مرصد مينا – هيئة التحرير
عكس الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس “رجب طيب أردوغان” مع نظيره الإسرائيلي “إسحاق هرتسوغ”، اندفاع تركيا لتطبيع العلاقات وفتح صفحة جديدة مع تل أبيب بعد مغادرة حكومة “نتنياهو” التي لم تبد أي تجاوب مع الدعوات السابقة.
المكالمة الهاتفية التي استغرقت 40 دقيقة، تعد الأولى بين قادة الدولتين منذ العام 2017، إذ هنأ الرئيس التركي “هرتسوغ” بمناسبة توليه منصبه الجديد، وبحث الطرفان العلاقات التركية الإسرائيلية والقضايا الإقليمية.
صفحة جديدة..
وأكد “أردوغان” أن “العلاقات التركية الإسرائيلية ذات أهمية كبيرة لأمن واستقرار الشرق الأوسط، وأن هناك إمكانات كبيرة للتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، لا سيما في مجالات الطاقة والسياحة والتكنولوجيا”، موضحاً أن “التجارة الثنائية زادت على الرغم من الوباء، ومن المصلحة المشتركة الاستفادة من هذه الإمكانات، معربًا عن اهتمامه باستمرار التواصل والحوار رغم كل الخلافات”.
إلى جانب ذلك، توقع مراقبون أن تتكلل مساعي تركي بإعادة العلاقات بالنجاح في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة برئاسة “نفتالي بينيت”، اذ نقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عن مسؤول تركي لم تكشف اسمه، أن “بلاده ترغب في إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل، لكن مشكلتها كانت مع القيادة الإسرائيلية السابقة (حكومة نتنياهو)”.
ولفت المسؤول التركي إلى أن “الوقت حان لإعادة العلاقات بين بلاده وإسرائيل، ومن الممكن أن يلعب الرئيس الإسرائيلي الجديد، إسحاق هرتصوغ، دورًا رئيسيًا في محاولة فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين ويتوسط لمحادثات بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، نفتالي بينيت، الذي تولى منصبه الشهر الماضي خلفًا لبنيامين نتنياهو”.
بدوره، قال المعلق السياسي “عميحاي شتاين” لقناة “كان”: إنه “خلال العام الأخير، أشار أردوغان مرارا إلى أنه مهتم بتدفئة العلاقات التي جُمدت على مدى العقد الماضي، في أعقاب أحداث مرمرة وقراره في عام 2018، بعد إعلان الولايات المتحدة القدس عاصمة لإسرائيل، بإعادة السفير التركي إلى بلاده والتلميح بطلب إلى السفير الإسرائيل بمغادرة أنقرة”، موضحاً أنه “لمدة أربع سنوات، لم يتحدث أردوغان إلى مسؤول إسرائيلي كبير، وكانت آخر مرة في يوليو 2017، مع الرئيس (السابق) رؤوفين ريفلين في محاولة لمنع حدوث أزمة في الحرم القدسي على خلفية أزمة البوابات المغناطيسية”.
وأوضح الخبير الإسرائيلي أن ” المكالمة قوبلت برفض من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو ووزارة الخارجية التي قالت إنه “من المستحيل أن يكون هناك حديث مع عنصر محرض”.
يشار أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا قد تأزمت عقب الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008، لتتدهور وتصل إلى حدّ القطيعة أكثر عقب اعتراض البحرية الإسرائيلية “أسطول الحرية” في مايو 2012، اذ قتل الكوماندوز الإسرائيلي عشرة ناشطين أتراك.
وطردت تركيا السفير الإسرائيلي وجمدت التعاون العسكري بعد أن خلص تقرير للأمم المتحدة في الحادث عام 2011 إلى تبرئة إسرائيل بدرجة كبيرة، وقلصت إسرائيل وتركيا تبادل المعلومات المخابراتية وألغتا تدريبات عسكرية مشتركة.
تكتيك تركي..
في المقابل يرى مراقبون أن تطبيع تركيا العلاقات مع إسرائيل مع بداية عهد الرئيس الأميركي الجديد “جو بايدن” الذي يعتزم تشديد العقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة الدفاع الجوي الروسي أس-400، قد يمكّن أنقرة من المناورة وتجنب العقوبات الامريكية، فيما كشفت صحيفة “إسرائيل هيوم” أنّ رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس” خلال زيارته لتركيا الأسبوع الماضي دفع الرئيس إردوغان” إلى إجراء اتصال مع الرئيس الإسرائيلي” إسحاق هرتسوغ.”
وعلقت وسائل اعلام عبرية على التطورات الجديدة في العلاقة قائلة: “في تركيا، حاولوا الإشارة عدة مرات خلال العام الماضي إلى أنهم مهتمون بإصلاح العلاقات مع إسرائيل، فأردوغان يشعر بأن ذلك يخدم مصالحه في المنطقة، خصوصًا في مجال الطاقة”.
