مرصد مينا – ملفات
تعتبر المملكة الأردنية الهاشمية واحدة من الدول العربية ذات المساحة الصغيرة مقارنة بالدول الأخرى مثل مصر والسعودية والجزائر إلا انها من الدول التي كان لها بصمة في التاريخ العربي الحديث منذ مطلع القرن الماضي، لا سيما وأنه تم تأسيسها على يد الملك عبد الله الأول بن الحسين، نجل الشريف حسين مطلق الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية، بالإضافة إلى كونها كانت طرفاً في معظم المواجهات التي دارت بين الدول العربية وإسرائيل في النصف الثاني من القرن الماضي، إلى جانب أن الأسرة الهاشمية الحاكمة في البلاد تعتبر المسؤولة عن الأوقاف الإسلامية في مدينة القدس بما فيها المسجد الأقصى.
جولة في التاريخ القديم
تعرف المنطقة أو الأرض التي أقيمت عليها المملكة الأردنية خلال التاريخ بأنها كانت موطنا للكثير من القبائل التي سكنت الصحراء، حيث تشير دراسة بعنوان “تاريخ الأردن” إلى أن تلك المنطقة سكنها كل من المؤابيون والأدوميون والعمونيون، كما انها كانت متأثرة بالمد الحضاري الكنعاني في فلسطين، كما تأثرت بالآراميين منذ عام 1500ق.م.
خضع الأردن وفقاً للدراسة المذكورة للحكم الأشوري والكلداني والفارسي والروماني حتى استقر فيها العرب المسلمون الأوائل، وما زالت الآثار الرومانية كذلك في جرش والمدرج الروماني في عمان، كما خلف المسلمون الكثير من القلاع والقصور وغيرها من الآثار الإسلامية.
يشير الباحث الأردني، الدكتور “محمد المناصير” في مؤلفه “تاريخ الأردن” إلى أنه بعد سقوط العاصمة الآشورية نينوى، ثارت جميع الشعوب التي كانت تخضع للاشوريين، ففر آخر ملوك آشور (أباليت) إلى حران، وأصبحت السيطرة للبابليين بعد الآشوريين الذي سرعان ما حاولوا الاستحواذ على شرقي المتوسط ومنها شرقي الأردن، فتآلف ملوك مؤاب وعمون وصور وصيدا لصد هجمات بابل، إلا أن الملك البابلي نبوخذ نصر تمكن من الانتصار عليهم والوصول إلى القدس سنة 586 ق م، ثم تمكن من إخضاع صيدا ومؤاب وعمون، فيما بقي محاصرا صور لمدة ثلاث عشرة سنة، إلى أن أخضعها. وقد سبى نبوخذ نصر عددا كبيرا من اليهود من القدس وفلسطين إلى بابل، إلا أن بابل ما لبث أن دب فيها الفساد فسقطت في أيدي الفرس سنة 540 ق م.
وبعد انتهاء الحكم البابلي وضعت الأردن وفلسطين تحت الحكم الفارسي بواسطة أمير فارسي وحكام فرعيين، وقد حرر الملك الفارسي سيروس في هذه الأثناء اليهود من الأسر البابلي وسمح لهم بالعودة إلى فلسطين, وفي عهد الإمبراطور الفارسي داريوس الذي حكم من 531 – 485 ق م جزءت الإمبراطورية الفارسية إلى عشرين ولاية؛ كل ولاية عليها حاكم يدعى مرزبان، وقد كانت شرقي الأردن وقبرص جزءا من الولاية الفلسطينية، أما عرب تيماء فقد فرضت عليهم الإتاوة.
