مرصد مينا – هيئة التحرير
عاشت دولة مالي، تجاذبات داخلية عنيفة منذ عقود، لتتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة مؤخرًا، ما أدخل البلد في دوامة تخبّط نتيجة غياب بوصلة سياسية من شأنها إخراج “باماكو” من حالة اللا استقرار، الأمر الذي سمح بإمكانية حدوث انقلاب داخلي، تحقق قبلًا ، بعدما قادته حركة تمرد عسكرية انطلقت من العاصمة.
سقطَ نظام إبراهيم كيتا بالانقلاب، بعد جولاتٍ من التّسيّب والفوضى شهدتها البلاد منذ انتخابات نيسان/ أبريل الماضي التي أنتجت مظاهرات شعبية غاضبة طالبت برحيله. تقاطعات تحتّم على دول الجوار المغاربية… التّناغمَ مع سيرورة تطورات المشهد في مالي البلد الإفريقي الذي تجمعُه مع الجزائر والمغرب علاقات اقتصادية ودبلوماسيّة قويّة. أما الفواعل القارية والدولية فأبدت انشغالًا كبيرًا بما جرى؛ مع إدانات عالمية نادت بالأساس بعودة العسكر إلى ثكناتهم، مع الرافض التغيير الخارج عن الإطار الشرعي؛ وهو موقف أظهرته الجزائر والمغرب في مقاربتها لما حدث.
مواقف دولية
دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى إطلاق سراح الرئيس وأعضاء الحكومة بشكل فوري، كما دعا الى العودة للمسار الدستوري، كما أدانت مفوضية الإتحاد الأفريقي عملية الانقلاب، والتي استنكرتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بأشد العبارات، أما فرنسا “المستعمر السابق” فعبرت عن ادانتها الشديدة للعملية عبر وزارة خارجيتها.
وتطبيقا لقرار الإيكواس تم إغلاق الحدود مع مالي ومحاصرة الجنود واتخاذ اجراءات صارمة بهدف استعادة المسار الدستوري كما تقول الإيكواس.
رفض إقليمي
أدانت المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس) الانقلاب العسكري في مالي، واتخذت سلسلة من الإجراءات الفورية لعزل مالي. وقالت المنظمة في بيان لها بعد أن تم تجميد عضوية مالي في كل مؤسسات المجموعة أن “الانقلاب العسكري في مالي لا يتمتع بأي شكل من الأشكال الشرعية”، وتطالب المنظمة بإعادة النظام الدستوري فورا، وتطالب بالإفراج الفوري عن الرئيس المالي وجميع المسؤولين المعتقلين.
وأعلنت المنظمة غلق المنافذ البرية والجوية ووقف المعاملات الاقتصادية والتجارية والمالية بين الدول الأعضاء في المنظمة (15 دولة) ومالي. كما دعت المنظمة إلى التنفيذ الفوري لعقوبات ضد الانقلابيين وشركائهم والمتعاونين معهم.
وأعلنت المنظمة عن قمة افتراضية بين قادة المجموعة يوم الخميس الماضي، موضوعها التغيير غير الدستوري في مالي بدعوة من الرئيس الدوري للمنظمة “محمد يوسفو” رئيس النيجر.
مخاوف جزائرية
لمحت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، أن الجزائر المنشغلة سابقًا بأزمتي ليبيا والنيجر، بدأت ترى في انقلاب مالي مصدرًا لعدم الاستقرار على حدودها الجنوبية، على بعد أكثر من 1300 كم. هذا ما يفسر الرفض القاطع للدبلوماسية الجزائرية على الانقلاب وفق الـ ”لوفيغارو” في مشهد يشابه ما جرى خلال انقلاب عام 2012 ضد أمادو توماني توري.
الإدانة الدبلوماسية تعكس مبدأيًا وضع الجزائر الحالي، الذي يبدو أنه “في حالة مراقبة إزاء ما يحدث في مالي وتنتظر ما ستقرره القوى الكبرى”، وفق تحليل قدمه، نور الدين عزوز.. الصحفي المختص.
واعتبرت لوفيغارو أنه بالنسبة للجيش، حيث لا يُستبعد سيناريو “إضفاء الطابع الباكستاني” على منطقة الساحل، فإن “الأولوية هي مراقبة تحركات الجماعات الإرهابية بالقرب من الحدود”، بحسب ما أوضح مصدر أمني للصحيفة، حيث إنه في أوائل شهر فبراير/ شباط الماضي، قتل جندي في ثكنة للجيش الجزائري قرب الحدود مع مالي في منطقة “تيمياوين” خلال هجوم انتحاري بسيارة مفخخة.