كما أشارت وسائل الاعلام إلى أن “تركيا تشعر بالعزلة الشديدة في الساحة الإقليمية المتوسطية، وأنها خارج اللعبة بكل ما يتعلق بمعارك الغاز والطاقة في البحر المتوسط”، لافتة إلى أنه “هذا هو السبب في محاولة أردوغان خلال الشهور الأخيرة الماضية تغيير اتجاهه عبر “تحسين العلاقات مع مصر والخليج بعد فترة طويلة من التوتر، وأمر قناة الإخوان المسلمين بالتوقف عن انتقاد حكم الرئيس المصري السيسي”.
وشكك عدد من قادة اليمين والمعارضة، في النوايا الإيجابية التي بثها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال مكالمة هاتفية مطولة مع الرئيس الإسرائيلي، مبدين اعتراضهم على تحسين العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة، ووضعوا شروطاً لذلك؛ بينها إغلاق مكاتب “حماس” في المدن التركية، ووقف حملة التحريض ضد السياسة الإسرائيلية.
مصادر يمينية إسرائيلية أكدت أن “مبادرة الرئيس التركي لإظهار موقف ودي ليست لها علاقة بإسرائيل، وإنما محاولة لاستخدامنا مطية للوصول إلى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي يوجه انتقادات حادة له، وإلى دول الاتحاد الأوروبي التي تتعامل معه ببرود شديد”.
وأصدر ديوان الرئيس الإسرائيلي بياناً قال فيه إن “المحادثة كانت ودية وإيجابية، وأن الرئيسين يوليان أهمية كبيرة لاستمرار الاتصالات والحوار المستمر رغم كل الخلافات، من أجل تعزيز الخطوات الإيجابية لحل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني التي من شأنها أن تسهم في تحسين العلاقات الإسرائيلية – التركية”، فيما كشفت مصادر أن “هيرتسوغ أبلغ إردوغان المطلب الإسرائيلي بأن تغلق تركيا مكاتب حماس في مدنها وتمنع نشاط رجالاتها من هناك، وأن تخفف من انتقاداتها للسياسة الإسرائيلية وتوقف لهجتها العدائية في التصريحات”.
علاقات اقتصادية متبادلة..
العلاقات التركية – الإسرائيلية تبقى تستند إلى شبكة عميقة وواسعة من المصالح المتبادلة، وعادت تركيا في العام 2016، لتعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بعد ست سنوات من الشقاق، اذ أكد أردوغان حينها حصول اتفاق مع إسرائيل وأن “العلاقات الاقتصادية معها ستبدأ في التحسن”.
وكانت تركيا أول دول في المنطقة والعالم الإسلامي التي اعترفت بإسرائيل وعقدت علاقات دبلوماسية واقتصادية معها، منذ العام 1958. فالدولتان كانتا تعتبران أنفسهما جزء من منظومة حلف الناتو. كذلك فأن الدولتان عقدتا اتفاقية للتعاون العسكري منذ أواسط التسعينات، وثمة تنسيق وتناغم دائم بينهما في العلاقات الإقليمية، بالرغم من الخلافات التي جرت بينهما خلال السنوات الماضية، التي بقيت في النطاق الخطابي فحسب.
وتكشف الأرقام الرسمية أن حجم التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين إسرائيل وتركيا وصل إلى مستويات كبيرة بعد مرور أربعة أشهر من العام الجديد، في وقت لا يزال توتر يشوب العلاقات بين البلدين.
البيانات الرسمية الصادرة عن معهد الإحصاء التركي (TUIK) وجمعية المصدرين الأتراك والبنك المركزي (CBRT) تشير إلى أن العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل لم ينقطعان، بل على العكس يزداد، ويقابله أيضا تصاعد في حجم الاستثمارات المباشرة المتبادلة بين البلدين.
وفي عام 2020 صدّرت تركيا 4.7 مليار دولار إلى إسرائيل. وبهذا الرقم احتلت الأخيرة المرتبة التاسعة بين الدول التي تصدر لها تركيا أكثر من غيرها، كما ارتفعت في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 صادرات تركيا إلى إسرائيل إلى مليار و851 مليون دولار، بزيادة قدرها 35 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وأصبحت إسرائيل الدولة الثامنة لصادرات تركيا في هذه الفترة.
يذكر أنه قبل عشر سنوات (في عام 2011) بلغت صادرات تركيا إلى إسرائيل 2.4 مليار دولار، واحتلت إسرائيل المرتبة 17 في صادرات تركيا، وفي عام 2002 عندما وصل حزب “العدالة والتنمية” إلى السلطة كانت صادرات تركيا إلى إسرائيل عند مستوى 850 مليون دولار سنويا. زاد الرقم 4.5 مرات في 18 عاما.