ويبين “المناصير” في بحثه أن النظام الإداري الفارسي استمر إلى أن جاء الأسكندر الكبير عام 333 ق م، فقد أفسح انهيار الإمبراطورية الفارسية الطريق أمام الأسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد لاحتلال العاصمة الفارسية وبسط النفوذ اليوناني على الأردن والبلدان المجاورة. ولم تخضع شرقي الأردن لحكم اليونان المباشر في عهد الأسكندر، الذي توفي عام 323 ق م وهو يتأهب لغزو الجزيرة العربية، فبعد وفاة الأسكندر انقسمت الإمبراطورية اليونانية إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأوروبي، لانتغونس حفيد أحد قادة الأسكندر، أما فارس وسورية إلى شمالي دمشق فقد خضعت لسلوقس، فيما خضعت مصر وفلسطين وشرقي الأردن والقسم الجنوبي من سوريا لبطليموس.
ووفقاً لمصادر تاريخية متعددة فإن الأردن في فترة ما بعد سقوط الخلافة العباسية وتعرض منطقة الشرق الأوسط للكثير من الحروب والغزوات بما فيها الغزو الصليبي والمغولي، خضع لسيطرة العثمانيين أثناء حملتهم على الشرق العربي، وكان يمثل أهمية خاصة لهم باعتباره طريق الحج الشامي، فضلاً عن كونه طريق التجارة البرية، فدفعوا الأموال الكثيرة لشيوخ القبائل التي تقطن هذه المنطقة لتأمين طريق الحج، ليقسم العثمانيون الأردن حينها إلى عدة مناطق إدارية أهمها: قضاء البلقاء، قضاء عجلون، قضاء الكرك.
النشأة والتاريخ والملك المؤسس
يعود تاريخ إنشاء الأردن بحسب أرشيف الحكومة الأردنية، إلى العام 1921، حيث أطلق عليه في ذلك الوقت اسم إمارة شرق الأردن، التي أسسها الأمير عبد الله الأول، وذلك بعد سنوات قليلة من سقوط الدولة العثمانية، حيث شُكلت أول حكومة برئاسة “رشيد طليع” في العام نفسه.
أما عن تحولها من إمارة إلى مملكة فقد تم في أواسط القرن الماضي، وسميت المملكة الأردنية الهاشمية ونصب الأمير عبد الله ملكا عليها وصدر الدستور الأردني الذي جاءت مواده متقدمة في مجال الحقوق المختلفة كما نص على إقامة برلمان يتكون من مجلسين وجرت بعده انتخابات برلمانية.
وفقاً لمجلد “التراث الملكي الأردني”، الصادر عام 2020، فقد خاض الأمير عبد الله حروب الاستقلال بعد مفاوضات شاقة وطويلة مع بريطانيا، انتهت بتوقيعه وثيقة الاستقلال في قصر رغدان يوم 25 أيار 1946 والتي تضمنت إعلان الأردن حكومةً مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكم ملكي وراثي، والمناداة بالأمير عبد الله ملكاً دستورياً للبلاد بلقب ملك المملكة الأردنية الهاشمية، وتعديل القانون الأساسي الذي صدر على إثره الدستور الثاني عام 1947.
يشير باحثون في تاريخ الشرق الأوسط إلى أن الأردن كان من بين أكثر الدول العربية تأثراً بالاوضاع التي جرت في فلسطين والضفة الغربية بعد الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 1948، وصدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وأخرى عربية، لافتين إلى أنه بعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين دخل الأردن الحرب إلى جانب الدول العربية، وتمكن الجيش الأردني من الحفاظ على سيطرة العرب على القدس وعلى جزء كبير من أراضي الضفة الغربية.
وتعتبر حادثة اغتيال الملك “عبد الله الأول” من اكبر الأحداث التي شهدتها البلاد في تاريحها، حيث وقعت الحادثة يوم الجمعة 20 يوليو 1951، بينما كان يزور المسجد الأقصى في القدس لأداء صلاة الجمعة قام رجل يدعى “مصطفى شكري عشو” وهو خياط من القدس يبلغ من العمر 21 عاما باغتياله، حيث أطلق ثلاث رصاصات إلى رأسه وصدره، وهي الحادثة التي لا تزال حتى اليوم غامضة الأسباب، على الرغم من ما تردد عن ربطها بتوجه الملك لعقد اتفاقية سلام منفصلة مع إسرائيل.
