مرصد مينا
فصلاً جديداً من الانقلاب القضائي شهده لبنان تمثّل بمحاولة وزير العدل هنري خوري المقرّب من التيار الوطني الحر، وبعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى مدعومين من الثنائي الشيعي، عزل المحقق العدلي في ملف تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. وذلك إثر إحالة المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إقالة البيطار وإحالته إلى هيئة التفتيش القضائي والتعميم بعدم استلام أي قرار أو تبليغ أو مستند من قبل القاضي البيطار كونه مكفوف اليد، فيما تمكن نواب التغيير والقوات اللبنانية والكتائب و”حركة الاستقلال” من تعطيل اجتماع مجلس القضاء الأعلى، الذي يضم أكثرية مناهضة للبيطار لكنهم رفضوا الاجتماع تحت ضغط المحتجين، ما أتاح للمحقق العدلي غطاء للاستمرار في مسؤولياته في مواجهة ما يصفه “انقلاباً على القانون”، وفرصة لإصدار القرار الاتهامي في الملف، معلنا: “سأصدر القرار الاتهامي سواء كنت في مكتبي أو منزلي أو الحبس”.
وكان وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري الخوري أحال القرارات التي أصدرها المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار إلى مجلس القضاء الأعلى للاطلاع عليها والتأكد مما وصفه بحسن سير العدالة.
وشهدت العاصمة بيروت تدافعا بين قوات الأمن اللبناني ومحتجين يمثلون أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت حاولوا اقتحام مبنى قصر العدل تزامنا مع اجتماع لمجلس القضاء الأعلى لبحث التطورات القضائية المتعلقة بقضية الانفجار.
يشار أنه سبق هذا قيام الأهالي بتنظيم وقفة احتجاجية دعما لمسار التحقيق الذي استأنفه المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، إذ اتهم المعتصمون من وصفوهم بالسلطة الحاكمة بعرقلة التحقيق في ملف الانفجار، رافضين قرارات النائب العام الأخيرة التي تضمنت إطلاق سراح الموقوفين في القضية والادعاء على المحقق العدلي نفسه.
في السياق نفسه منعت قوات الأمن منعت محتجين من محاولة اقتحام قصر العدل، ووقع تدافع بين الأمن والمحتجين، الذين يرفضون محاولات عرقلة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في أغسطس/آب 2020، وأودى بحياة 220 شخصا.
تأتي هذه التطورات إثر مواجهة قضائية تواصل فيها السجال بين النائب العام والمحقق العدلي إثر قرار عويدات إحالة البيطار إلى هيئة التفتيش القضائي، كما كلف عويدات المباحث الجنائية بتنظيم محاضر وإحالتها للقضاء، إذا خاطب البيطار محكمة التمييز، حسب مراسل الجزيرة. وطلب النائب العام من النيابة ومحكمة التمييز عدم تستلم أي قرار يصدر عن القاضي البيطار.
من جهته، قال المحقق العدلي طارق البيطار في تصريحات إنه لن يمثل أمام النائب العام في الجلسة التي حددها اليوم الخميس، وأكد أنه مستمر في عمله بملف انفجار مرفأ بيروت، ويسعى لتطبيق القانون، حسب تعبيره، مضيفا أن كل القرارات التي صدرت عن النائب العام عويدات “مخالفة للقانون” والقرار الاتهامي في قضية المرفأ سيصدر فور الانتهاء من إعداده.
وكان النائب العام قرر أمس إطلاق سراح كافة الموقوفين (17 شخصا) في قضية انفجار مرفأ بيروت، في ظل أزمة قضائية بعد أن أعلن قاضي التحقيق في القضية الاثنين الماضي استئناف تحقيقاته بعد نحو 13 شهرا من تعليقها، ووجه الاتهام لعدد من الشخصيات، ومنهم النائب العام عويدات.
مصدران قضائيان قالات في وقت سابق لوكالة رويترز إن الاتهامات التي وجهها البيطار للنائب العام و3 قضاة غير محددة حتى الآن. وكان قاضي التحقيق يخطط لاستجواب عويدات في فبراير/شباط 2022، وحدد مجددا جلسات استجواب للمسؤولين المتهمين في قضية مرفأ بيروت الشهر المقبل.
من جهتها وذكرت وكالة فرانس برس-نقلا عن مسؤول قضائي- أن عويدات ادعى أمس الأربعاء أيضا على قاضي التحقيق بتهمة “التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”، ورفض استئنافه التحقيقات بالقول إن البيطار ليست لديه الصلاحية لتجاوز الشكاوى القانونية المرفوعة ضده.
في سياق متصل أثر التوتر القضائي على وضع الاقتصاد اللبناني الذي يعيش أزمة غير مسبوقة، إذ هبطت العملة اللبنانية الليرة أمام الدولار إلى مستوى قياسي منخفض جديد، وبلغ سعر صرف العملة الأميركية في السوق الموازية 60 ألف ليرة. وبذلك تكون العملة اللبنانية فقدت أكثر من 95% من قيمتها منذ بداية الأزمة المالية في البلاد منتصف عام 2019.
ويبلغ السعر الرسمي لصرف الدولار مقابل الليرة 1500 ليرة، كما حدد المصرف المركزي سعرا إضافيا لصرف الدولار في التعاملات التجارية عبر منصة “صيرفة”، يبلغ 38 ألف ليرة. والأزمة الاقتصادية الراهنة هي الأسوأ في تاريخ لبنان، حيث تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 80% من السكان أصبحوا تحت خط الفقر.