البحث عن دجاجة على موائد التوانسة

عربة “محمد البوعزيزي” وقد أطلقت من تونس حركة “الربيع العربي”، لم تكن لتفعل ذلك لو لم تهدّ المجاعة صاحبها كما افتقاد الأمل، ومن بعدها كان على التوانسة انتظار “دجاجة على موائدهم” لاوعد إلهي من بشر كل صلتهم بالله استثمار الله ليشبعوا ويتركوا الناس لمجاعاتهم.

كانت الثورة التونسية “ثورة التحت”، ما يعني ثورة الناس عموم الناس، غير أن قوى الـ “فوق” القادمة إلى السلطة، ونعني على وجه التحديد جماعة الاخوان المسلمين بتعبيرهم المسمى “النهضة”، فاقموا المجاعة وقلبوا المائدة بعد أن أكلوا الدجاجة كل الدجاجة مع البيضة وقشرتها،  تاركين التوانسة نهبًا للفساد والمجاعة، وماحدث يوم 25 جويليه  حسب تعبير رئيس لجنة الحوكمة ومكافحة الفساد في البرلمان التونسي، والذي نستضيفه في “مينا”، كان وبكل الوضوح “خروج جماهير واسعة لوضع حد للمنظومة الفاسدة بكل اذرعها المافيوزية ولوبياتها المحمية سياسيا من حركة النهضة وتوابعها والتي قادت البلاد إلى الخراب والإفلاس والفقر والتهميش وفقدان الأوكسجين الطبي والرعاية الصحية الأساسية في زمن الوباء”، والرجل سيضيف “والتي وضعت البلاد في موقع المتسول على عتبات المؤسسات المانحة”.

المجاعة والفساد، ذهبا هذه المرة نحو ثورة من نوع آخر، هي “ثورة الفوق”، هكذا يمكن تسميتها، ولابد أن الرئيس قيس بن سعيّد قاد هذه الثورة المحمّلة بالمخاطر، لاعلى عربة خضار “محمد بوعزيزي” ولكن من القصر الجمهوري، وهي محمّلة بالمخاطر لأنها وقعت بمواجهة دولتين معًا، الدولة التونسية العميقة المصاحبة لميراث زين العابدين، والدولة الأخطبوط المتمثلة بجماعة الاخوان المسلمين بامتداداتها.. امتداداتها في المخزن المالي العجيب الذي تمتلكه هذه الحركة متكئة على “المحسنين الضالين من المسلمين”، وعلى دولتين تمتلكان أذرعهما المالية والاستخبارية والاعلامية ونعني بهما قطر / تركيا، لتخوض مواجهة أكثر صعوبة من مواجهة نظام بن علي، وهذه محطة الجزيرة تشتغل ليل نهار على تصوير الحدث التونسي باعتباره انقلابًا على الدستور، لاثورة جياع جاءت هذه المرة، وعلى النقيض مما سبقها من ثورات.. لقد جاءت  من فوق، ونعني من رئيس بلاد، عرف بزهده بالسلطة أولاً، وبالمال ثانيًا وعارف بتلافيف الدساتير بما لايحق لغيره نعته بالمنقلب على الدستور.

التوانسة، ووفق كل المراقبين، هرعوا مهللين لثورة بن سعيد، والتوانسة ربما يتميزون بالكثير عن بقية العرب، لا بالقدرة على الاحتمال وطولة البال فحسب، بل بالبعد الفلسفي والمعرفي وكانت قد ظهرت تعبيراته في السينما والكتاب والمسرح وحتى في الغناء، ومن بوسعه نسيان السينمائي رضا الوحيشي أو المسرحي محمد الادريسي، أو صالونات الغناء التونسي التي تعيد لزرياب ماتاه منه من ايقاعات الموسيقى وفتنتها.

ماحدث في تونس هو ثورة مرتين، ثورة قيم، وثورة خبز بآن واحد، وذات يوم كان الكساد قد ضرب أميركا في أخطر أزماتها الاقتصادية، لم يَعِد روزفلت الأميركيين بالسماوات السبع، بل وعدهم بدجاجة على كل مائدة فما الذي قدمته جماعة الاخوان للتوانسة؟

استفحال الفساد، والسطو على الأرزاق مرفقة بوعود من السماء.

السماء لم تمطر على أيدي جماعة الاخوان ولن تمطر.

قيس بن سعيد يقود ثورة التوانسة، لا على عربة خضار البوعزيزي، وإنما على كل العربات التونسية التي تنتظر وتنتظر وفارغ الصبر:

ـ دجاجة على موائد التونسيين.

Exit mobile version