الإسلام ونقد السياسة والسلطة

غسان المفلح

منذ سقوط الأبد الأسدي ومجيء سلطة تنتمي إلى ما يمكننا تسميته” إسلام سياسي” اختصارا للصورة النمطية في الذهن عن هيئة تحرير الشام المنحلة. هذه الهيئة كانت منذ سنوات قد تخلت عن النسق الجهادي العالمي المعروف.

منذ هذا السقوط وانأ أتعرض أحيانا لهجوم شخصي وانتقاد قاس من أصدقاء وأقارب وفضاء متقاطع مع مفاهيم الإسلام السياسي عن الدولة والسلطة والمجتمع.

في هذه العجالة أريد توضيح بعد القضايا. منهم أصدقاء عملنا معا في السنة الأولى للثورة. هذه معلومة أولى ذكرتها عدة مرات: منذ يوليو/تموز 2012 ورفع راية القاعدة السوداء على معبر باب الهوى لم يعد لي أية علاقة بكل تشكيلات المعارضة.

دعيت مرات كثيرة للانخراط في بعض التشكيلات ورفضت وتمنيت لهم التوفيق. من جهة أخرى لهؤلاء أقول: أنني حتى في حزبي حزب العمل الشيوعي الذي اعتقلت بناء على عضويتي فيه، كنت في الموقع النقدي لخطاب الحزب وسياساته.

هذه الشجون الشخصية تجعلني أقول أيضا: السلطة أصغر من الثورة ليس هذه السلطة فحسب بل أي سلطة غيرها كان ممكن أن تأتي بعد الأبد الأسدي. فيأتي الاتهام من جهتين جهة تتهمك أنك موال للسلطة الجديدة وجهة تتهمك أنك ضد السلطة وضد الإسلام.

الجهة الأولى أضحك عندما أري اتهامهم لي بأنني موال للسلطة الجديدة. أما الجهة الثانية بانني ضد السلطة وضد الإسلام هم من يعنوني في هذا المقال.

أولاً: يجب الفصل بين السلطة الحالية وبين الإسلام كدين. عبر التاريخ كل الأديان مرت ولاتزل بمحاولة استخدام الدين في السياسة والإسلام ليس استثناء على هذا الصعيد. إذا أضفنا أن الإسلام يقر أنه دين ودنيا. هذا ما يجعل الحوار معقدا أحيانا. هذه الصعوبة الإسلام ارحب من أن تقف عقبة في سبيل إنتاج إسلام ديمقراطي سياسيا وليبرالي اقتصاديا. التجربة التركية كنموذج.

ثانياً: منذ بداية سبعينات القرن العشرين، حيث بدأ الاستثمار الغربي فيما يسمى” الصحوة الإسلامية” كرد على المعسكر الشرقي وتيارات اليسار، واعتبارات أخرى. نتج عن ذلك ما عرف لاحقا بظاهرة الإسلام السياسي عموما والجهادي خصوصا.

نهاية هذا الاستثمار بدأت تلوح في الأفق، لكن ليس ببساطة يمكن التخلص منها ومن استطالاتها في” المجتمعات الإسلامية” على الأقل في منطقتنا.

هذا الاستثمار كان أيضا فرص عمل، كل تنظيم جهادي بالنهاية يؤمن فرص عمل لأصحابه وأعضاءه. هذه الموجة لانزال نعيش آثارها في سورية.

-الآن في سورية لدينا مشكلة حقيقية: الاعتداء من قبل هذا الإرث على الحريات الفردية للناس. وصار كل مدعي ينصب حاله مفتي ومطبق للشريعة. يتصرف برعونة وهذه الرعونة تسجل باسم الإسلام!!! للأسف. هذه الظاهرة تتحمل السلطة الآن مسؤولية إزالتها من المجتمع بالتعاون مع دعاة الإسلام الوسطي المنفتح. ومهمة المجلس السوري للإفتاء. وتربية رجال الأمن والقانون على احترام الحريات الفردية للأفراد. وعدم سكوت المجتمع السوري عن هذه الظواهر. الإسلام أكبر من هؤلاء.

المشكلة الأكثر تعقيداً في هذه الظاهرة أن الضحية فيها دوما من النساء. تحجبي! تحت هذا العنوان يصار إلى الاعتداء على المرأة كإنسان. الطريف السوداوي في القصة، أن من يقل لها تحجبي! هو أقل منها قدراً وعلماً.

لكن لايزال يسكن عقله أن المرأة هي الطرف الضعيف! هذا يسجل باسم الإسلام أيضاً. ولا يبني مجتمعا ودولة تحترم مواطنيها بالمساواة أمام القانون. أنا مع السلطة في هذا السياق، سياق بناء دولة تحترم مواطنيها فقط. وضدها في أي سياق فيه اعتداء على حرية المواطن امرأة كان أو رجل.

ضد من يريد توظيف الإسلام في خدمة السياسة. نحن أمام سلطة انتقالية لم تتوضع سوريا بعد. وتيارات إسلامية تريد الاستمرار في توظيف الإسلام في حقل المصالح الدنيوية.

هذا يعني إنزال الإسلام كدين من حيز المقدس إلى حيز المدنس. لهؤلاء أقول أنا لست ضد الأسلام كدين ولن أكون: لكن لا أقبل أن يستخدم الإسلام كوسيلة للسيطرة على حياة المواطنين السوريين.

هذا الغطاء تستخدمه الفصائل المنفلتة. التي يجب أن تنتهي كلياً. ابحثوا لهم عن فرص عمل خارج سلاحهم الذي يستقوا به. أعرف أن هذا النقاش لن يتوقف حتى نرى سورية دولة مدنية ديمقراطية، دولة قانون ومساواة. أخيرا عندما ننقد السلطة فنحن لسنا ضد السنة ولسنا ضد الإسلام.

Exit mobile version