مرصد مينا
إيران تلك الغابة، ربما من الصعب معرفتها عبر صور الأقمار الفضائية، فمن سيبحث عنها سيكون عليه النزول إلى تحت الأرض، فما تحت أرض ايران سيختلف بالكثير عمّا في الأزقة أو القصور.. سيكون عليه فتح عينيه على “الأقليات الإيرانية”، تلك المستاءة من اضطهادين معاً، “التفريس” و “التشيع” وكليهما يفرضان قسراً على مجموعات بشرية لابد تشعر أن كفاحاتها الخاصة في سبيل العدل وحقوق الإنسان تُعتبَر بلا قيمة ويتم إقصاؤها من الكفاح الجماعي الأوسع في سبيل حرياتها وخبزها معاً.
تتداخل هذه الكفاحات المختلفة مايؤدي إلى تخلي الكثيرين أو ربما معظم أفراد الأقليات الإثنية في إيران عن الهوية الإيرانية.
كرد، وعرب، وتركمان، يشعرون أن الهوية الإيرانية، سواء تلك الخاصة بالنظام الثيوقراطي الحالي أو بسلفه أو بأحزاب المعارضة بقيادة الفرس، هي كيانٌ بعيدٌ وغريبٌ وعدائي لا يهتم برغباتهم أو رفاههم، وأن ما ينفعهم بشكلٍ أفضل هو الانفصالية أو الفدرالية، لذلك، يبدو أن الاحوازيين على سبيل المثال يرون أن ولاءاتهم تكمن أولًا في ثقافة وإقليم الأحواز الخاص بهم وليس لطغاةً طهران؛ وينطبق الأمر نفسه على الأكراد في المناطق الكردية وعلى البلوش في منطقة البلوش، وهكذا.
ورغم جهود النظام لترهيب هذه الأقليات وزجها بالصمت، تزداد المقاومة أكثر فأكثر.
من يتابع وقائع انتفاضات الإيرانيين لابد وسيعثر على تزامن تلك الاحتجاجات الهائلة المناهضة للنظام مع احتجاجات وثوراتٍ بنفس مستوى الأهمية في مناطق الأقليات الإثنية. هؤلاء المحتجّين يطمحون إلى الاعتراف بحقهم في ممارسة الحُكم الذاتي، سواء عبر الفدرالية أو الاستقلالية، التي ستتمتع بموجبها الأقليات بحق استخدام مواردها الطبيعية الخاصة لتطوير مناطقها المهمَلة والمفقَّرة عمدًا. كما يواصل الناشطون من الأقليات في المنفى التحدث علنًا عن تعدّيات النظام على حقوقهم، ما يسمح بنمو الوعي الدولي شيئًا فشيئًا بشأن الحقيقة في إيران.
من المناسبات المحتدمة احتفال الأقليات الإثنية غير الفارسية سنويًّا باليوم العالمي للغة الأم في 21 شباط/فبراير. ومع أن هذا الاحتفال هو احتفالٌ عالمي لنشر الوعي حول التنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات، يتسبب الحظر الذي تفرضه إيران على التعلم باللغات غير الفارسية بالتوتر في هذه المسألة بشكلٍ خاص. فقد أطلق عددٌ كبيرٌ من الناشطين من الأحوازيين والتركمان والأكراد المدنيين حملةً تدعو إلى الحصول على حق التعلم المدرسي بلغتهم الأم بالإضافة إلى اللغة الفارسية. وأغرق هؤلاء الناشطون ووسائل الإعلام بالصور والشرائط المصوّرة التي تبحث عن “الحق في اللغة”.. نعم “اللغة” وهكذا تتضافر كل أسباب الثورة في إيران.. الثورة على “الخمينية السياسية” أولاً، ومعها “الثورة من اجل حق الإنسان في لغته”، فلغة “الملالي” المستمدة من اعتقادهم أنهم “آلهة”، لم تعد صالحة للتعايش مع لغة الأرض.
أرض إيران الواسعة، التي تعني “أرض الله”، لا أرض الفرس أو أراضي “التشيّع” الذي يعني الاختفاء تحت عمامات “مُعممين”، احتكروا الله وأرضه معاً.
ثورات إيران تحت سطح إيران.. ثورات لن تلتقطها الأقمار الصناعية.
تحت أرض إيران ما يختلف عمّا فوقها، وصبايا إيران يعرفن تلك الحقيقة أكثر مما يعرفها :
ـ مُحلل سياسي على هذه الشاشة أو تلك.