مرصد مينا
وصل أيمن الصفدي وزير خارجية الأردن إلى دمشق، وحتماً لم تكن زيارته العاصمة السورية لتحمل سوى “همّ” اردني عنوانه “مسألة اللاجئين”، وهو “الهمّ” الذي تتشارك فيه كل من الأردن ولبنان وتركيا بالدرجة الاولى، هذا بالإضافة لموضوع “حروب الكبتاجون”، وهو “الهمّ” الثاني الذي لايقل اولوية عن “الهمّ” الاول، وكان الصفدي قد عقد مؤتمراً صحفياً بالمشاركة مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد.
مايحدث في الغرفة المغلقة، لن يخرج إلى الضوء بالسهولة أو بالرغبة، ولكن القراءات الاكثر رصانة تقول بأن موضوع اللاجئين يعني فيما يعنيه:
ـ تقديم ضمانات لعودة اللاجئين بما يضمن امنهم وسلامتهم.
أما موضوع الكبتاجون، فلابد أن يكون عنوانه “محاصرة البوابة الاكثر دعماً لاقتصاد النظام”، وبالتالي “تجفيف منابع استمراره اقتصادياً.
كلا العناوين يعنيان أن النظام في مأزق، وكان الصفدي قد عمّق مأزق النظام بتكراره الاستناد إلى القرار ٢٢٤٥ وهو القرار الأممي الذي لايعني في منتوجه ونهاياته ومآلاته سوى أن “يأكل النظام نفسه”، ولهذا كان الاضطراب قد بدا على موقف النظام من الزيارة، وازداد الأمر وضوحاً بحجب نقل المؤتمر الصحفي الذي جمع وزيري خارجية البلدين، ومن ثم الاكتفاء ببث مقاطع منه، وهي المقاطع التي “لاتقول شيئاً” سوى ضجيج البث التلفزيوني.
واقع الأمر أن الرسالة الأردنية التي حملها الصفدي هي بالتمام والكمال تلك الاشتراطات التي سمحت لبشار الأسد بحضور القمة العربية، وهي اشتراطات مضمونها “حلّ المسألة السورية عبر ٢٢٤٥”، وهو قرار في طيّاته يعني فيما يعنيه رفع قبضة النظام عن البلاد بما يضمن انتقالاً تدريجياً للسلطة، وتحت عنوان “خطوة مقابل خطوة”.
القراءات الاولية، والعارفون بالنظام السوري يعرفون بالتمام والكمال أن النظام لن يخطو أيّة خطوة مقابل أيّة خطوات، ولن يفعل ذلك لا لأنه لايرغب بل لسببين جوهريين:
ـ اولهما أنه إذا مافعل فهذا يعني أنه سيكسر غصن الشجرة التي يركبها.
وثانيهما، أن حليفة الإيراني على وجه التحديد لن يتسامح معه على أيّة خطوة تقود النظام إلى “أن يأكل نفسه”، والكل يعلم أن مقعد الرئاسة السورية في دمشق، اما الرئاسة فهي في طهران.
موضوعان سيبقيان عالقين، ولن يتزحزحا، فعودة اللاجئين لاتعني النظام، أقلّه وفق الاشتراطات التي تضعها كل من تركيا والأردن بمواجهته، أما عن الكبتاجون، فتخلي النظام عن تصنيعها وترويجها وتسويقها، يعني تخليه عن “مخزونه الاستراتيجي” ما بعد تسرب النفط من يده، فيما آلته الاقتصادية معطّلة مرتين، مرة بفعل ما آلت اليه الحرب، وثانيها في هيمنة قوى الفساد على قوى السوق، وإحلال الميليشيا مكان المؤسسة، وفي الحالين فالكبتاغون هو ما تبقى لاقتصاد النظام وتمويل جيشه وميليشياته.
ماحمله “الصفدي” هو ما يعطّله النظام، وفي هكذا حال، وفي ديمومة هكذا حال، نحو أي طريق ستمشي “الاحوال”؟
الاتراك يجهزون لإعمار أجزاء من الشمال السوري المجاور لحدودهم، وهذا الإعمار يعني إعادة توطين ملايين اللاجئين في هذه المناطق و “من يعمّر يملك” ما يعني اقتطاع أجزاء واسعة من الأراضي السورية وضمها لتركيا”، وإذا ماحدث هذا فقد يحدث وفق قبول السكان وموافقة السكان حتى ولو جاء تحت ستار استفتاء يُسأل فيه اللاجئ:
ـ ستعود إلى سوريا الأسد، أم ستختار جواز السفر التركي؟
غالباً ستكون الإجابة:
ـ تشكرات أفندم..
وستلحق هذه المناطق بتركيا، وينطبق الامر على الجنوب السوري بما يجعل من هذا الجنوب منطقة منفصلة عن النظام وتحت ضغط الأمر الواقع وقد يكون بقوة السلاح.
أيمن الصفدي جاء إلى دمشق ليتلقى الإجابة التي لابد ويعرفها، فلا تغيير في موقف النظام، وليس من العقلاني ولا الواقعي مطالبته بأن يتغير، فإن تغيّر فـ “كل من عليها فان”.
وعليها هنا تعني:
ـ ميليشيات النظام، فروع استخبارات النظام، القصر الجمهوري للنظام.