كما تشير المصادر التاريخية إلى انه تم اتهام عشرة أفراد بالتآمر والتخطيط للاغتيال وحوكموا في عمّان، وقد قال الإدعاء في مرافعاته أن العقيد عبد الله التل حاكم القدس العسكري والدكتور موسى عبد الله الحسيني كانا المتآمرين الرئيسيين، وقد قيل وقتها بأن العقيد عبد الله التل كان على اتصال مباشر مع المفتي السابق للقدس أمين الحسيني وأتباعه في القسم العربي من فلسطين.
وأصدرت المحكمة حكماً بالإعدام على ستة من العشرة وبرأت الأربعة الباقين، وقد صدر حكم الإعدام غيابياً على العقيد عبد الله التل وموسى أحمد أيوب وهو تاجر خضار وذلك بعد هروبهم إلى مصر مباشرة بعد عملية الاغتيال، كما تمت إدانة موسى عبد الله الحسيني وزكريا عكة وهو تاجر مواشي وجزار، وعبد القادر فرحات وهو حارس مقهى وجميعهم مقدسيون.
تدوال السلطة وخلفاء متتابعين
يوصف الملك “طلال بن عبد الله” بأنه أول وريث فعلي للعرش في الأردن، حيث خلف والده الملك “عبد الله” في عام 1951 وأنجز مشروع الدستور المعدل ليصدر عام 1952 دستور الوحدة وهو الدستور الذي ينبع من القيم الإسلامية والمبادئ الديمقراطية المعمول بها في دول العالم المتحضرة ، وبناءا عليه توالى إجراء عقد الانتخابات في الضفتين، إلا أن المرض لم يسعف الملك طلال ولم يمكنه من الاستمرار في الحكم، ليعفى من مهامه ويعين ولده، الملك “حسين بن طلال” ملكا على الأردن، والذي خضع لمجلس وصاية على اعتبار أنه لم يكن قد بلغ السن القانوني، وحينما أتم الثامنة عشر من عمره تولى سلطاته الدستورية في 11- آب – 1953.
يشير كتاب بعنوان “الملك حسين” والذي نشر في جريدة جارديان البريطانية، إلى ان الفترة الاولى من حكم الملك حسين شهد الأردن انتقالاً أكبر باتجاه الليبرالية، حيث عين “فوزي الملقي” رئيسًا للوزراء، مبيناً أن السياسات الليبرالية للملك أدت إلى تطور ملموس في بعض النواحي بما في ذلك حرية الصحافة، كما انها أدت أيضا في الوقت ذات إلى اضطرابات عندما بدأت جماعات المعارضة حملة دعائية ضد الملكية البلاد.
لم تكن فترة الحكم الأولى للملك الراحل “حسين بن طلال” سهلة، خاصة في ظل التوتر على المستوى الإقليمي من خلال الصراع مع إسرائيل وعلى المستوى الداخلي، حيث بدأت أولى الصدامات الداخلية في البلاد بعد الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 21 أكتوبر 1956، والتي شهدت ظهور الحزب الوطني الاشتراكي كأكبر حزب، وفاز بـ 12 مقعدًا من أصل 40 في مجلس النواب، وعليه طلب الحسين من “سليمان النابلسي”، زعيم الحزب، تشكيل الحكومة.
