مرصد مينا – هيئة التحرير
بعد أيام قليلة من إعلان الرئاسة الجزائرية، تحديد موعد الانتخابات التشريعية المبكرة في الـ12 من شهر حزيران\ يونيو المقبل، تجددت احتجاجات الحراك الشعبي بعد انقطاع استمر قرابة العام، لتعيش العاصمة والعديد من المدن الأخرى مظاهرات ومسيرات شعبية جددت رفضها لمسار السلطة، وعلى رأسها الانتخابات المذكورة .
وبينما تتجه السلطة إلى استباق هاجس العزوف الشعبي عبر تدابير جديدة ضمنتها في القانون الجديد للانتخابات، من أجل كسر أي تشويش أو مقاطعة، كما حدث مع الانتخابات الرئاسية التي جرت في كانون الأول\ ديسمبر من عام 2019، والاستفتاء على الدستور المنتظم في مطلع تشرين الثاني\ نوفمبر الماضي، تعالت أصوات أطراف سياسية في البلاد، مطالبة بتأجيل الانتخابات عن موعدها المقرر، بسبب تأخر السلطة العليا للانتخابات في استكمال كافة الترتيبات الفنية والتقنية لإجرائها.
وعلى الرغم من أن قانون الانتخابات الجديد، يقدم تسهيلات استثنائية، لمختلف التشكيلات السياسية وبالأخص الراغبين في الترشح بصفة مستقلة، حيث يشترط على الجميع جمع عدد معين من التوكيلات لدخول السباق مع مجانية القاعات وطبع الملصقات بالنسبة للشباب، كما يقول مراقبون، تشدد قوائم مستقلة على ضرورة تأجيل موعد الانتخابات لفترة أسبوعين على الأقل، بداعي فسح المجال أمام القوائم المرشحة لجمع التواقيع المطلوبة للترشح، فيما يرى ناشطون أن الانتخابات، مجرد مسعى من السلطة لتجديد نفسها، وترتيب أوراقها بغية الوصول إلى فرض الأمر الواقع، وتجاهل المطالب الأساسية للحراك الشعبي.
في 11 من شهر آذار\ مارس الجاري، وقع الرئيس الجزائري، “عبد المجيد تبون” مرسوما للتوجه إلى انتخابات نيابية مبكرة في حزيران\ يونيو المقبل، وذلك بعد أيام من قراره حل المجلس الشعبي الوطني “الغرفة الأولى للبرلمان”.
يشار أن الانتخابات المقبلة ستشهد لأول مرة اعتماد نظام القائمة المفتوحة في اختيار المترشحين كما أقره قانون انتخابات جديد، كما ستسمح القائمة المفتوحة للناخب بترتيب المرشحين داخل القائمة الواحدة حسب رغبته، بخلاف المغلقة التي كانت تفرض عليه اختيار القائمة كما هي، وفق الترتيب الذي وضعه الحزب.
ومع ذلك، وعلى الرغم من إصرار السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات على الالتزام بالموعد المحدد، يرى محللون أن التوجه نحو الانتخابات النيابية المبكرة، مرتبطا برهانات عديدة ستحدد نجاحها من عدمه.
ثلاث عقبات أمام نجاح الانتخابات
يشدد أستاذ العلوم السياسية “هيثم مطروح”، على ضرورة تجاوز الحكومة الجزائرية لثلاث عقبات من أجل ضمان نجاح الانتخابات، معتبرا أن الرهان الأول يتمثل بإقناع ممثلي الحراك الشعبي بالمشاركة بالانتخابات من خلال التوصل معهم لحل متفاوض عليه قبل تنظيمها، لأن تجاهل الحكومة للحراك سيدفع نسبة كبيرة من الجزائريين لمقاطعة الانتخابات وبالتالي فإن نسبة المشاركة لن تزيد عن 35 بالمئة.
ويشير “مطروح”، إلى أن الحراك في الجزائر يضم تيارين اثنين، الأول يرفض كل مبادرات السلطة ويطالب بحل كل المؤسسات والذهاب نحو مؤتمر تأسيسي، أما الثاني فيطالب بحل متفاوض عليه مع النظام قبل تنظيم أي انتخابات، معتبرا أن كسب التيار الثاني من الحراك سيزيل عقبة نجاحها الثانية، والمتمثلة بنسبة المشاركة من أمام الحكومة، حيث تعتبر نسبة المشاركة من أكبر الرهانات التي تنتظر الاستحقاقات النيابية المبكرة، خاصة بعد نسبة 23.7 بالمائة في استفتاء تعديل الدستور والتي اعتبرت الأضعف في تاريخ البلاد.
بالإضافة الى ذلك، يشدد على أن أهم الرهانات المرتبطة بنجاح الانتخابات، تركيبة المجلس الشعبي الوطني، الذي سيتمخض عنها، في ظل المؤشرات التي تتحدث عن تراجع كبير للأحزاب التقليدية التي سيطرت عليه لسنوات.
