الأعداء الأصدقاء، ليس تعبيرًا مجازياً، أقلّه في الصيغة السورية فـ :
ـ روسيا، شريكة تركيا في إدارة أجزاء في شمال سوريا، تخشى من فصل أجزاء من سوريا ونقلها إلى تركيا، وكلتاهما صديقتان في المصالح وهذا ما أثبتته الحرب الاوكرانية.
ـ الولايات المتحدة تعتبر القوات الكردية حليفتها في سوريا، فهي حليفة تركيا بدءًا من الناتو.
لكن العملية في إسطنبول واقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، المتوقع إجراؤها في حزيران، لابد وتدفع أردوغان بصوته وسوطه إلى الشروع في حملة عسكرية واسعة على الشريط الحدودي شمال سوريا، وبذلك سيواجه ممانعتين روسية وامريكية.
روسيا تبذل مؤخراً جهوداً دبلوماسية لعقد لقاء تعته بـ “تاريخي” بين أردوغان وبشار الأسد، وبشار الأسد “يتدلل” ويا للمفارقة!!
يتدلل لأنه إذا ما عزم أردوغان على لقاء الأسد فليس بلا شروط، فللرئيس التركي شروطه ومن بينها:
ـ ان يشتغل كحارس حدود لتركيا بمواجهة الكرد حصرًا.
ـ عودة مليون من اللاجئين من تركيا إلى الأراضي السورية فتركيا عازمة على طرد اللاجئين السوريين وإلى أين؟
إلى أراض سورية لابد وتقع تحت سيطرتها وقد باتت مدارسها باللغة التركية، وعملتها القانونية تركيّة، ولاينقص ضمها القانوني إلى تركيا سوى تراكم الوقت الذي يحيل الامر الواقع إلى واقع قانوني، فكيف يسنحب من هذه المناطق أقله والقوى التي تديرها تتبع لتركيا سواء “الجيش الوطني”، أو “جبهة النصرة”؟
الأسد يطلب عودته للسيطرة على هذه المنطقة الواسعة، فيما قواته عاجزة عن السيطرة على سوق “اتفضلي ياست” الدمشقي، فعلام يرفع شروطه؟
إضافة إلى القوات التركية والكردية، ثمة جهات حربية أساسية تعمل في المنطقة. الأولى هي الجيش السوري الحر، الذي هو نفسه أيضاً يتكون من عدة مليشيات وكل منها تسيطر على جزء من الأراضي حسب قوتها. والثانية هي جبهة تحرير الشام، التي كانت “جبهة النصرة”، وهي فرع للقاعدة. وتعتمد هذه القوات في الحقيقة على دعم تركيا، لكن لكل واحدة منها راع تركي. المخابرات التركية تفضل جبهة تحرير الشام، في حين يفضل الجيش التركي ووزارة الداخلية التركية العمل بواسطة “الجيش السوري الوطني”..
هاتين القوتين اللتين تنسقان فيما بينهما مدعومتان من تركيا، كان يجب عليهما إظهار جبهة موحدة، إذا لم يكن فيما بينهما، فعلى الأقل أمام القوات الكردية. ولكن المحافظات الكردية هي التي تزود المنطقة بالنفط، ضمن أمور أخرى، وتبيعه للأعداء والمليشيات التركية، وتسمح لهم أيضاً بجباية رسوم عبور عن كل صهريج يمر من المنطقة الكردية إلى مناطق أخرى في شمال سوريا. تركيا نفسها تغض النظر عن هذا الترتيب، الذي يمكنها من تقليص نفقات تمويل مليشياتها. من هنا، فإن أي اتفاق بين تركيا وسوريا حول الانسحاب يعني ضرراً اقتصادياً كبيراً للمليشيات، وإمكانية كامنة لصراع عنيف بين المليشيات والذين سيحرمونها من مداخيلها، حتى لو كانت تركيا.
مجمل الحوار ما زال مابين الأصدقاء الألداء، ومجمل الصراع مازال مابين الأصدقاء الأعداء.. المفارقة وحدها بل والسؤال العالق وحده:
ـ ماموقع الأسد في هذه الخارطة؟
ما الذي يدفع باتجاه اللقاء معه وهو الوحيد الذي:
ـ بلا حول ولا طول؟
إنه السؤال الذي لن يجب عنه سوى فلاديمير بوتين أو واحد المالك الفعلي لبشار الأسد حتى اللحظة.