كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد ليس كلامًا في الهواء، فالرجل وعلى أعقاب إطلاق مسيرات حزب الله فوق حقل كاريش قالها بما يعني “لاتلعبوا بالنار”، غير أن لعبة النار هي لعبة “حزب الله”، ما يعني أن ثمة احتمال ينفتح، او لنقل يتجدد وهو احتمال حرب ربما يمكن أن تتحول إلى حرب كبرى، يعقبها صفقة كبرى أو صفقة توقف حربًا وتحول دونها، ومسيرات حزب الله فوق حوض كاريش هي العنوان.
زيارة لابيد إلى فرنسا ليست بعيدة عن حكاية المسيرات هذه، وهي أولى رحلاته الخارجية منذ توليه منصب رئيس الوزراء المؤقت الأسبوع الماضي، وهو العالم بأن الاوتوسترادات مفتوحة مابين فرنسا وحزب الله من جهة، وبين إيران والرئيس الفرنسي من جهة أخرى، ولابد أن يطلب لابيد من الفرنسيين الضغط على حزب الله اولاً، دون نسيان التأثيرات الإيرانية على الحزب بما يوصل إلى تهدئة لحزب الله او لجمه ودائمًا وفق صفقة ما يصيغها الفرنسيون مع حزب الله تسمح له بالتمدد اكثر في لبنان مقابل تهدئة الجبهة مع إسرائيل.
العامل الفرنسي، والذي قد يكون ثانويأ أو غير حاسم تبعًا لضعف وسائله بالقياس مع الأمريكان، قد يلعب دورًا ممهمًا في الدبلوماسية ففرنسا من بين القوى العالمية التي تحاول إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران، والذي انسحبت منه الإدارة الأمريكية السابقة وعارضته إسرائيل معتبرة أنه غير كاف.
مسؤول إسرائيلي كبير صرح للصحفيين بأن “الفرنسيين نشيطون للغاية فيما يتعلق بالقضية الإيرانية”، وأضاف: “من المهم بالنسبة لنا أن ندافع عن قضيتنا… إسرائيل تعارض العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي لعام 2015). وفي الوقت نفسه، لا نعارض التوصل لاتفاق، وإنما نسعى إلى اتفاق قوي للغاية”.
إسرائيل ليست طرفا في المفاوضات النووية. لكن العواصم الغربية تضع في الحسبان مخاوف إسرائيل بشأن عدوها اللدود، وتخشى أن تتخذ إجراء عسكريا استباقيا إذا اعتبرت الدبلوماسية طريقا مسدودا، وفي هذه المنطقة بالتحديد سيكون الملعب الفرنسي وتعبيراته “نمنح لإيران ما سنأخذه في لبنان”، بما يعني تساهلات إسرائيلية في الملف النووي الإيراني مقابل لجم إيران لحزب الله في لبنان، وتحديدًا في ملف الغاز الذي يمثل قيمة عليا بالنسبة لإسرائيل.
لإسرائيل جبهة فعلية مع إيران في لبنان، موطن حزب الله وكل المعلومات تفيد بأن مناقشات لابيد مع الرئيس الفرنسي تتركز حول حزب الله على وجه التحديد وبأن حزب الله يعرض لبنان للخطر، دون نسيان تذكير الرئيس الفرنسي بأن حقل كاريش بالقرب من الساحل اللبناني سينتج الغاز ليس فقط لإسرائيل، ولكن أيضا في نهاية المطاف للاتحاد الأوروبي، وذلك في استفادة من سعي دول الاتحاد لاستبدال روسيا كمورد للطاقة منذ غزوها أوكرانيا، ما يعني دفع فرنسا خطوات نحو حلحلة المشكلة مع لبنان إزاء موضوع الغاز بما يتضمن إعاقة احتمال أية عملية عسكرية من قبل حزب الله في مناطق الغاز المأمول.
السؤال هنا:
ـ ما الذي بوسع فرنسا أن تعمله إزاء المطلب الإسرائيلي؟
كل مانعرفه عن النفوذ الفرنسي في لبنان، أنه نفوذ متصل بالثقافة والحنين، أما عوامل القوة والضغط فتتقاسمها كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإيران، وبالتالي لاتمتلك فرنسا أية وسائل ضغط على حزب الله ما يعني أن “لجم” حزب الله لن يكون في مرابط الاليزيه، فإما يلجم بقرار إيراني وإما يطلق لحرب مع إسرائيل دون الاستخفاف بقدراته العسكرية والتدميرية، والتي لاتتناسب مع القدرات الإسرائيلية غير أنها قادرة على إحداث خراب في إسرائيل لابد ويتجنبه الإسرائيليون مع تجنبهم للحرب، ولكن الحرب، أية حرب، لاتتخذ بقرار، ولا ينتزع فتيلها بالقرار وحده، فخطأ واحد قد يولع نيرانها، وهذا الخطأ قابل للحصول مع كل لحظة إذا لم يعثر الطرفان على صيغة ترضي ولو جزئيًا الطرفان، مع حساب تنازل هنا وتنازل هناك.
الأمريكان لن يكون بوسعهم لعب دور الوسيط مابين لبنان وإسرائيل، ولا الإيرانيون كما السعوديون قادرون على إدارة مثل هذه الوساطة.
وحدها فرنسا قادرة على لعب مثل هذا الدور، فخطوطها مفتوحة على حزب الله، وكذلك مفتوحة على الإسرائيليين.
هي الأزمة الفرصة.. أزمة لبنانية إسرائيلية، وفرصة ليستعيد االفرنسيون مكانتهم ومكانهم في كل من لبنان وإسرائيل.