يشار الى أن قانون الانتخابات الجديد منح تسهيلات خاصة للشباب، من خلال شرط منح نصف عدد مترشحي القوائم الانتخابية لمن تقل أعمارهم عن 40 سنة، وتخصيص ثلثها للحاصلين على شهادات جامعية.
وشهدت المدن الجزائرية خلال الأسبوعين الأخيرين احتجاجات لآلاف المتظاهرين، مرددين الشعارات الرافضة للانتخابات النيابية المبكرة، كونها “ذر الغبار في العيون”، رغم تعهد الرئيس عبد المجيد تبون بنزاهتها ودعوته الجزائريين، بخاصة الشباب للانخراط في مسار بناء مؤسسات جديدة تحظى بالصدق والمصداقية.
القوائم الحرة ستفتح باب المشاركة
على عكس “مطروح”، تتوقع الباحثة “خلود فهمي” تنظيم الانتخابات المقبلة في وقتها المحدد، مشيرة إلى أن “النظام سيستمر في تجاهل التظاهرات الشعبية” التي دخلت عامها الثالث منذ انطلاقها في 22 شباط\ فبراير 2019، ومتوقعة أن يشارك أكثر من 40 في المئة من الجزائريين في الاستحقاق المقبل، بانية فرضياته على كثرة المرشحين ضمن القوائم الحرة المستقلة، قائلاً إن ترغيب الشباب في الترشح، ومنع الوجوه القديمة منه، سيضاعفان عدد القوائم وسيرفعان نسبة المشاركة.
وترى فهمي أنه وبالرغم من مقاطعة عدد من الأحزاب والتيارات السياسية للانتخابات، فإن عمليات التسجيل في القوائم الانتخابية الذي انطلق في 16 مارس، يسير بوتيرة “مرتفعة”، وإن المعطيات المتوفرة “إيجابية” وتبعث على “التفاؤل”.
وكانت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، قد كشفت قبل أسبوع عن تقديم 39 حزباً و25 قائمة حرة “مستقلين” ملفات الترشح حتى مساء الخميس 18 من الشهر الجاري.
أطراف سياسية تطالب بالتأجيل وأخرى تقاطع
طالبت قوائم مستقلة وأحزاب سياسية بينها “جبهة العدالة والتنمية” بتأجيل موعد الانتخابات لفترة أسبوعين، لفسح المجال أمام القوائم المرشحة لجمع التواقيع المطلوبة للترشح.
وترى القوائم أن هناك تعثراً واضحاً لسلطة الانتخابات منذ بداية العملية الانتخابية، لذلك أصبح من الضروري تمديد الآجال القانونية 15 يوما، أو تأجيل تاريخ الانتخابات بالكامل إلى حين استيفاء كل الترتيبات اللازمة”.
ويتعين على كل حزب جمع 25 ألف توقيع تكون موزعة على 23 ولاية على الأقل، وألا يقل عدد الاكتتابات في كل ولاية عن 300 توقيع، ليتم قبول قوائم الحزب في الولايات ومناطق الجالية، فيما يتعين على القوائم المستقلة جمع 100 اكتتاب عن كل مقعد من المقاعد المطروحة للمنافسة في الولاية.
كما احتجت القوائم المستقلة المرشحة، خاصة في المناطق الانتخابية الأربع المخصصة للجالية الجزائرية في الخارج، على تأخر وصول استمارات الاكتتاب، بعد مضي أكثر من 15 يوما على استدعاء الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” الهيئة الناخبة.
وبحسب قانون الانتخابات فإنه يتعين على القوائم المستقلة في الخارج جمع 400 توقيع من الناخبين لقبول ترشحها، وبينما تطالب أحزاب وقوائم بتأجيل الانتخابات، أعلن “حزب العمال” اليساري المعارض)، مقاطعته الانتخابات النيابية المبكرة، وذلك لأول مرة منذ تأسيسه.
الأمينة العامة للحزب “لويزة حنون” عللت قرار مقاطعة الانتخابات بـ”عدم قدرة الانتخابات على تصحيح القرارات غير الاجتماعية المتّخذة من طرف الحكومة”، مشيرة إلى أن “الموعد الانتخابي يخلو من قواعد المنافسة”، ومعتبرة أن “الانتخابات النيابية موعد للقضاء على التعددية الحزبية”.
“حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، وهو حزب علماني معارض، أعلن رسميا مقاطعة الانتخابات البرلمانية، وذلك خلال اجتماع لمكتبه الوطني، الجمعة الماضية، وقال الحزب في بيان إن “مكان التجمع هو إلى جانب الشعب الذي تجند لتغيير النظام والسماح بتكريس البديل الديمقراطي، وليس في معسكر من يمتهن القمع ويزرع الرعب والفزع ويحشد المتطرفين على الجلوس، مرة أخرى، على كرسي ابتزاز بالأسوأ”.