الأسد.. تمام أفندم

قد يكون اللقاء الذي جمع  الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومدير عام شركة “غاز بروم” الكسي ميلر واحد من مفاتيح الإجابة عن سؤال:

ـ ماهذا الزواج الروسي / التركي؟

لقاء يمكن نعته بـ “لقاء غير المتماثلين في المناصب”، هذا إذا لم يكن لخطوط الغاز المنصب الأعلى من بين كل المناصب في لحظة عالم اليوم.

المعلومات المتوفرة عن اللقاء تشير  إلى طلب الجانب التركي من “غاز بروم” حسماً بقيمة 25 في المئة على الغاز الذي استجرّته تركيا خلال عام 2022 وما ستقوم باستجراره في 2023. وستضيف المعلومات بأن أنقرة طالبت  بالبدء بدفع مستحقات كميات الغاز لعامي 2022 و2023 بدءاً من 2024 وعلى دفعاتٍ، من أجل فك الخناق المالي عن أردوغان حتى الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي. كما طلبت تركيا من روسيا زيادة كميات الغاز المصدر إليها بمقدار ثلاثة مليار متر مكعب العام المقبل. ويعتقد أن السبب في ذلك الرغبة التركية في التحرر من النفوذ الإيراني على القرار السياسي التركي عبر ورقة الغاز.

في المعلومات أيضًا أن  تركيا بشراء كمياتٍ قياسية من النفط الروسي الخام وتكريره على أراضيها، إذ أدرج البنزين التركي في السوق المحلية للمرة الأولى.

في روسيا يعتقدون أنه بإمكان تركيا بيع الغاز الروسي إلى أوروبا، ولابد في حال كهذا أن تقوم تركيا بالتمويه على كون الغاز المراد تصديره إلى أوروبا من منشأ روسي بالمطلق، بل الايحاء بأنه غاز مجمّع من عدة مصادر، للتحرر من الضغوطات المتزايدة لاجبارها، كدولةٍ أطلسية وعضو في البرلمان الأوربي، للامتثال إلى العقوبات الغربية على موسكو.

دراسات تشير إلى أنه من المتوقع أن يصل حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا إلى رقمٍ قياسي هذا العام متجاوزاً 80 مليار دولار، لعاملين مهمين: أولهما قيام روسيا بتجارتها مع أوروبا عبر تركيا التي باتت تشكّل نافذتها الوحيدة مع الغرب، وثانياً، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً.

هذا عن “الغاز”، سوى أن في الأمر عناصر أخرى فتركيا بالنسبة لروسيا اليوم هي “ممر الحبوب”، وبهذا تسعى روسيا بهذه الخطوة إلى التحرر من العقوبات المفروضة عليها وعلى عملية الشحن وتأمين البواخر من قبل الدول الغربية من خلال الايحاء بقيام تركيا ببيع الحبوب إلى الدول التي تخشى التعامل مع موسكو بشكلٍ مباشر.

ـ خذ وهات.

تلك هي المعادلة، وعلى هامش المعادلة ستكون المسألة السورية برمتها، ولروسيا على ماعليها من قيود، مازال لها الكثير من النفوذ وصولاً إلى الاشتغال على ضمّ تركيا إلى مجموعة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، فمن المعروف أن موسكو تحاول منذ مدة طويلة ضم عدد من الدول، مثل الهند، إلى العضوية الدائمة لمجلس الأمن.

هناك مسألةٌ أخرى من المهم الوقوف عندها ألا وهي إشارة البيانين الصادرين عن الكرملين والرئاسة التركية إلى ضرورة الالتزام ببنود اتفاقية سوتشي 2019، والقاضية بوجوب تراجع قوات سوريا الديمقراطية جنوباً لمسافة 30 كيلومتراً عن الحدود السورية. اللافت في هذا الإعلان، الاستناد إلى بنود اتفاقية سوتشي 2019 وليس سوتشي 2018، التي تقضي بضرورة قيام تركيا فرز ما يسمى بالمعارضة المعتدلة عن المتطرفة وفتح طريق «إم 4» بين حلب واللاذقية. ويعني الاستناد إلى سوتشي 2019، بدلاً من 2018، عدم مطالبة تركيا الإيفاء بالتزاماتها الخاصة فرز المعارضة وفتح الطريق الدولي، والتركيز على الالتزامات الروسية فقط، وهو ما يمكن أن يشكّل مدخلاً لعمليةٍ عسكرية تركية تحت ستار فشل موسكو في الايفاء بوعودها لأنقرة والزعم بعدم التزام قوات سوريا الديمقراطية بالوعود التي قطعتها لروسيا مقابل ضمان الأخيرة استمرار وقف إطلاق النار في شمال سوريا.

ـ ما الذي سيعنيه هذا؟

هذا يعني أن العملية العسكرية التركية التي طالما لوّحت بها، والمتصلة بالشمال السوري، ستحظى بالمظلة الروسية، وهذا سيقلل من مخاطر اتساع الشرخ بين تركيا والولايات المتحدة التي ستجد نفسها محرجةً أمام الهجوم التركي على مهد تحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية.

بالمحصلة، ستكون مكاسب تركيا واسعة وكبيرة، وإن كانت لاتخلو من المخاطرة، اما الثمن فسيكون أولاً على حساب المسألة السورية فالمقايضة باتت واضحة.

عقد من التدمير الروسي لسوريا، أما استكماله فسيكون بيد الأتراك وبحماية ومظلة روسيتين.

ما مكان أو مكانة الأسد في هذه اللعبة؟

سيكون على مقعد المتفرجين.. كل ماعليه أن يهز رأسه بالموافقة، وباللغتين الروسية والتركية معا:

ـ تمام أفندم للتركي، و:

ـ تمام أفندم للروسي ولكن باللغة الروسية.

Exit mobile version