
نبيل الملحم
تريد “دولة أموية”، وأنا أريدها معك شرط أن نفهمها، لا بالشعارات المعتوهة، بل بالحقائق التي تفقأ العين، ولهذا كان علينا لنفهمها، أن نتساءل:
ـ عندما وصل معاوية بن أبي سفيان إلى حكم دمشق، هل هدم كل ما سبقه من ثقافة وعمارة وموسيقى… أم بنى عليها؟
بعيدًا عن الضجيج، فمعاوية لم يهدم ما سبقه، بل بنى عليه وراكم فوقه، وأضاف إليه الطابع العربي الإسلامي، دون أن يقطع الحبل السري الذي ربط دمشق والشام بإرثها البيزنطي، الروماني، الآرامي، المسيحي، والسرياني.
دمشق قبل معاوية كانت مدينة عميقة الجذور، عامرة بالأسواق والكنائس والمعابد الرومانية، والموسيقى المحلية المتأثرة بالثقافة البيزنطية،
ومعاوية، بسياسته البراغماتية ودهائه العملي، لم يُقدم على تدمير هذا الإرث، بل حافظ على كثير من مؤسسات الإدارة والحياة اليومية، بل واستعان بالمسيحيين وأبناء الشام في إدارة الدولة الناشئة.
في العمارة، لم يبدأ من فراغ… لاحقًا، الجامع الأموي العظيم في دمشق بُني فوق كاتدرائية يوحنا المعمدان، وتحمل جدرانه ملامح العمارة الرومانية والبيزنطية، شاهدًا على أن الحضارات لا تُمحى بل يُعاد تشكيلها.
أما الموسيقى، فلم تُحظَر ولم تُقتل، بل على العكس، مع الزمن، ازدهرت في العصر الأموي، وانتقلت الألحان بين الحجاز والشام، وظهر فنانون ومغنون كبار عرفهم التاريخ مثل ، طويس، ابن محرز، وأسماء أخرى تركت أثرًا في ملامح الموسيقى العربية المبكرة، التي تبلورت في أواخر العصر الأموي وبلغت نضجها في العصر العباسي.
أكثر من ذلك، معاوية لم يُحطّم تماثيل مدينة تدمر، ولم يُدمّر عمارة الآباء القدماء، ولم يفرض على المدينة ثقافة الكهف، بل تركها تواصل حضورها ضمن سياق سياسي جديد، حافظ فيه على العمق الحضاري، ونسج منه غطاءً جديدًا للدولة.
التاريخ الحقيقي ليس قصة “هدم” و”إلغاء”، بل هو قصة تراكم، امتزاج، وتحوّل… ومعاوية فهم اللعبة جيدًا، فاختار البناء على ما هو قائم بدلًا من محوه.ُ
كي لايساء إلى سمعة معاوية، افهموها:
ـ الدول لا تبنى بالقطع مع الماضي، تُبنى بالبناء عليه، فدولة بلا ذاكرة، لن تكون سوى :
ـ حائط، أو كومة أحجار.
ضبّوا المعتوهين من شوارع دمشق، هذا إذا احترمتم “الدولة الأموية”.