وسط ثورات الربيع العربي المستمرة منذ تسع سنوات، بقي الأردن الجزيرة الآمنة وسط سيل من نار، وفق وصف العديد من المحللين والسياسيين، ما جعله ملجأ للكثير من الشعوب العربية التي شهدت بلدانها توترات أمنية وحروباً، كسوريا وليبيا واليمن.
ولكن اليوم ومع الحالة الاقتصادية المتعثرة، ومعضلة حل الأزمات المعيشية، بات السؤال المطروح، هل ستحتفظ تلك الجزيرة، بسيرتها الأولى، أم أن للاقتصاد ولهيب الأسعار، رأياً آخر؟
مبعث السؤال السابق وبحسب محللين سياسيين، يكمن في ناحيتين، الأولى هي مؤشرات التدهور الاقتصادي، الذي كشفت عنه الإحصائيات الرسمية، والتي أشارت آخرها إلى ارتفاع معدلات الدين العام بقدر مليوني دينار خلال عشرة أشهر من العام الحالي، أما ثاني المؤشرات، تكمن في البعد السياسي للبلاد، وحالة التأييد الشعبي الواسعة للأسرة الحاكمة في الشارع الأردني.
ثورة جياع وديمقراطية سياسية، نقيضان في بلد واحد
بحسب المحللين السياسيين، فإن ما ساعد على بقاء الأردن آمناً، هو ما يتحلى به النظام السياسي من مناخ ديمقراطي، غير متوفر في المحيط المجاور، مشيرين إلى السنوات الماضية، وعلى الرغم من كل الحركات الاحتجاجية التي شهدتها البلاد، فلم تسجل أي حالة اعتقال سياسي، لمعارضين صريحين، أو نشطاء في الحراك، الأمر الذي حافظ على صلة وصل بين الشعب والأسرة الحاكمة.
ولكن على الطرف الآخر ، أوضح المحللون أن الأردن وعلى الرغم من الأوضاع سابقة الذكر، لا يزال مرشحاً لأن يشهد ثورة جياع، لا سيما مع ارتفاع مؤشرات الفقر، حيث أظهرت إحصائيات الحكومة الأردنية، الصادرة عن مكتب الإحصاء بأن 15 في المئة من عموم الشعب الأردني يعيش بحالة فقر، أي بواقع مليون وتسعة وتسعين ألف فقير من أصل سبعة ملايين أردني.
وأضاف المحللون: “حالة اللااستقرار الاقتصادي، ترتبط بعدة عوامل أولها ضعف الموارد الاقتصادية للبلاد، على اعتبار أن معظم أراضي الأردن خالية من الثروات، بالإضافة إلى ضغوط الإنفاق الحكومي، وقلة الاستثمارات المحلية والأحنبية، وهي أمور تفرضها طبيعة البلاد الجغرافية والجيولوجية، كما أنها بعيدة تماماً عن النظام السياسي”.
كلمة العشائر و الـ”نعم” المطلقة
ما يميز المجتمع الأردني من شماله إلى جنوبه، هو طبيعته العشائرية، التي كثيراً ما تفوض القرارات السياسية والتحركات الشعبية، إلى شيوخها، الذين يدينون بالولاء الكامل للعائلة المالكة، وفقاً لما قاله الباحث في الشأن الأردني “حسام يوسف”، لافتاً إلى أن القرار العشائري والموقف من النظام واضح، هو “نعم” مطلقة.
كما أشار “يوسف” إلى المكانة التي تستمدها الأسرة الحاكمة، من الناحية الدينية، كونها تنحدر من سلالة النبي “محمد” عليه الصلاة والسلام، إلى جانب ارتباطها بالعديد من الشخصيات التاريخية، من بينها “الشريف حسين”، قائد الثورة العربية الكبرة، ونجله الأمير “فيصل”، صاحب الدور الأكبر في التخلص من الحكم العثماني، والملك “طلال بن عبد الله”، ملك الأردن، الذي سجل خلال فترة حكمه للأدرن العديد من المواقف تجاه القضية الفلسطينية، على الرغم من قصر فترة توليه مقاليد الحكم.
الأمن والشعب والتهديد الإسرائيلي
ميزة أخرى، أضافها “يوسف” إلى المجتمع الأردني، تتمثل في حالة الارتباط الوثيق بين الشعب الأردني والأجهزة الأمنية، لافتاً إلى أن هذه الحالة الاسثنائية في الوسط العربي، تجعل من الأردن مجتمعاً أكثر ترابطاً من ناحية الثوابت الوطنية، مضيفاً: “كثيراً ما ينظر الشعب الأردني إلى المؤسسات الأمنية وعناصرها على أنها جزء من الشعب، خلافاً للحال في سوريا مثلا أو العراق”.
إلى جانب ذلك، لفت “يوسف” إلى أن ما نشرته وسائل إعلامية إسرائيلية عن سعي اليمين الإسرائيلي، للإطاحة بالأسرة الحاكمة الأردنية، بسبب ما وصفته، مواقفه المعارضة للمشاريع الإسرائيلية في المنطقة، سيلعب دوراً أكبر في محاولة الشعب الأردني عدم الانزلاق في البلاد إلى توتر أمني أو حالة لا استقرار، لا سيما وأن الأردنيين كغيرهم من الشعوب العربية، يعتبرون القضية الفلسطينية واحدة من ثوابتهم القومية، لا سيما مع حالة القربى النسب التي تجمع الأردنيين بالفلسطينيين.
أمام هذه الحالة التي تجمع بين السياسة والاقتصاد، استبعد “يوسف” أن تتطور الأحداث في المملكة الأردنية إلى صدامات بين الشعب والسلطة الحاكمة، مشيراً إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تجدداً للاحتجاجات ضد الأوضاع المعيشية ضد حكومة “عبد الله الرزاز”، لتكون كغيرها من الاحتجاجات السابقة التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية، ضد حكومات “عبد الله النسور” و “هاني الملقي”، مؤكداً أنها لن تتجاوز ذلك الحد.