تذكر المصادر التاريخية أن سياسات “النابلسي” التي كانت ذات بعد اشتراكي، كثيراً ما تصادمت بسياسات الملك حسين، خاصة وأن الملك طلب من “النابلسي”، كرئيس للوزراء، اتخاذ إجراءات صارمة ضد الحزب الشيوعي ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها، وفي المقابل أراد النابلسي تقريب الأردن من نظام ناصر، متعارضا مع رغبة الملك بالبقاء ضمن المعسكر الغربي، لتبلغ الخلافات بين النظام الملكي والحكومة اليسارية ذروتها في مارس 1957 عندما زود “النابلسي” الملك “حسين” بقائمة من كبار الضباط في الجيش ليتم إقالتهم؛ استجاب الحسين في البداية للتوصيات. مما شجع النابلسي لتقديم قائمة موسعة، رفض الحسين فورا القائمة. واستقالت حكومة النابلسي في 10 أبريل.
أيلول الأسود.. مواجهة الأشقاء والحرب مع سوريا
يقول الدكتور “يسري هاشم في بحث له منشور في 2020 عبر مركز المحروسة للنشر، في القاهرة، أنه بحلول عام 1970 ظهرت بعض الأصوات المطالبة بالإطاحة بالمملكة الهاشمية الأردنية، ووجهت للفدائيين تهمة محاولة اغتيال الملك حسين مرتين، وأراد الملك حسين إنهاء وجود الفدائيين الفلسطينيين في الأردن.
ويلفت “هاشم” في الفصل الثاني من بحثه إلى بداية التطور العسكري في الجنوب الأردني، وبداية التحولات وانقلاب السلطة الأردنية على الفدائيين الفلسطينيين، لافتاً إلى ان ولي العهد الأردني السايق، الأمير “حسن” اجتمع بشيوخ البدو، لمواجهة خطر الفدائيين الفلسطينيين لتتسرع الأحداث في الجنوب ويقع الاقتتال، ما قاد القوات الفدائية إلى الانسحاب من الجنوب باتجاه العاصمة عمان.
وعن تلك الفترة تقول بعض المصادر التاريخية: “بعد أن فقد الأردن السيطرة على الضفة الغربية لإسرائيل عام 1967، نقل الفدائيين الفلسطينيين قواعدهم إلى الأردن وصعدوا هجماتهم على إسرائيل والأراضي المحتلة” لافتةً إلى الانتصار الفلسطيني الأردني المشترك في معركة الكرامة في عام 1968 أدى إلى زيادة الدعم العربي للمقاتلين الفلسطينيين في الأردن، حيث نمت قوة منظمة التحرير في الأردن،
وبحلول عام 1970، بدأت علنا المطالبة بالإطاحة بالملكية الهاشمية، وهو ما تزامن مع مواجهات عنيفة بين الفدائيين وبين الجيش الأردني في يونيو 1970، وفي 17 سبتمبر حاصر الجيش الأردني المدن التي بها وجود لمنظمة التحرير بما في ذلك عمان وإربد وبدأ قصف الفدائيين الذين تمركزوا في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالمدفعية الثقيلة ومدفعية الدبابات.
وفقاً لبحث “الجريمة السياسية – اغتيال وصفي التل”، فقد تم اتخاذ القرار في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية في عمّان بضرورة توجيه ضربة استئصالية ضخمة وبقوات متفوقة إلى كل المنظمات الفلسطينية داخل المدن الأردنية، وبدا أن الطريق وصل إلى نقطة اللاعودة، حيث وصلت الفوضى والتسيب التي سببها أعضاء المنظمات الفلسطينية إلى مستوى يفوق تحمل النظام السياسي في الأردن.
كان الملك حسين يرغب بتوجيه ضربة عسكرية محدودة قد تحصر النشاط العسكري للفصائل داخل المخيمات وتعيد هيبة الدولة، بينما كانت المؤسسة العسكرية تنزع إلى توجيه الضربة الإستئصالية القاضية مستغلة التفوق العسكري لديها، وكان يقود هذا الرأي المشير حابس المجالي، ووصفي التل، وزيد الرفاعي، وزيد بن شاكر ومدير المخابرات الأردنية آنذاك نذير رشيد.
