مرصد مينا – تونس
احتجاجا على قرار الجامعة التونسية لكرة القدم القاضي بتعليق نشاط فريق هلال الشابة الرياضي في الدوري الأول، انطلقت تنسيقية دعم الفريق سالف الذكر، في إعداد ما وصفتها بتحضيرات لوجستية استعدادًا لتنظيم هجرة جماعية إلى إيطاليا.
ونصب النشطاء، مجموعة من الخيم بميناء الشابة بالساحل التونسي، مع تعليق عدد من اللافتات مكتوب عليها “رياضيو الشابة بصوت واحد: حرمونا من حلمنا في تونس وسنطارده وراء البحار”، و”نهاجر بكل لوعة أرض الوطن حاملين معنا راية تونس”.
4 الاف شخص يرغبون في المغادرة
وأعلنت التنسيقية، على حسابها على فيسبوك، أنها ستقوم بتجهيز المراكب وستعرض الأرقام المتعلقة بعدد المراكب والمهاجرين. وهذا الإعلان على الفايسبوك وحده كان كافيا ليتجمع التونسيين من كل صوب وحدب في مدينة الشابة طمعا في الهجرة من ميناء تلك المدينة الغاضب أهلها.
عشرات الشبان توافدوا من كل الجهات التونسية على الميناء ليتحول في أيام معدودة الى قاعدة لتنظيم هجرة منظمة.
وقام المنظمون بنصب الخيام وعلقوا لافتات وانتصبت لجان إحصاء الوافدين من أهالي الشابة والمنخرطين في عملية “مغادرة البلاد الجماعية” مثلما اطلق عليها منظموها.
وقد فاق عدد الجماعات التي سجلت في قائمة الراغبين في مغادرة البلاد أربعة لافا شخص بينهم نساء وأطفال ، فيما توافد أصحاب مراكب الصيد الذين تجاوز عددهم العشرين على لجان “التسفير”، مبدين تضامنهم وانخراطهم فيما اعتبروها حركة احتجاجيّة.
ولأول مرة في تاريخ تونس، تكون هناك هجرة غير نظامية بتنسيق، أباطرة التهريب والاتجار بالبشر وتدفع فيها الأموال الطائلة خارج سلطة القانون ولكن في وضح النهار ومع ترقب ومتابعة إعلامية.
وتعيش مدينة الشابة الواقعة بالساحل التونسي على هذا النسق منذ اكثر من أسبوعين.
وقد أعلنت تنسيقية دعم جمعية الهلال الرياضي الشابي عن تأجيل موعد هذه “الهجرة الجماعية” عبر ميناء الصيد البحري للمرة الثانية بعد أن ألغتها سابقًا بسبب سوء الأحوال الجوية، حسب قولهم، وذلك بعد أن كانت مقررّة يوم امس السبت 31 أكتوبر ظهرًا.
تجهيز أكثر من 200 قارب
ويذكر ان قرار الهجرة الجماعية هذا جاء بعد تحركات سابقة تمثلت بالأساس في إغلاق منافذ مدينة الشابة لمدة أسبوع من قبل المواطنين المحتجين على ما أصاب فريقهم المفضل.
وعزلت المدينة عن محيطها الجغرافي بإشعال العجلات المطّاطية، ثمّ تم تنفيذ إضراب عام غير مسبوق في المدينة في التاسع عشر من الشهر الحالي وكان الشلل التام الذي أوقف جميع المرافق الحيوية عن العمل إلا من الخدمات الصحية والحالات الطارئة. وانتهى بهم المطاف الى اتخاذ قرار بمغادرة البلاد نحو إيطاليا.
وحول هذا الموضوع قال، عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير حسن إن “ما يحصل في الشابة إنما هو ردّة فعل جماعيّة للفت الرأي العام وتحويل الأعناق نحو قضيتهم الرياضيّة بالأساس، والغاية منها كذلك إحراج السلطة، فهي حركة رمزية وستبقى رمزية لأنها غير مؤمّنة ومحفوفة بالمخاطر.
