الانتخابات الأردنية… حذاري من “التأجيل”

يخدم الحديث عن تمديد ولاية البرلمان الأردني وتأجيل الانتخابات العامة وإقصاء الاستحقاق الدستوري قوى ووجهات نظر معلبة يعرفها الجميع ويورط البلاد والعباد بسيناريو البقاء لفترة أطول في مرحلة التحول الديمقراطي وغياب الاصلاح السياسي.

يحصل ذلك اليوم مع فارق بسيط وهو ان المرحلة صعبة وحساسة وأعصاب الأردنيين مشدودة والضائقة الاقتصادية أفقية والاستعصاء البيروقراطي يحكم الإيقاع والثقة تتراجع بإقرار غالبية رجال الدولة بين مؤسسات القطاع العام والمواطنين.

شخصياً وبكل أمانة لا أعرف سبباً وجيهاً لتأجيل الاستحقاق الانتخابي، ولا يمكنني التكهن بسبب بعيداً عن تلك الوصفات الكلاسيكية المعلبة التي تخيف القرار وتنتج توتراً بلا مبرر بين الناس، ولا أعرف بطبيعة الحال سبباً وطنياً يؤدي إلى استنتاج ينتهي بإرجاء الاستحقاق الإنتخابي إلا إذا كان المرتجفون يعبرون الآن ومرحليا عن خشيتهم من خيارات الناس التي ينبغي ويتوجب أن تُحترم.

في اليومين الأخيرين تصاعدت النغمة التي تحاول تهيئة الرأي العام لسيناريو تأجيل الانتخابات عبر تسريب حديث عن خيارات تدرس للمصلحة العامة في هذا السياق، عن أي مصلحة عامة يتحدث هؤلاء؟.. سؤال نطرحه بقوة في الواقع الاشتباكي المحلي متأملين ومن الأعماق بأن لا يستجيب القرار لتلك الدعوات التي تعمل لصالح تأجيل إستحقاق دستوري نزعم بأن البلاد والعباد معاً في أمس الحاجة إليه.

المملكة في وقت تواجه فيه صفقة القرن المشؤومة بأمس الحاجة لإنتخابات برلمانية نظيفة ونزيهة، وبأمس الحاجة لبرلمان قوي ممثل لإيقاع الناس مهما بلغت نسبة المعارضة أو المناكفة فيه والبلاد أيضاً بأمس الحاجة لحكومة قوية متينة تمارس الاشتباك مع سلطة التشريع إيجابياً للصالح الوطني في مواجهة الوقائع التي يفرضها اليمين الاسرائيلي وشريكه الأمريكي على أكتاف نهر الأردن.

نجزم بأن الدولة الأردنية قوية والشعب الأردني صلب لكنه يريد اللعب بخياراته وعلى الأقل أهمها مواجهة تداعيات المرحلة المقبلة بصلابة وبقوة وبقدرة على التفاوض التكتيكي المنتج بدلاً من الاستسلام التفاوضي وتحسين الشروط بدلاً من التصدي والمواجهة.

انتخابات في موعدها استحقاق «لا يخيف أحداً»… ما يخيف ويقلق فعلاً هو السماحة لأجندات تقترح تأجيل الانتخابات بأن تتصدر، غير جائز بحال من الأحوال أن يتم حشو مؤسسات القرار بتلك الاقتراحات التي تعيد مرة تلو المرة التخويف من الاصلاح السياسي والنزاهة والانتخابية وانتهازية التيار الاسلامي ونواياه في الاستثمار باللحظة التاريخية، تلك وصفة مصلحية انتهازية شللية لا يمكنها أن تكون وصفة وطنية تبغي وجه الله وخدمة النظام والدولة، كل الأجندات الشيطانية أمريكيا واسرائيليا يمكنها أن تتسلل إلى الواقع الموضوعي الاردني من «مؤسسات هشة» وشعب حائر يعاني ضائقة اقتصادية تعبث الحكومات بخياراته الانتخابية وبلا مبرر وطني أو حتى أمني أو أخلاقي.

الخبث في التفاصيل فبرلمان متهالك ضعيف لا يستطيع الدفاع عن نفسه أمام الرأي العام لا يصلح لتصليب وتقوية جدار الدولة في مواجهة استحقاقات وتداعيات ما يجري ومجلس نيابي يحصل من دون سبب وجيه على «سنة تمديد مجانا» لا يمكنه أن يمثل خياراً معقولاً حتى في إنجاز «واقعية سياسية» تنطوي على مكاسب.

بالتوازي لا يمكن اعتبار الاستمرار في تشكيل حكومات منقوصة الولاية وشكلية الاداء ومليئة بالموظفين فقط وخالية من الزعامات السياسية وأدواتها مجهولة أو طارئة أو شللية أو لا يعرفها أحد هو الخيار السليم والخطوة الأصح خصوصا في المرحلة الحالية حيث الجميع وبدون استثناء في الوطن الأردني بخطر وحيث المصداقية بين الحكومات والشعب بازمة أفقية.

وحيث أسئلة فساد لا جواب عليها ومناخ تشكيك وسلبية من الصعب السيطرة عليه، مصلحة الدولة لا يجازف بها برلمان قوي ولا انتخابات حقيقية قوية ولا حكومة صلبة في جزئية ممارسة ولايتها العامة بموجب الاستحقاق الدستوري.

ومصلحة البلاد أيضاً لا تضر بها كتلة قوية تتبع الاسلاميين في البرلمان المقبل ولا وجود ممثلين لنقابة المعلمين أو غيرها في مستويات التمثيل بقدر ما تلحق ضرراً بالغاً بها سياسات الارتجاف والتردد والاقصاء والتهميش والبقاء فيما وصفه تقرير استراتيجي بمرحلة إنتقال ديمقراطي طالت وتجاوزت 30 عاما.

لا يحرث الأرض إلا أولادها وأردن اليوم بحاجة لشراكة مسؤولة من جميع الشرائح بما فيها المعارضة والإسلامية واليسارية والقومية وتلك الحراكية أو المحسوبة على القطاع العام، وعليه ننتهز فرصة التسريبات لإطلاق تحذير شديد يطلق كل الأضواء الحمراء فمثل هذا الاتجاه الذي ينسجم مع انتهازية ثم مخاوف بعض المسؤولين سيثير أزمة في وجدان الأردنيين وسيفجر ارتيابهم خصوصا على جبهة خيارات الصفقة الأمريكية التي تخيف الجميع أصلاً وسيتراكم الخوف منها في حال الإصرار على تأجيل الاستحقاق الانتخابي.

الانتخابات مهما كان الوضع الداخلي معقداً هي المدخل الأصح للتحول الديمقراطي في مرحلة حساسة وحرجة، قانون انتخاب يبدأ فعلاً خطوة حقيقية نحو الإصلاح السياسي هو الحل وعبره فقط المقاربة التي تؤسس شراكات بين الدولة والناس يمكنها أن تؤدي لتحسين شروط التفاوض بأقل تقدير مع أعداء الأردن وخصومه في الاقليم والخارج، انتخابات في موعدها استحقاق «لا يخيف أحداً»… ما يخيف ويقلق فعلاً هو السماح لأجندات تقترح تأجيل الانتخابات بأن تتصدر.

Exit mobile version