مرصد مينا
كشف كتاب إسرائيلي أعدّه الصحافي المختصّ بالشؤون الاستخباراتية، يوسي ميلمان، تفاصيل جديدة عن اغتيال القائد العسكري لـ”حزب الله” اللبناني، عماد مغنيّة، في دمشق، في 12 شباط/فبراير عام 2008.
بحسب الكتاب الذي صدر بعنوان “جواسيس غير مثاليّين”، تمكن الموساد وعبر عميل في لبنان، من الحصول على صورة حديثة لمغنيّة”.
يقول “ميلمان” إنّ “ممثلّي الموساد في أوروبا وُجّهوا لفحص قوائم المسافرين الذين يصلون من لبنان، استنادًا إلى معلومات أن مغنيّة دَرَجَ، بين الفينة والأخرى، على السفر إلى غربي أوروبا، بهويّات مزيّفة”، مشيرا إلى أن وكالة الاستخبارات المركزيّة (سي أي إيه) تمكّنت أكثر من مرّة من تحديد موقع مغنيّة، “إلا أن جهودَ عرقلةِ طائرته باءت بالفشل”، كما أن مغنيّة “أكثرَ من السفر عبر سيّارة من بيروت إلى دمشق ومن هناك إلى طهران عبر الطائرة”.
ولاحظت الاستخبارات الإسرائيليّة، بحسب ميلمان، على علاقة مميّزة جمعت بينه وبين قائد فيلق القدس الإيراني، في وقت لاحق، قاسم سليماني، الذي كان حينها ضابطًا مغمورًا، ومستشار رئيس النظام السوري للشؤون الأمنية، محمّد سليمان، الذي اغتيل في العام 2008، أيضًا.
“في رحلاته إلى دمشق شدّد مغنيّة على أن لا يلفت الأنظار. ولذلك، لم يرفق في رحلاته، القصيرة نسبيًا، من بيروت إلى دمشق (مدتّها ساعتان تقريبا)، سيارات مرافقة تضم حراسا. فضّل أن يسافر بشخصه مع سائقه، الذي هو أيضًا حارسه الشخصي”، وفقًا لميلمان، الذي يضيف أن مغنيّة شعر بأمان في دمشق أكثر من بيروت، “(لأن) استخبارات الأسد في كل مكان. وسمح مغنية لنفسه أن يكون هادئًا أكثر، وأقلّ شكًا”.
دمشق بعد حرب تمّوز
كثف كثّف عماد مغنية من وتيرة هذه الزيارات بعد حرب العام 2006، وتحوّل إلى أقل استشعارًا (للمخاطر). “ازدياد الرحلات، الذي تطلّب ارتفاع محادثات التنسيق في الهاتف، مكّن وحدة 8200 ونظيرتها الأميركيّة من اعتراض جزء من هذه المحادثات وفكّ الشفيرة التي استخدمها المتحدّثون ومن هذه المكالمات استنتج الإسرائيليّون أن مغنية اعتاد مقابلة سليماني وسليمان في شقّة بكفر سوسة في ريف دمشق.
طار رئيس الموساد حينها، مئير دغان، إلى واشنطن للقاء نظيره الأميركي، مايكل هايدن، واتفقا على عمليّة مشتركة لاستهداف مغنية، وتشكّل بعدها طاقم مشترك للتخطيط للعمليّة.
ووفق ترجمة “عرب 48” لللكتاب فالطريق المفضّلة لعملية الاغتيال هي “زرع قنبلة قرب الشقة التي يلتقي فيها مغنية وسليماني وسليمان” وأضاف أنه “تحت الشقة، كانت هنالك ساحة مرتفعة، فوق الرصيف، استخدمت مصفّا للسيارات”.