وأضاف المتحدث، انها ليست الأولى في تونس فقد شهدت من قبل عدة مدن تونسيّة مثل مناطق من جندوبة تحركات في اتجاه الحدود الجزائرية وأخرى في الجنوب في اتجاه المعابر البرّية مع ليبيا والأبرز ما حدث في سليانة من مغادرة رمزية لأهالي المدينة بعد أحداث الرش المعروفة.
وحسب منير حسن فان البلاد تتجه نحو عجز مسؤوليها عن حلّ المشاكل مهما كانت بساطتها أو تعقيدها، حيث ان هناك نوع من الارتخاء على مستوى السلط وهذا مؤشر على أن الدولة تسير رويدًا نحو فقدان التحكّم في المجالات التي تسيطر عليها.
بدوره، أعلن رئيس المجلس البلدي وبعض أعضائه الاستقالة من مناصبهم مما حوّل الأزمة من الدائرة الجمعياتية الرياضية إلى الدائرة السياسية والاقتصادية.
وقال عضو تنسيقية دعم “الهلال الشابي” محمد علي عباس انه أمام هذا الصمت من قبل السلطات على هذه المظلمة، قرّر سكان المنطقة من مختلف الأعمار مغادرة البلاد نحو إيطاليا.
وأضاف عباس أن أكثر من 200 قارب ستخصص لهذا الأمر بعد القرار الجديّ من قبل الأهالي الذين يشعرون بأنهم مهمشون من قبل السلطة.
من جانبه، قال رئيس نادي الهلال الشابي، توفيق المكشر، إن النادي يعتبر وسيلة الترفيه الوحيدة بالنسبة للأطفال والشباب وهذا لم يمنع الاتحاد من اتخاذ قراره غير العادل.
احراج الحكومة والضغط عليها
وتحولت هذه الحركة إلى حديث مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، وانقسمت الآراء بين من يعتبرها حركة عفوية لمجموعة من الشباب الغاضبين، ومن يرى فيها تحديا للسلطات الأمنية باعتبار أن الهجرة السرية يعاقب عليها القانون. وتصل العقوبة الى السجن لمدّة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها 8000 دينار لكلّ من أرشد أو دبّر أو سهّل أو توسّط أو نظّم بأي وسيلة كانت ولو دون مقابل دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته خلسة سواء تمّ ذلك برًا أو بحرًا أو جوًا.
ويرى متابعون أن ما قام به شباب مدينة الشابة يشير إلى فقدانهم الأمل بجدوى الحلول الأخرى والتحركات، والمسألة محاولة للفت الانتباه لمعاناتهم ومشاكلهم، حيث شعروا أن الكأس فاضت بهم بعد حرمانهم من أبسط وسائل الترفيه في منطقة تعاني الإهمال الحكومي وجملة من المشكلات والأزمات لا أحد يلتفت لها.
واعتبر البعض أنها محاولة لإحراج الحكومة والضغط عليها في مسألة الهجرة نظرا لأن قضية الهجرة مثلت محور أزمة بين تونس وإيطاليا في الأشهر الأخيرة، مما جعل الرئيس التونسي قيس سعيد يلتقي في ثلاث مناسبات مع وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشيانا لامورجيزي. وشدد سعيد على أن “الحلول الأمنية وحدها ليست كفيلة بالقضاء على الهجرة غير النظامية.
وكانت إيطاليا قد هددت بإيقاف معونات مالية لتونس في حال تراخي الدولة في حفظ الحدود والحد من الهجرة البحرية إلى أراضيها، ولكن وزير الشؤون الخارجية عثمان الجرندي أكد أن تونس حريصة على الإيفاء بالتزاماتها وتطبيق الاتفاقيات في ملف المهاجرين السريين، وأنها لا تخضع لأي ضغوط بهذا الخصوص.
وكشف التقرير السنوي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الهجرة للعام الماضي أن ظاهرة الهجرة السرية توسعت في العقد الأخير لتشمل مختلف الفئات العمرية كما تحوّلت تدريجيا إلى مشروع عائلي.