتلئة بدول لها أهداف متضاربة، وهي الدول المعنية بالملف، ما يجعل النجاح في هذه المباحثات أمرا بعيد المنال.
منذ مايو 2018 يوم تخلت إدارة ترامب عن الاتفاق النووي، أصبح من الشائع القول إن الاتفاق – المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة- دخل غرفة الإنعاش.
ما هو الاتفاق النووي الإيراني وهل يعاد العمل به؟

ذلك سؤال يستلزم بعض الإجابة، فهو السؤال الذي يمكن أن يساعد في تحديد ما إذا كان سيعلن عن موت الاتفاق نهائياً، أم أنه سيلوح بصيص من الأمل في إمكانية إنقاذ شيء ما، من شأنه إحباط أزمة جديدة في الشرق الأوسط.

الاجتماع في إيران من حيث المبدأ يشمل إلى جانب روسيا والصين ثلاثة دول أوربية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وقد أُبرمت الصفقة الأصلية بسبب وجود مخاوف حقيقية في الغرب من أن نية إيران غير المعلنة، هي أن تتوصل في نهاية المطاف إلى القدرة على تطوير أسلحة نووية، بمعنى أن تصبح ما يسمى بالدولة “العتبة”، التي لديها كل المعرفة التقنية والأدوات اللازمة للتحرك بسرعة نحو هذا الهدف في الوقت الذي تختاره.وقد رأت إسرائيل والولايات المتحدة في ذلك أمرا غير مقبول، في حين اعتبر كثيرون أن اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، رغم أنه ليس مثاليا بأي حال من الأحوال، ربما يمثل الخيار الأفضل، لشراء الوقت من أجل تطوير علاقة أكثر إيجابية مع طهران.

لقد قيد الاتفاق العديد من جوانب برنامج إيران البحثي وعرّضه لمزيد من التدقيق الدولي من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. في المقابل، تم رفع العديد من العقوبات الاقتصادية المتعلقة بالبرنامج النووي المفروضة على إيران.

كان ذلك ما قبل تعليق الاتفاق، ولكن ما بعد تعليقه فالاتفاق أوشك على الموت، واليوم ينظر العالم الى فينا ويتساءل:
ـ هل يمكن إحياء الاتفاق؟
نظرا لقصر الوقت المتبقي في المهل النهائية التي كانت مفروضة على إيران، والتقدم الذي حققته طهران في برنامجها النووي منذ صياغته، فإن اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة بات حتما أقل فائدة مما كان عليه، كما يقول مارك فيتزباتريك، خبير الحد من انتشار الأسلحة النووية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهنا سيبرز السؤال الأهم، وهو ما إذا كانت الصفقة ستظل مفيدة بالنظر إلى الخيارات المتاحة في حال إلغائها؟
الجواب هو نعم بالتأكيد، خاصة بالنظر إلى إجراءات التحقق المعززة التي فرضت على إيران بموجبها.

لكن السؤال الأهم هو :
ـ ما الذي يريده مختلف الممثلين المشاركين في هذه الدراما من المحادثات القادمة؟

بالنسبة لطهران، يتعلق الأمر برمته برفع العقوبات. لكي نكون منصفين، كانت إيران تحترم شروط اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة إلى حد كبير، وكانت واشنطن هي التي انسحبت من جانب واحد.لذا يريد الإيرانيون رفع جميع العقوبات والتركيز على التزامات الولايات المتحدة، لكن الرسائل تبدو محيرة، إذ تشير بعض البيانات إلى أنهم ليسوا كارهين للعودة للاتفاق، على الرغم من أنهم بالتأكيد لن يوسعوا نطاق المحادثات لتغطية الصواريخ أو أنشطتهم الإقليمية. ويريدون تأكيدا متينا أنهم إذا عادوا إليه فإنه سيكون ملزما للإدارات الأمريكية المستقبلية.

هذا هو المعلن من قبل الإيرانيين، والمعلن إياه، قد يتعطّل، فالعقوبات على إيران لابد وتستمر، وقد تستمر بوسائل أخرى، والإيرانيون يحسبون لذلك، فيعودون إلى إفشال أي اتفاق ممكن، وبعدها سيأخذون وقتًا مضافًا كما حدث بالأمس القريب، فتعطيل الاتفاق لثلاث سنوات مضت كانت كفيلة باستثمار الوقت خارج رقابة الهيئات الدولية، وإذا ماحدث تعطيل جديد، فلابد سيكون وقتًا جديدًا مضافًا لإيران التي تقاتل بالوقت.

لدى إيران الكثير من الجنرالات، جنرالات الميليشيات، وجنرالات الجيوش، وجنرالات الحوزات، غير أن الجنرال الأهم الذي يلعب لصالحهم هو:
ـ الجنرال وقت.
لاندري ما الذي تحمله مفاوضات فيينا اليوم، هل ستمنح ايران وقتًا إضافيًا لجنرالهم إياه حتى يصحو العالم وقد أعلنت حكومتهم إطلاق قنبلتها النووية؟

Exit mobile version