اتفاق واستثمار سياسي
حدثت حالة فوضى في البلاد بعد انقلاب عام 2012 الذي حدث بسبب الفوضى الأمنية التي خلقها تموضع الحركات الجهادية.. فاستغل الجهاديون وحركات الطوارق تشتت ما بعد الانقلاب وسيطروا علي كامل إقليم أزواد الذي يشمل كل من ولايات كيدال وقاو وتمبكتو، وانقسمت البلاد الي قسمين حيث أعلنت الحركة الوطنية لتحرير أزواد قيام دولة أزواد وإنهاء ما سمته بالاحتلال المالي للإقليم.. لكن تقدم الجهاديين نحو العاصمة أدي إلى تدخل القوات الفرنسية والأفريقية لصالح الدولة المالية وطرد الجماعات الجهادية من الإقليم، ومن ثم توقيع اتفاقية الجزائر للسلام بين مالي ومقاتلي الطوارق.
وقعت الأطراف المالية المشاركة في الحوار الساعي لحل الأزمة في شمال مالي أول مارس آذار 2015، بالعاصمة الجزائرية بالأحرف الأولى على اتفاق سلام ومصالحة تحت إشراف فريق الوساطة الدولية الذي تقوده الجزائر، وذلك بعد سبعة أشهر وخمس جولات من المفاوضات الطويلة والشاقة.
تنص وثيقة الاتفاق، الذي حضر مراسم توقيعه الفريق الدولي للوساطة الذي تقوده الجزائر وممثلا الحكومتين الأمريكية والفرنسية، على “دعم مصالحة وطنية حقيقية وإعادة بناء الوحدة الوطنية لمالي على أسس مبتكرة تحترم سلامته الترابية وتأخذ بعين الاعتبار التنوع العرقي والثقافي للبلد”. كما تشدد الوثيقة على ضرورة التعجيل في تحقيق التنمية الاقتصادية مع ضرورة إعادة استتباب الأمن في أقرب الآجال، إلى جانب الدعوة إلى تحقيق السلم والاستقرار، وضرورة مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للأوطان.
الصحيفة الفرنسية “لوفيغارو” أشارت أن الجزائر، التي استثمرت الكثير كوسيط إقليمي لحل الأزمة الأمنية في مالي، منذ اندلاعها في عام 2012 مع انتفاضة الطوارق ثم الجماعات الجهادية المسلحة في شمال البلاد – لا سيما استضافة المفاوضات بين أطراف النزاع – لم تكن تريد “تلاشي” اتفاقية السلام الموقعة عام 2015 والمعروفة باسم “اتفاق الجزائر”.
لتلمح “لوفيغارو” أنه إذا كان مستقبل اتفاق الجزائر غير مطروح حاليًا، فإن “تحديات جديدة تنتظره بلا شك، سواء في تطبيقه أو في تحديث بعض التدابير”، وفق الصحفي نور الدين عزوز الذي نقل عنه التقرير.
أهمية جغرافية وأزمة حدود
تعتبر قضية وأزمات مالي… ذات بعد خاص لدى الجزائر لتجاور البلدين وتداخل سكانهما وتشابك الملفات هناك.. منذ زمن وفي أقصى جنوب الجزائر، وعلى الحدود مع شمال مالي المضطرب تزداد عمليات تهريب البضائع وحتى المخدرات والأسلحة، هذه الظاهرة ازدادت حدتها بعد أن اصبحت مصدر دخل مهم لبعض الجماعات المسلحة النشطة هناك.
تفاقمت، ظاهرة التهريب في الجنوب الجزائري، ما أثر بشكل مباشر على اقتصاد البلاد خاصة بعد انهيار أسعار البترول، ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للحد من الظاهرة، إلا أن المهربين يستغلون عدم الاستقرار في شمال مالي ودول الساحل لمزاولة نشاطهم وبشكل مكثف.
بعد آخر يتمثل بالجماعات المسلحة والعمليات الإرهابية والأزمة الأمنية المعقدة لدول الساحل والصحراء والتي تضطلع الجزائر بدور كبير فيها، يتوقع تضاعفه مستقبلًا مع تغيير عقيدة القوات المسلحة الجزائرية.. مما يعني أهمية خاصة لانقلاب مالي بالنسبة للسلطات الجزائرية.
تقاطعات تفسر جهود الجزائر ووساطتها السابقة والسعي الجزائري الحالي في احتواء الأزمة والانقلاب مؤخرًا.