الاغتيال
اشترط الأميركيّون أن تسفر العملية عن اغتيال مغنية فقط، دون أن يصاب الآخرون، وأن تُنفّذ العملية ليلا، لا نهارًا؛ “عندها استدعى أولمرت مسؤولين في الموساد ليسمع منهم كيف يمكن التغلّب على الشرطين الأميركيين”، فاقترح رئيس القسم التكنولوجي حينها في الموساد (اسمه مجهول حتى الآن) تركيب قنبلة يصل مدى انفجارها إلى أمتار محدودة فقط، لا تطال حتى المارّين في الشارع.
بعد تنفيذ “عشرات التجارب” على القنبلة واقتناع الأميركيين أنها لن تؤدّي إلى وقع عدد كبير من القتلى، جاء دور نقلها إلى دمشق. ويكشف الكتاب أن دور الـ”سي آي إيه” كان نقل القنبلة من الأردن إلى دمشق، وعلّل ذلك “بأن الولايات المتحدة لديها سفارة كبيرة في العاصمة السورية، يزورها رجال أعمال أميركيون ويعملون منها، حتى أن عناصر ‘سي آي إيه’ لم يستصعبوا إدخالها من الأردن إلى سورية”.
وكشف الكتاب، أيضًا، أن وحدة “تسومت” التابعة للموساد، استأجروا لعملائهم في دمشق شقّة في العمارة التي يستأجر فيها مغنية شقّته، وأنهم زرعوا كاميرات بإمكانها كشف مدخل العمارة كله، نقل بثّها بشكل مباشر إلى غرفة العمليات في الجيش الإسرائيلي.
في مساء الثاني عشر من شباط/فبراير 2008، وصل مغنية إلى دمشق. “إحدى السيارات في مصفّ العمارة غادرت، وحلّت مكانها سيارة من نوع ميتسوبيشي باجيرو تقلّ القنبلة الإسرائيليّة”.
“مرّت ساعات تلو ساعات ولا أنباء عن مغنية. وفقط عند الساعة 22:45 لوحظ تحرّك أشخاص… اتّضح أن مغنية لم يكن لوحده… كان برفقة رجلين هما سليماني وسليمان”، وفق ميلمان، الذي زعم، أن إسرائيل امتنعت عن اغتيالهما لأنها تعهّدت للولايات المتحدة باغتيال مغنية فقط.
“وبعد أن تحدّث الثلاثة إلى جانب السيارة التي تضمّ القنبلة الإسرائيليّة، ذهب سليمان وسليماني كل إلى سيارته، اللتين لم تكونا بعيدتين، وبقي مغنية لوحده”، بحسب الكتاب، الذي يضيف أن رئيس الحكومة الإسرائيليّة حينها، إيهود أولمرت، كان على متن طائرته عائدًا من ألمانيا إلى إسرائيل عند التنفيذ، وأنه أبلغ عبر الهاتف الفضائي بتنفيذ العمليّة.
ولم يتبنَّ أي من الموساد ولا الـ”سي آي إيه” عملية الاغتيال، ومن أجل تضليل ذلك، “حاولت وحدة في الموساد بثّ إشاعات تبعد عنه الشكوك. وفي وسائل إعلام عالمية، ظهرت فرضيّات أن اغتيال مغنية كان تصفية حسابات داخل ‘حزب الله’، أو عملية لإيران داخل سوريا”.
وبعد سبع سنوات من العمليّة، أي في العام 2015، سرّب الـ”سي آي إيه” عن دوره في الاغتيال، عبر تصغير الدور الإسرائيلي، وعندها بدأت التسريبات الإسرائيليّة المضادة.
اغتيال مستشار الاسد
يذكر أن إسرائيل اغتالت العميد سليمان لاحقًا، عبر إنزال قرب “شاليه” كان يملكه في طرطوس السوريّة، ونسبت له أدوار عديدة، منها الإشراف على “المفاعل النووي السوري”، الذي دمّرته إسرائيل في أيلول/سبتمبر عام 2007.
ويذكر ميلمان في كتابه أنّ فرقة كوماندوز إسرائيليّة أطلقت 6 رصاصات على سليمان، سقطت 5 منها في رأسه وصدره وواحدة في الطاولة التي كان يجلس عليها، أثناء عشاء ضمّ ستة أشخاص.