تعاون وصفي التل مع حابس المجالي وفي يوم التالي بدأ الجيش بتنفيذ “خطة جوهر”، وحدثت اشتباكات بين الجيش والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن تم تشكيل حكومة وصفي التل. أطلقت حركة وصفي التل هجوماً على قواعد الفدائيين على طول طريق عمان جرش في يناير / كانون الثاني 1971، وأخرجهم الجيش من إربد في مارس / آذار، وبدأت الدبابات الأردنية بالقصف المدفعي العنيف على مواقع المنظمات الفلسطينية، وبدأت المجنزرات والسكوتات باقتحام مخيم الوحدات، ومخيم البقعة ومخيم سوف في عمّان ومخيم الزرقاء واجتاحت فرق المشاة لشوارع مدن الزرقاء وعمّان وإربد لتنقيتها من المسلحين، حيث حدثت معارك ضارية فيها، وكان لشدة المقاومة في مخيم الوحدات السبب في دفع القوات الأردنية إلى زيادة وتيرة القصف والضغط العسكري، الأمر الذي ضاعف الانتقادات العربية للأردن والتي قابلها الأردن بالتجاهل. في نيسان / أبريل أمر وصفي التل منظمة التحرير الفلسطينية بنقل جميع قواعدها من عمان إلى الغابات بين عجلون وجرش. قاوم الفدائيين في البداية لكنهم فاق عددهم وخرجوا يائسين بعد أن تم قصفهم بواسطة الطائرات. وفي يوليو / تموز حاصر الجيش آخر الفدائيين البالغ عددهم 2,000 شخص في منطقة عجلون – جرش. استسلم الفدائيون أخيراً وسمح لهم بالمغادرة إلى سوريا، وفضل نحو 200 مقاتل عبور نهر الأردن للاستسلام للقوات الإسرائيلية وليس للأردنيين. وفي مؤتمر صحفي عقد في 17 تموز / يوليو، أعلن الحسين أن السيادة الأردنية قد أعيدت تماما، وأنه “لا توجد مشكلة الآن”.
وبحسب ما تذكره الموسوعة التاريخية في بحث “الصراع الفلسطيني الأردني”، فإن أيلول الأسود شهد اغتيال رئيس الوزراء الأردني “وصفي التل” في 28 نوفمبر 1971م، بينما كان ذاهباً لحضور اجتماع في فندق الشيراتون في القاهرة مع مجموعة من الوزراء العرب، والذي لعب دوراً كبيراً في معارك الجيش الأردني ضد الفدائيين الفلسطينين.
نهاية التوتر ومرحلة السلام مع إسرائيل
يتفق جملة من المؤرخين على أن نهاية حقبة أيلول الأسود والمواجهات المسلحة بين الجيش الأردني والفلسطينيين، كانت عملياً نهاية فترة التوتر العسكري والتوتر المعلن في البلاد، لافتين إلى أن الحكومات الأردنية خلال تلك الفترة بدأت تتجه إلى الشؤون الداخلية والاقتصادية.
أما عن الحدث الأبرز الذي شهده الأردن منذ نهاية مواجهات أيلول، فيتثمل بتوقيع اتفاقية وادي عربة، وهي معاهدة سلام وقعت بين الأردن و إسرائيل على الحدود الفاصلة بين الدولتين والمارة بوادي عربة في 26 أكتوبر 1994.
طبعت هذه المعاهدة العلاقات بين الجانبين وتناولت النزاعات الحدودية بينهما، وترتبط هذه المعاهدة مباشرة بالجهود المبذولة في عملية السلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. بتوقيع هذه المعاهدة أصبحت الأردن ثاني دولة عربية بعد مصر وثالث جهة عربية بعد مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية تطبع علاقاتها مع إسرائيل.
وفقاً لبعض المصادر الرسمية الأردنية، فإنه في عام 1987، حاول وزير الخارجية الإسرائيلي شمعون بيريز وملك الأردن الحسين بن طلال ترتيب اتفاق سلام سري تتنازل فيه إسرائيل عن الضفة الغربية للأردن. ووقع الاثنان اتفاقية تحدد إطار عمل مؤتمر سلام شرق أوسطي. لم يتم تنفيذ الاقتراح بسبب اعتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير. في العام التالي، تخلى الأردن عن مطالبته بالضفة الغربية لصالح حل سلمي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لتعود المحادثات للانطلاق في عام 1994، حيث نجح الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بالضغط على الأردن لبدء مفاوضات سلام وتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل ووعده بإلغاء ديون الأردن كما نجحت الجهود، ووقع رابين وحسين وكلينتون على إعلان واشنطن في واشنطن العاصمة في 25 يوليو 1994. وجاء في الإعلان أن إسرائيل والأردن أنهيا حالة العداء الرسمية وسيبدآن مفاوضات من أجل “وضع حد لسفك الدماء” ولأجل سلام عادل ودائم، وفقاً لما تذكره بيانات وزارة الخارجية الإسرائيلية.
وفاة الحسين وتولي نجله عبد الله عرش المملكة
تُوفي الملك الحسين بن طلال في السابع من شهر شباط من عام 1999م، بعد معاناته مع مرض السرطان عن عمر يناهز الثلاثة والستين عاماً، وتمت بعدها مبايعة نجله الأمير “عبد الله الثاني بن الحسين” ملكاً على البلاد، حيث شكَّك بعض المراقبين في قدرته على إدارة الأزمة الاقتصادية في البلاد ؛ بسبب إرث حرب الخليج عام 1990.
تشير دراسة دولية بعنوان “الملك الجديد” إلى أنه في السنوات الأولى من حكم الملك عبد الله؛ كان عدد سكان الأردن في ذلك الوقت أكثر من 4.5 مليون نسمة، أُفيد أنه كثيرا ما كان يتخفّى لرؤية تحديات الأردن ومشاكل الناس مباشرةً، مبينةً انه في عام 2000 م قال الملك عن زياراته الخفية للمؤسسات الحكومية.
وتعد الانتخابات العامة الأردنية عام 2003 م أول انتخابات برلمانية في ظل حكم الملك عبد الله. على الرغم أنّه كان من المفترض إجراء الانتخابات عام 2001 م، إلا أنّ الملك أجّلها؛ بسبب عدم الاستقرار السياسي في الإقليم، فوفقًا للدستور الأردني فإنّ للملك تأجيل الانتخابات لمدة أقصاها سنتان.
أما التحدي الأبرز أمام الملك الأردني، فتمثل وفقاً للباحث في تاريخ الشرق الأوسط، “مهاب معز الدين” بالحفاظ على الأردن خارج دائرة موجة المظاهرات والأزمات التي شهدتها عدة دول في العام 2011، خاصة وأن الشارع الأردني شهد في تلك الفترة تحركات احتجاجية واسعة كان أبرزها اعتصام دوار الداخلية عام 2012، لافتاً إلى أن تحركات حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان و اليساريين وكبار ضباط الجيش المتقاعدين في جميع أنحاء البلاد، أدت بحلول 1 شباط 2011 م، إلى وقوع الاضطرابات الداخلية ما دفع الملك عبد الله إلى إقالة حكومة سمير زيد الرفاعي وتعهد باتباع المسار الديمقراطي.
ووفقاً للباحث “معز الدين” فإن الحركة الاحتجاجية في الأردن لم تكن مرتبطة بشكوى سياسية وإنما بشكاوى اقتصادية بسبب سوء الوضع المعيشي، وهو ما ساهم في أن تبقى تلك الاحتجاجات ضمن سياق المطالبة بتحسين الوضع المعيشي دون التطور إلى طرح مطالب سياسية ومناداة بإسقاط النظام الحاكم، على الرغم من أن الحركات الاحتجاجية استمرت لسنوات طويلة وأسقطت العديد من الحكومة.